لا مرافق ولا مستشفيات ولا تعليم ولا حياة من الأساس ■ المجالس العرفية تفصل بين المتنازعين داخل جزيرة «الوراق».. والبلطجية يفرضون سيطرتهم على الأهالى على الرغم من أنها لا يفصلها عن محافظة الجيزة سوى نهر النيل، إلا أنها تبدو وكأنها جزر فقيرة ومنعزلة، تنعدم فيها مظاهر الحياة، فلا مرافق ولا خدمات ولا تعليم ولا مستشفيات بها. فى جزيرتى الوراق وبين البحرين، نجد أناسا أجسادهم نحلت من شدة الفقر والبؤس الذين يعيشون فيه، يصرخون من اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحى، وارتفاع معدلات الجريمة وتعاطى المخدرات دون تحرك أحد من المسئولين.. «الفجر» نزلت فى جولة ميدانية إلى هذه الجزر لرصد أوضاع المعيشة داخلها. على ناصية أحد مقاهى حى الوراق بالجيزة، تجد باباً صغيرا لا يتجاوز طوله المترين، أطلق عليه أهالى الحى بوابة دخول مملكة الوراق، ومنه تستقل معدية «عم محمد» التى تنقلك إلى أرض هذه الجزيرة المعروفة ب«تجارة الأسماك». بمجرد وصولك إلى أرض الجزيرة، تجد مجموعة من شبابها يجلسون على مقاعد خشبية، أمامها مجموعة من التكاتك، المخصصة لنقل الأهالى بين أرجاء الجزيرة المختلفة، وإذا ما انتظرت قليلاً ستلحظ المشاجرات والاشتباكات التى تكاد تتطور بينهم إلى معارك دموية نهايتها القتل، بسبب الصراع على لقمة العيش. «لا وظيفة.. ولا صنعة.. ولا أكل.. ولا شرب».. هكذا عبر عبد الحليم محمود، أحد سائقى التوك توك، عن مأساته، قائلاً: الخير انقطع من الجزيرة، وأصبحنا نأكل فى بعضنا، بعدما قضى الصرف الصحى على الزراعة والصيد فى الجزيرة، متابعاً: شباب الجزيرة بعضهم كان يمتهن الصيد، وآخرون يعملون بالزراعة، إلا أن مياه المجارى التى يتم صرفها فى نهر الجزيرة قضت على الأسماك. بعد ذلك تجولت «الفجر» داخل الجزيرة لترصد واقعاً أليماً يعيشه أهالى الجزيرة، فلا مكان لنقطة شرطة تستطيع من خلالها تأمين هذه البقعة السكانية، بل يعتمدون فقط على المجالس العرفية التى يترأسها عمدة الجزيرة الحاج " شعيب" للفصل فى النزاعات التى تقع بين أهالى الجزيرة. وأثناء سيرنا فى الجزيرة، تقابلنا مع رجل خمسينى يدعى عم «سيد»، قال لنا: «إحنا هنا عايشين زى الميتين، مفيش أمان، والمجالس العرفية هى التى تفصل بين المتنازعين بأحكام من قبيل طرد المخطئ من الجزيرة، أو بدفعه أموالاً». وتابع: مياه الشرب تختلط بالصرف الصحى، فالمجارى تغرق بيوت الأهالى، ولا سبيل أمامنا سوى صرفها فى مياه النيل. استقلينا «توك توك»، وأثناء سيرنا بالجزيرة، وجدنا أماكن وأراضى زراعية مهجورة، وحينما سألنا السائق عنها، قال لنا: «دى أماكن شرب المخدرات، وممارسة الرذيلة ليلاً مع فتيات الليل، ومحدش يقدر يتكلم أو يبلغ عنهم، لأن اللى هيتكلم وشه هيتشوه». بعدما نزلنا فى المنطقة القبلية من الجزيرة، تقابلنا مع «عادل رحيم»، أحد سكان الجزيرة، الذى قال: «مفيش حياة من الأساس فى الجزيرة.. إحنا عايشين بالبركة.. والحكومة مش بتسأل فينا، كل ما فعله المسئولون، أنهم وضعوا أكشاكا لبيع الخبز على ضفاف نهر الجزيرة، لكنها لا تعمل، وتحولت إلى مقالب للزبالة». وتابع: لا يوجد مستشفى أو وحدة صحية فى الجزيرة، وكل ما نأمله كوبرى يربط بين الطريق الدائرى وجزيرة الوراق، خاصة أن أولادنا يواجهون صعوبات كبيرة بسبب بعد المدارس عن منازلنا، فالجزيرة لا توجد بها مدارس، ولا مراكز تعليمية. واستطرد: الحياة فى القرية تكاد تكون «منعدمة»، والكارثة الأكبر من ذلك، هى حالات غرق الأطفال التى تشهدها الجزيرة من فترة لأخرى، بسبب غياب الرقابة من قبل المسطحات المائية، حيث اعتاد الأطفال النزول للاستحمام فى مياه النيل، بالإضافة إلى الأهالى الذين يغسلون أوانى الأطعمة وملابسهم فى المياه، ما ينذر بعدوتهم بالفيروسات. ومن الوراق إلى جزيرة بين البحرين، الملاصقة لشارع البحر الأعظم بمنطقة المنيب، التى بمجرد أن وصلنا إليها، وجدنا شوارعها خالية تماماً، حتى وصلنا إلى مكان لتصنيع المراكب والمعديات من الخشب، لم نجد فيه سوى مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة فى قطعة أرض مواجهة لها. وفجأة لمحنا شاباً، فسارعنا إليه، وسألناه : «هو مفيش حد ساكن هنا ولا إيه»، فضحك ساخراً، وقال:كلهم هجروا الجزيرة، بسبب تدهور أحوالها، فلا توجد مرافق ، ولا خدمات، ولا أمن، ولا مستشفيات، ولا مدارس فى الجزيرة، فضلاً عن انعدام الأمن والأمان داخل الجزيرة. تجولنا فى الجزيرة، ووجدنا شاباً آخر، فسألناه عن أوضاع الجزيرة، فقال: «مفيش هنا لقمة عيش نظيفة.. عشان كده الناس كلها مشيت من هنا وتركت الجزيرة، خاصة مع زيادة سيطرة البلطجية عليها". وأضاف: كنا نعتمد على الصيد كمهنة أساسية لأهالى الجزيرة، إلا أن التلوث الذى أصاب مياه نهر النيل تسبب فى نفوق الأسماك، متابعاً: «إحنا هنا عايشين بالكاد.. ولما بنحب نشتغل لازم نعدى للبر الثانى، أو ننزل نشتغل فى الجيزة. واستطرد: «مفيش مستشفيات.. وكل يوم واحد بيموت بسبب غياب الرعاية الصحية»، مستشهداً بحالة طفل انفجرت «الزائدة» فى بطنه، ولم يتم إنقاذه بسبب بعد المسافة بين الجزيرة ومستشفى الجيزة العام». واختتم الشاب كلامه: «مش عايزين غير ستر ربنا.. ولقمة عيش نظيفة، نقدر نعيش منها، بالإضافة إلى تطهير الجزيرة من البلطجية».