زيادة متوقعة في إنتاج اللحوم الحمراء بمصر إلى 600 ألف طن نهاية العام الجاري    قفزة تاريخية.. مصر تقترب من الاكتفاء الذاتي للقمح والأرز    الاتحاد الأوروبي يواصل دعم أوكرانيا ويوافق على تجميد أصول روسيا لأجل غير مسمى    محكمة بوليفية تقرر حبس الرئيس السابق لويس آرسي احتياطيًا 5 أشهر بتهمة اختلاس أموال عامة    تدريب واقتراب وعطش.. هكذا استعدت منى زكي ل«الست»    بين مصر ودبي والسعودية.. خريطة حفلات رأس السنة    بدأ العد التنازلي.. دور العرض تستقبل أفلام رأس السنة    د.هبة مصطفى: مصر تمتلك قدرات كبيرة لدعم أبحاث الأمراض المُعدية| حوار    مصرع شخص وإصابة 7 آخرين فى حادث تصادم بزراعى البحيرة    تقرير أممي: التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية يبلغ أعلى مستوى له منذ عام 2017 على الأقل    ترامب يثمن دور رئيس الوزراء الماليزى فى السلام بين كمبوديا وتايلاند    زعيمة المعارضة الفنزويلية تؤيد زيادة الضغط على مادورو حتى "يدرك أنه يجب عليه الرحيل"    ياسمين عبد العزيز: كان نفسي أبقى مخرجة إعلانات.. وصلاة الفجر مصدر تفاؤلي    بعد الخروج أمام الإمارات، مدرب منتخب الجزائر يعلن نهايته مع "الخضر"    محمد فخرى: كولر كان إنسانا وليس مدربا فقط.. واستحق نهاية أفضل فى الأهلى    وول ستريت جورنال: قوات خاصة أمريكية داهمت سفينة وهي في طريقها من الصين إلى إيران    اليوم.. محاكمة المتهمين في قضية خلية تهريب العملة    ياسمين عبد العزيز: ما بحبش مسلسل "ضرب نار"    سلوى بكر ل العاشرة: أسعى دائما للبحث في جذور الهوية المصرية المتفردة    أكرم القصاص: الشتاء والقصف يضاعفان معاناة غزة.. وإسرائيل تناور لتفادي الضغوط    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    إصابة 3 أشخاص إثر تصادم دراجة نارية بالرصيف عند مدخل بلقاس في الدقهلية    قرار هام بشأن العثور على جثة عامل بأكتوبر    بسبب تسريب غاز.. قرار جديد في مصرع أسرة ببولاق الدكرور    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    محمود عباس يُطلع وزير خارجية إيطاليا على التطورات بغزة والضفة    كأس العرب - مجرشي: لا توجد مباراة سهلة في البطولة.. وعلينا القتال أمام الأردن    أحمد حسن: بيراميدز لم يترك حمدي دعما للمنتخبات الوطنية.. وهذا ردي على "الجهابذة"    الأهلي يتراجع عن صفقة النعيمات بعد إصابته بالرباط الصليبي    الأهلي يتأهل لنصف نهائي بطولة أفريقيا لكرة السلة سيدات    فرانشيسكا ألبانيزي: تكلفة إعمار غزة تتحملها إسرائيل وداعموها    ياسمين عبد العزيز: أرفض القهر ولا أحب المرأة الضعيفة    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    إشادة شعبية بافتتاح غرفة عمليات الرمد بمجمع الأقصر الطبي    روشتة ذهبية .. قصة شتاء 2025 ولماذا يعاني الجميع من نزلات البرد؟    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    صحه قنا تعلن موعد انطلاق الحملة التنشيطية لتنظيم الأسرة ضمن مبادرة بداية    سعر جرام الذهب، عيار 21 وصل لهذا المستوى    بعد واقعة تحرش فرد الأمن بأطفال، مدرسة بالتجمع تبدأ التفاوض مع شركة حراسات خاصة    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    مفتي الجمهورية يشهد افتتاح مسجدي الهادي البديع والواحد الأحد بمدينة بشاير الخير بمحافظة الإسكندرية    الأرصاد تعلن انحسار تأثير المنخفض الجوي وارتفاع طفيف في الحرارة وأمطار على هذه المناطق    غلق مزلقان مغاغة في المنيا غدا لهذا السبب    لجنة المحافظات بالقومي للمرأة تناقش مبادرات دعم تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ أسوان يأمر بإحالة مدير فرع الشركة المصرية للنيابة العامة للتحقيق لعدم توافر السلع بالمجمع    انطلاقة قوية للمرحلة الثانية لبرنامج اختراق سوق العمل بجامعة سوهاج |صور    اسعار الفاكهه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    ضبط المتهمين بتقييد مسن فى الشرقية بعد فيديو أثار غضب رواد التواصل    ناشيونال جيوجرافيك: الدعاية للمتحف الكبير زادت الحجوزات السياحية لعام 2026    هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    نقيب العلاج الطبيعى: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا    بتوجيهات الرئيس.. قافلة حماية اجتماعية كبرى من صندوق تحيا مصر لدعم 20 ألف أسرة في بشاير الخير ب226 طن مواد غذائية    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    عاجل- الحكومة توضح حقيقة بيع المطارات المصرية: الدولة تؤكد الملكية الكاملة وتوضح أهداف برنامج الطروحات    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نتواصى فيما بيننا
نشر في الفجر يوم 30 - 10 - 2015

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
بقاء الدين والمجتمعات ببقاء الوصية بين الناس
لقد مدح الله -عز وجل- المتواصين بالحق والصبر والمرحمة فقال سبحانه: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، وقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3].
وسنة التواصي سنة إلهية نبوية، أوصانا الله بوصايا، وأوصانا نبيه -صلى الله عليه وسلم- بوصايا، وأمرنا تعالى أن نتواصى فيما بيننا، وأوصانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بالتواصي كذلك.
الوصية: عهد وكلام وأمانة يفارق عليها الإنسان من أوصاه، الوصية كلام مهم {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، يضيع الحق لو لم يحصل التواصي به، التواصي بالحق من أسباب حفظ الحق، أن يبقى الحق معروفاً بيناً، متناقلاً بين الأب وأولاده، والأخ وإخوانه، والإمام ومن يصلي وراءه، والمسلمين عموماً عندما تكون سنة التواصي بينهم قائمة يبقى الحق معروفاً وإلا ضاع، والتمسك بالحق لا يمكن إلا بصبر؛ لأن الحق صعب، وهناك تحديات؛ لأن التمسك بالحق فيه معاناة، وخصوصاً في أزمان الفتنة، فلا بد من صبر على التمسك؛ حتى لا يبقى مجرد علم غير معمول به، ولذلك قال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، الصبر على طاعة الله، الصبر عن معصية الله، الصبر على أقدار الله المؤلمة، ثم التواصي بالمرحمة، المرحمة أن يرحم الناس بعضهم بعضاً، يلين بعضهم لبعض، يعطف بعضهم على بعض، وبهذه الثلاثة يكمل دين الناس، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالمرحمة.
ثم إننا نجد يا عباد الله في كتاب الله -عز وجل- أنواعاً من الوصايا، الإنسان ضعيف، ينزلق، وينحرف، ويذنب، ويعصي، ويخالف، الوصية ترد إلى الحق، بل تمنعه من الوقوع في الذنب أصلاً، وعندما يقوم المجتمع كله بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، يواصلون سيرهم على هذا الحق، ويتواصون بالمرحمة، فيصبحون كالجسد الواحد، فيكتمل بنيان المجتمع.
وصايا ذكرها القرآن
وصية لقمان لابنه
من الوصايا التي ذكرها لنا ربنا في كتابه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وهناك في الأرض اليوم شرك كثير، شرك في أضرحة وقبور وأموات وأحياء، شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي، ما لي إلا الله وأنت، لولا الله وفلان، بفضل الله وفضلك، كثير في كلام الناس، الحلف بالأمانة، بحياة أبيه، بشرفه، ونحو ذلك.
