يوسف مات.. والناظر أرسل له إنذارًا بالفصل لغيابه أن تفقد حياتك، أهون من أن ترى ابنك الوحيد يتألم دون معرفة السبب، تطوى الطرق إلى الأطباء اختصارًا، عسى أن يطمئنك أحدهم ولو بالتشخيص الصحيح للمرض، تعتصرك لحظات الحيرة تارة، وقلة الحيلة تارات، وبينهما ستتمنى الموت ألفاً.. فالموت راحة يتمناها العاجزون. هذا ما طاوعتنا أقلامنا على كتابته، لنخط به لمحة استقيناها من أعاصير الأحاسيس المتداخلة فى جوف أب فقد سنده، وأم ثكلى فقدت ضياء عينيها، استجمعا قوتهما بشق الأنفس ليرويا لنا اللحظات الأخيرة فى حياة يوسف، طفلهما الذى فقداه قبل أن تختمر أحلامهما له، ليتولى الإهمال وقلة الخبرة أمره قبل صعود نفسه إلى بارئها. بصوت تكسوه الكسرة، وتسابقه الدموع، قال صلاح والد الطفل الفقيد: عاد يوسف من المدرسة يوم الأحد الموافق ال21 من شهر فبراير المنصرم، يشعر بأعراض حسبناها للإنفلونزا، بعد رشح متواصل من الأنف، مصحوب بارتفاع فى درجات الحرارة، وخسارة فى الوزن، حاولنا إسعافه فأعطيناه مضادًا حيويًا، لكن دون جدوى. وبعد ساعات قليلة، فوجئنا بزيادة الحمى والرشح بلا توقف، لم أنتظر كثيرًا فأخذته إلى أقرب مستشفى، وهو "النصر" بحلوان، إلا أننى وجدته خالياً من أى من أطباء الأطفال، فاضطررت إلى الانتقال سريعًا لمستشفى حلوان العام، وبعد مناقشة طويلة مع أطباء الطوارئ بالمستشفى، أكدوا عدم علمهم بماهية المرض الذى يعانى منه يوسف، وبعد مرور 7 ساعات على فقد يوسف للوعى، انتقلنا إلى مستشفى أبوالريش للأطفال. فور وصولنا هناك، أجرينا ليوسف كافة التحاليل الطبية اللازمة، من ضغط وسكر وسموم ومخدرات؛ لتحديد المرض وتشخيصه بصورة صحيحة، وجاءت كل النتائج سلبية، ما اضطرنا إلى المكوث فى المستشفى طوال يوم الاثنين، إلى أن طلب أحد أطباء مستشفى قصر العينى الفرنساوى، عمل تحليل للنخاع الشوكى للطفل، للوقوف على احتمالية إصابته بمرض الالتهاب السحائى من عدمه. جاءت نتيجة التحليل فى الساعة الحادية عشرة من مساء الاثنين، وبعرضها على الدكتور محمود سعد، أحد أطباء الباطنة بالمستشفى، أكد ارتفاع نسبة البروتينات فى التحاليل، ما يثبت إصابة يوسف بالالتهاب السحائى، ويبقى عمل تحليل "BCR" لتحديد درجة ونوع هذا الالتهاب، إذ ما كان فيروسيًا، أو بكتيريًا، وتم نقل يوسف يوم الاربعاء الموافق ال24 فبراير إلى مستشفى الحميات بالعباسية، وتم فصله عن باقى المرضى، ومع بداية تلقيه للعلاج، أصابته أزمة تنفس، نُقل على أثرها إلى العناية المركزة، وطلب من مرافقيه تناول مصل مضاد للعدوى لحمايتهم. وتابع والد يوسف: اتصلت بى الإدارة الصحية بحلوان، لتؤكد أنهم يتابعون حالة ابنى متابعة دقيقة، بعد علمهم بالموضوع من أصدقاء يوسف فى المدرسة، وظل يوسف حبيسًا فى العناية المركزة من يوم الأربعاء حتى وفاته فى الثلاثاء الأول من الشهر الجارى. واتهم والد يوسف إدارة المدرسة، ومسئول الطب الوقائى بها بتورطهما فى تدهور حالة يوسف الصحية، خاصة بعد إنكارهم المستمر إصابة ابنه بالالتهاب السحائى، وحاول والد الطفل الفقيد مخاطبة الإدارة التعليمية، والطب الوقائى، لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لإنقاذ باقى الأطفال بمدرسة يوسف بعدما تناثرت الإشاعات عن وجود عدوى بها. وحصلت "الفجر" على شهادة وفاة يوسف، التى تم فيها تشخيص سبب الوفاة بالتهاب فى المخ، وهو ما أكده الأطباء بأن نتيجة تحاليل النخاع الشوكى ليوسف صلاح أثبتت إصابته بمرض الالتهاب السحائى، وفى اتصال هاتفى مع الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، أكد لنا أنه لم يتوافر لديه أى معلومات وصلت وزارة الصحة، تؤكد وجود أى إصابة بالالتهاب السحائى فى مدارس حلوان، أو مستشفى حميات العباسية. ذهبنا إلى مدرسة يوسف، للوقوف على مدى صحة تصريحات المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، وحال مقابلتنا مسئولة النظافة بالمدرسة، نفت علمها بحقيقة سبب وفاة يوسف، إلا أنهم فوجئوا بعد غيابه بعدة أيام، بخبر وفاته، فذهبنا لمقابلة مدير المدرسة، الذى أكد لنا أن الطفل يوسف صلاح قد تغيب عن المدرسة من يوم الأحد حتى الأربعاء، وأرسلنا إنذارًا بالفصل إلى منزله. واستطرد المدير موضحًا، تواصلنا مع ولى أمر يوسف، وأكد أن الطفل محجوز فى مستشفى حميات العباسية، وعلى الفور أخطرنا الإدارة التعليمية بتغيب الطفل عن الحضور لوجوده فى المستشفى المذكور، حتى يتم اتخاذ اللازم، وأغلقت إدارة المستشفى الفصل الذى كان يجلس به الطفل يوم إصابته بالمرض، خشية انتقال العدوى لباقى الأطفال، وتم نقل زملائه للدراسة فى غرفة الكمبيوتر. وأضاف المدير، أن مدير التأمين الصحى، ومدير الإدارة التعليمية بحلوان اجتمعوا بأولياء أمور الأطفال لطمأنتهم، خاصة أن المدرسة بها 580 طالباً، ولم تتخط نسبة الحضور بالمدرسة وقت إصابة الطفل يوسف صلاح 40%، وبعد مرور عشرة أيام على وفاته ارتفعت نسبة الحضور إلى 60%.