حالة من القلق و الترقب تنتابني , لا أستطيع أن أسبح في المستقبل كما كنت أفعل من قبل , لا أعرف لماذا سأخطط أو عن ماذا سأبحث ؟ و أنا الحالم دوماً هكذا كان يطلق علي أصدقائي و المقربين مني , و لكن ماذا افعل و الصورة شديدة الضبابية , توقفت لحظة و قلت ربما العودة إلي الماضي ستجعلني أفهم أو حتي علي الأقل أدرك بعض ملامح الموقف و قد كان . عدت إلي الماضي القريب فقط وجعلت أتذكر الفرحة العارمة والإحساس بالنصر الكبير أنا ابن الشعب الثائر الذي خرج فغير و الفخر يحيط بي من كل العالم و هواء الحرية النقي يدخل إلي جسدي الذي حرم من إحساس الحرية طوال ثمانية و عشرون عاما هي عمري , في ظل كل هذه الأحاسيس الجميلة توقفت لحظة عن السباحة في هذا الحاضر الرائع و غصت في الماضي لأجد مفارقة غريبة فقط الآن وجدت لها تفسيراً . كنت دوماً أستغرب طبيعة تكوين هذا الوطن ما هذه العنصرية الشديدة ؛ فالمسيحي يشعر بأنه أقلية مضطهدة وأن كثير من المسلمين يودون التخلص منهم لولا النظام الذي يسيطر علي الوضع و المسلمون يشعرون أنهم أقلية مميزة و أقباط المهجر دوما يمثلون له التهديد بالتدخل الأجنبي و أنه لولا النظام لوجدنا مصر مقسمة و أنه هو الوحيد الذي يحفظ لنا مصر حرة مستقلة , و الغريب أن هذا الموضوع لم يتوقف عند هذا الحد بل وجدنا دائماً فتنة طائفية تحدث في أوقات معينة و كأن لها أغراض معينة و لم أكن ساذجاً لأقتنع أن تهديداً من القاعدة يصدر بعد تفجير كنسية العراق و يقول صراحةً أن كنسية بمصر سنفجرها في عيد الميلاد و يحدث ذلك بالفعل و تفجر كنسية القديسين أمام أعيننا بالإسكندرية , غريبة هل تتذكرون نداء التلفزيون المصري الشهير يوم موقعة الجمل مساءً عندما قال المذيع في نكتة إعلامية سخرت منها كل القنوات الفضائية : أيها المواطنون وصلتنا أنباء أن هناك عناصر إيثارية تحمل بيدها كرات من النار ستقذفها عليكم من أسطح المباني المحيطة بميدان التحرير , ارحلوا حفاظاً علي أرواحكم . كم تشعر باستخفاف و سذاجة أن بعد ساعه تماماً من هذا الإعلان يتم إلقاء قنابل المولوتوف من أسطح المباني و يستمر ذلك طوال الليل بدون تدخل من أحد أظن أن الفكرة قد وضحت أمام أذهان الجميع الآن . و إكمالاً للتفتيت العنصري لهذا الوطن فلم يتوقف عند الدين بل امتد للإقليم فصار جميع من يقطن الوجه القبلي يعتقد أن كل من يسكن بحري فلاحون يمتازون بالجبن و اللئم و الانكسار و أصحبت كلمة فلاح سبة و سكان الوجه البحري يرتبط لديهم إسم الصعايدة بالنكات و الغباء و الاندفاع و قس علي ذلك نظرة سكان المدن إلي الريف بنظرية " القروي الذي أبهرته أضواء المدينة" رغم أن معظم سكان مدن مصر من أصل ريفي و الريف ينظر إلي سكان المدن نظرة يشوبها القلق متخيلا إياهم المتخاذلون عن القيم و العادات رغم أنهم أبنائه و الأقاليم إلي العاصمتين و العكس وسكان القاهرة إلي الإسكندرية و العكس و إذا دخلنا إلي قلب المدن ستجد الفرقة متعمقة و متمكنة من الجميع فالذي يسكن المناطق الراقية ينظر لساكنى المناطق الشعبية نظره اختلاف و العكس صحيح و حتي ما إذا دخلنا في تفاصيل المهن و التعليم إلخ. كل ذلك لم يكن موجوداً في ثمانى عشرة يوماَ في الميدان .... هل من الممكن أن يبحث كل هؤلاء عن الشيء الوحيد المشترك بينهم ؟ أنهم مصريون ........ ها أنا قد بدأت أضع يدي علي الجرح إنه جرح عميق فليكفر العامة بالثورة و ليكفر الشباب بتاريخ الأمة و ليكفر الساسة بالحوار و دعونا نتفرق مرة أخري و نجعل مبارك جديد يحصل علي كعكة ألذ طعماً مما سبق فالفرقة زادت و السيادة ستكون أكبر .