الشرك درجات {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] لا شرك أكبر ولا أصغر ولا خفي، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، ثم زرع الخوف في نفس الولد من الله {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان:16]، ستذهب منه إلى أين؟ هل يمكن أن تعصيه في مكان لا يراك فيه؟ {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]، بعد زرع التوحيد في نفس الولد الوصية بالعبادات، لما بنيت قاعدة الإيمان تؤسس عليها الآن الأعمال، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] إقامة الطهور والأركان والواجبات والشروط مع الأخذ بالسنن {أَقِمِ الصَّلاةَ}، ولا بد من نشر الدعوة، ولا يقال: هذا ولد صغير غير مسؤول عن دعوة الناس، كل واحد مسؤول حتى الصغير، لماذا لا ينصح الصغير؟ بل قد تكون نصيحة الصغير أحياناً أبلغ من نصيحة الكبير، ثم تهيئة الولد للمستقبل مهمة، وإعطاؤه الوظائف، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] وحيث أن هذا ثقيل، وفيه مصادمة لأهواء الآخرين {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17] ثم بيّن له أصول التعامل مع الآخرين؛ لأن الأخلاق مهمة جداً، ليست الأخلاق كل شيء، التوحيد والصلاة أهم، لكن بدون أخلاق كيف يعيش الإنسان؟ نافراً منفراً، ولذلك ثلَّث بالأخلاق أو ربَّع بها بعد التوحيد والإيمان والنهي عن الشرك، وبعد إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت قضية الأخلاق، {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] لا كبر، {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18- 19]، فهذا أنكر الأصوات قاطبة مهما حاول علماء الحيوان أن يأتوا بصوت أقبح من صوت الحمار فلن يستطيعوا، {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، فذكر له أصول الحكمة وقواعدها الكبار.
الوصية منهج القرآن
الوصية منهج قرآني، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى: من الآية13]، ربنا -عز وجل- وصى أنبياءه، {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13]، استقيموا على التوحيد، ولا تتفرقوا في سبل الشرك، استقيموا على السنة ولا تتفرقوا في طرائق البدعة، {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13]، وهكذا قال سبحانه أيضاً: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: من الآية131] فهذه وصية الله للأولين والآخرين والمتقدمين والمتأخرين تقوى الله.
وكذلك وصانا ربنا بالوالدين {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الاحقاف: من الآية15]، وإذا قلت: ما هي آيات الوصايا العشر فإنها المذكورة في سورة الأنعام، {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام:151]، وما أكثر الوقوع في الفواحش في هذا الزمان؛ لأن الدعاية لها صارت في الجوالات، ومواقع الشبكات، وأفلام الشاشات، ودخلت من كل طريق، الترويج والدعاية والدعوة للفواحش، ، ما قال الله لنا فقط لا تقعوا في الفواحش، قال: {لا تَقْرَبُوا }، معناها كل ما يقرب إلى الفواحش من نظرة من مقطع إباحي، لا تقربوا ذلك، {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151]، هناك أشياء ظاهرة وأشياء خفية، {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، تكملة الوصايا {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] تنميه، تحفظه، تتاجر به في غير مخاطرة بالغة، {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152]، بين قريب وبعيد لا بد أن تعدل، ولا يجعلنك القرب تجحف، {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: من الآية152] مرة أخرى أعادها {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:152-153] مرة ثالثة { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هذه الوصايا الجامعة لأبواب الخير، الموصدة لأبواب الشر، التي فيها أصول التوحيد والعبادة والفضائل والأخلاق، وهكذا كمال الدين، لا يوجد نظام آخر لا في الشرق ولا في الغرب فيه هذا التكامل، ولا هذه المزايا، ولا هذه الفضائل والمحاسن، الأنبياء يوصي الآباء منهم الأبناء، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة:132] هذا التوحيد والإسلام العام، {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] مخلصون لله، لا شرك لا رياء، مخلصون مسلمون مستسلمون، لا اعتراض، لا خروج، ولا حيدة، وهكذا.
