سؤالٌ فور أن يلقيه أحدهم على مسمعك حتى تنتفض وتبدأ الأفكار تدور في رأسك ماذا دفع به للتفكير في ذلك الأمر الذي تحول في مجتمعنا المصري إلى ما هو أشبه بالسب والإهانة. "هل شكلي أو لبسي، طيب هل طريقة كلامي، هو إزاي حد يقولي كده أنا لازم أغير من نفسي عشان مبقاش فلاح". الفلاح هو لقب يطلق على من يمارس مهنة الزراعة ويعتبر أصل المصريين جميعاً من المزارعين؛ لأنها أول ما قامت عليه الحضارة المصرية على ضفاف النيل، وعانى الفلاحون لمدة طويلة من الاضطهاد حتى نصفهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بقانون الإصلاح الزراعي كما ارتفع شأنهم بشكلٍ كبير في عهده حتى اعتبرت مهنتهم فخر لصاحبها. ولكن مع مرور الوقت بدأ وضع الفلاحين يتراجع سواء اقتصادياً أو اجتماعياً حتى تحولت الكلمة إلى سُبة يتبرأ منها كل مصري فهي ترمز للمعظم بعدم التناسق في الشكل والملابس، وبعدم إتقان فنون الإتيكيت والذوق العام، أو إتقان فن الحديث (الهمجية) ونبدأ في تبادلها مع الآخر الذي يبدأ بدوره في البحث عن ردود وحجج لنفي هذه التهمة أو ردها "ما أنت كمان فلاح". ذهبت في يوم التاسع من سبتمبر الماضي وهو يوافق "عيد الفلاح" إلى إحدى قرى محافظة الجيزة؛ لإجراء استطلاع رأي حول مشاكل الفلاحين ومطالبهم من الدولة ومن وزير الزراعة ففوجئت بأن القرية لم تعد تمتلك ملامح الزراعة، حيث بارت معظم الأراضي وبُنِي عليها وعندما سألت أحدهم عن السبب في تراجع المساحات الزراعية أخبرني: " أنا بالنسبة لي ولادي قالولي احنا مش هنشتغل فلاحين ونفضل نتعاير طول عمرنا هنبيع الأرض ونفتح مشروع في مصر ونعيش زي أهل الحضر". أزمةٌ غذائية قد يتسبب فيها معنى وصورة ذهنية ترسخت في الأذهان عن فئة من المجتمع وأصحاب مهنة أصبح يرفض امتهانها معظم مَن هم مِن الأجيال الصاعدة خوفاً من أن تلتصق بهم تهم كقلة الذوق وغيرها. تفتخر مصر بأنها لديها شعب لا يعرف العنصرية ويؤمن بالوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين وربما لا يفرق بين أبيضٍ وأسود بل ووقعت مصر أيضاً على الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري والتي تنص على أن "البشر يولدون جميعاً أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز لاسيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي" ولكن هذا الإعلان وهذه الثقافة التي منحت الشعب المصري لقب البعيد عن العنصرية أغفلت عنصرية الطبقات، فنحن نعامل بعضنا على أساس محل الإقامة أو كونه فلاحاً أو حضرياً ثم نبدأ في إلقاء التهم والنكات على غرار "مرة واحد صعيدي .. إلخ" وتدل النكتة على غباء الصعيدي، أو "مرة واحد منوفي.." وتدل النكات على بخل المنوفي .. إلخ من هذه العنصرية البغيضة التي دفعت بالكثيرين للتبرؤ من أصولهم ومحاولة تقليد غيرهم حتى يحصلوا على رضاء مجتمع تربى على العنصرية والتصنيفات والتعميم. "إعادة برمجة" إن جاز لي القول يحتاج إليها عقل المواطن المصري حتى يستوعب المفاهيم والمصطلحات ومدلولها ويرفض التعميم والعنصرية التي قد تودي به في فترة من الفترات إلى الهلاك عندما يهرب الكل من التصنيفات المكانية والفئوية فلا نجد فلاحاً يزرع أرضه ولا صعيدياً وينتقل الجميع إلى العاصمة وما حولها لتزداد الكثافة السكانية وتحدث أزمات غذائية وربما شِجار بسبب مدلولات عنصرية لسؤال "انت فلاح؟". وربما بعد قراءة هذا المقال سيتساءل القارئ أو يجزم كاتبة المقابل دي فلاحة!