قال الصحابي حسان بن ثابت شاعر الرسول "صلى الله عليه وسلم" أبياتا تفيض حباًّ في وصف نبينا وشفيعنا محمد"صلى الله عليه وسلم" وجمال خلقته: وأجملَ منكَ لم تر قطّ عينٌ وأكملَ منكَ لم تلد النساء خُلقت مبرءاً من كل عيبٍ كأنك قد خُلقت كما تشاء وقد جمع المسلمون ما توارثوه من وصف خلقة نبيّهم في كتب كثيرة عرفت ب"كتب الشمائل"، وأشهرها (الشمائل المحمدية)، للترمذي، حيث ذكر فيه أحاديث كثيرة في وصف النبي منها: قال عن جسمه إنه كان فخما مفخمًا، من رآه هابه، ومن خالطه أحبه، وكان رجلاً مربوعًا، أي ليس بالطويل ولا بالقصير، ولكنه كان إلى الطول أقرب، فلم يكن يماشي أحدًا من الناس إلا طاله، ولا جلس في مجلس إلا يكون كتفه أعلى من الجالسين، وكان حسن الجسم، متماسك البدن، وكان أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق (أي لم يكن شديد البياض)، ولا بالآدم (الأسمر)، وكان أبيض الإبطين، وهي من علامات النبوة . وكان "عليه أفضل الصلاة والسلام" ضخم الرأس، عظيم الهامة، شديد سواد الشعر، ولم يكن شعره شديد الجعودة ولا بالسَّبِط (المرسل)، ولكن كان فيه تثن قليل، ويصل إلى أنصاف أذنيه حينًا ويرسله أحيانًا، فيصل إلى شَحمَة أُذُنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب مَنكِبيه، ولم يحلق رأسه بالكلية في سنوات الهجرة إلا عام الحديبية، ثم عام عمرة القضاء، ثم عام حجة الوداع.. توفي وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، وكان حسن اللحية، كثير منابت الشعر. أما عن ذراعاه ويداه، فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه طويل الذراعين أشعرهما أي كثير الشعر، رحب الراحة (الكف)، غليظ الأصابع مع كونها طويلة ليست بمنعقدة، وكانت منكباه واسعين، كثيري الشعر، وكذا أعالي الصدر، وكان عريض الصدر، وبين كتفيه شعرات مجتمعة مثل الهلال، وهي من علامات النبوة أيضا وتعرف بخاتم النبوة . وعن وجهه قيل إنه كان أسيل الوجه (المستوي) سهل الخدين، ولم يكن مستديرًا غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة، و كان واسع الجبين، حاجباه قويين مقوَّسين، متّصلين اتصالاً خفيفًا، وكان أشكل أي طويل شِق العينين، أدعج أي شديد سواد العينين، في بياضها حمرة (عروق حمر رقاق، وهي من دلائل نبوته، وكانت عيناه واسعتين جميلتين، ذات أهداب (رموش) طويلة كثيرة حتى تكاد تلتبس من كثرتها، إذا نظر إليه الشخص قال أكحل العينين وهو ليس بأكحل. وها هي الصحابية أم معبد وصفته بأجمل الوصف: عندما كان النبي مهاجرًا من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر، ودليلهم عبد اللَّه بن أريقط، اشتد بهم العطش والجوع فجاءوا إلى أم معبد ونزلوا بخيمتها، وطلبوا منها أن يشتروا لحمًا وتمرًا، فلم يجدوا عندها شيئاً، فنظر النبي في جانب الخيمة فوجد شاة.. فسألها: يا أم معبد! هل بها من لبن؟ قالت: لا. هي أجهد من ذلك (أى أنها أضعف من أن تُحلب). فقال: أتأذنين لى أن أحلبها؟ قالت: نعم، إن رأيت بها حلبًا. فمسح ضرعها بيده الشريفة، وسمَّى اللَّه، ودعا لأم معبد في شاتها، فدرّت واجترّت، فدعاها وطلب منها إناءً، ثم حلب فيه حتى امتلأ عن آخره، وقدَّمه إليها فشربت، حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رَوُوا، وشرب آخرهم. ثم حلب ثانيًا، وتركه عندها، وارتحلوا عنها. فما لبثت إلا قليلاً حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أَعْنُزًا عجافًا هزالاً، تسير سيرًا ضعيفًا لشدة ضعفها، فلمّا رأى اللبن عجب، وقال: من أين هذا يا أم معبد ؟ قالت: مرّ بنا رجل كريم مبارك، كان من حديثه كذا وكذا! قال: صفيه لى يا أم معبد. فقالت: إنه رجلٌ ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أى أبيض واضح ما بين الحاجبين كأنه يضيء)، حسن الخِلقة، لم تُزْرِ به صِعلة (أى لم يعيبه صغر في رأس، ولا خفة ولا نحول في بدن)، ولم تَعِبْه ثجلة (الثجلة: ضخامة البطن)، وسيمًا قسيمًا، في عينيه دَعَج (شدة سواد العين)، وفى أشفاره عطف (طول أهداب العين)، وفى عنقه سَطَع (الطول)، وفى صوته صَحَل (بحّة)، وفى لحيته كثافة، أحور أكحل، أزَجُّ أقرن (الزجج: هو تقوس في الحواجب مع طول وامتداد، والأقرن: المتصل الحواجب)، إن صمتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سَمَا وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هَدر، وكأن منطقه خرزات نظم تَنحدر (كلامه بيّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، رَبْعَة لا تشنؤه من طول، ولا تقتحمه العين من قِصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرًا، (تقصد أبا بكر، وابن أريقط؛ لأن عامر بن فهيرة كان بعيدًا عنهم يعفى آثارهم) أحسنهم قدرًا، له رفقاء يحفّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود (يحفه الناس ويخدمونه). فقال أبو معبد: هو واللَّه صاحب قريش، الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكر بمكة، ولو كنت وافقتُه لالتمستُ صحبته، ولأفعلن إن وجدتُ إلى ذلك سبيلاً، فأعدت أم معبد وزوجها العدة؛ كى يلحقا برسول الله في المدينة، وهناك أسلما، ودخلا في الإسلام .. اللهم صلي وسلم بارك على نبيك محمد واجمعنا به في جنتك يا أرحم الراحمين ..