من وصايا النبي لأصحابه
وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه نجدها يقول لأبي ذر: " أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن" [رواه أحمد برقم (20592) وهو حسن لغيرة كما قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: برقم(3161)]؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، هذا بينك وبين الله، وبينك وبين الخلق، إذا أسأت إلى واحد أحسن إليه، اعتذار، هدية، "ولا تسألن أحداً شيئاً وإن سقط سوطك" [التخريج السابق]، كان النزول عن الدابة فيه مجهود، تنزل الدابة ثم ينزل هو، ثم، سقط السوط على الأرض وهو على ظهر الدابة لا تقل لأحد: ناولني إياه، انزل، مع ما في النزول من المشقة والجهد؛ لئلا تسأل أحداً شيئاً، حتى لا تحتاج إلى أحد، تربي نفسك على عدم الحاجة إلى الخلق، الاستقلال عن الحاجة للخلق حرية، قال: "ولا تقبض أمانة، ولا تقض بين اثنين" [التخريج السابق] لماذا؟؛ لأنه -رضي الله تعالى عنه- لم يكن عنده قدرة في هذا فأمره بتركه، بعض الناس لا يستطيع المحافظة على الأمانة، ليس من باب الخيانة وأنه يسرقها، لكن ليس عنده قدرة على الحراسة، الرعاية مثلاً، قد يكون عنده زهد بالغ، فيزهد في كل شيء، يكون هذا أمانة للناس، "ولا تقض بين اثنين"؛ لأن القضاء يحتاج إلى نفسيات معينة، وأحوال وشخصيات، فربما يكون في الإنسان ما يمنع من القضاء، كورع شديد يجعله أحياناً يكلف الأطراف أكثر مما يجب، وقال -رضي الله تعالى عنه-: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بسبع: ((ألا أخاف في الله لومة لائم)) [رواه أحمد برقم (20447)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2525)]، وهذه مهمة؛ لأن اليوم ضاع كثير من الحق بسبب الخوف من المخاليق، والمخلوق ما هو؟ أوله نطفة، وآخره جيفة كائناً ما كان، ((وأن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي)) [التخريج السابق] هذا في أمور الدنيا، تحمد الله على النعمة واعرف قدرها، ((وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم)) [التخريج السابق]؛ لأن هذا يلين القلب، ما يكون الإنسان فقط مع علية القوم، ومع الأغنياء، إنما يكون مع المساكين، يجعل للمساكين نصيباً من وقته، مع الفقراء، هؤلاء الذين يطعمون الفقراء عند أبواب المساجد في رمضان فيهم رقة قلب، وفيهم تربية حميدة لأنفسهم، وفيهم نصيب من الأخذ بهذه الوصية، ((وأوصاني بأن أقول الحق وإن كان مراً)) [التخريج السابق] وإن كان على نفسك، ((وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت)) [التخريج السابق] ما يكلمونني، ولا يزورونني، ولا يسألون عني، ((وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت، وأوصاني ألا أسأل الناس شيئاً، وأوصاني أن أستكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها كنز من كنوز الجنة)). رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني.
فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- إذاً ضبط الموازين، وهو الذي يتابع أصحابه ويتعاهدهم، ((يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) [رواه أبو داود برقم (1301)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7969)]، إن الله إذا أعان العبد على هذه الصفات استقام العبد، يقول لابن عباس: ((يا غلام)) تنبيه ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله)) يعني في أمره ونهيه وشرعه، احفظ الله في دينه الذي كلفك به، ((يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)).[رواه الترمذي برقم (2440)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957)].
الدين النصيحة ومسيس حاجة الناس إليها
وهكذا تهز الوصية قلوب سامعيها، وتجعلهم متوكلين على الله، مفوضين الأمر إليه، أقوياء به، لا يحتاجون إلى الناس، يقولون الحق، النبي عليه الصلاة والسلام أراد من أصحابه أن يكونوا أحراراً أقوياء، جرآء في الحق، قوالين به، وعاملين، منصفين، وهكذا كان أصحابه عليه الصلاة والسلام يعملون بوصاياه من بعده، هذا جرير بن عبد الله البجلي قال: "بايعت النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم" [رواه البخاري برقم (55) ومسلم برقم (83)]، أنصح الخادم، والكبير والصغير، والقريب والبعيد، أنصح أي أحدٍ، أعطيه ما فيه المصلحة له، أنصح له، وأبيّن له، وهكذا حتى في الأمور الدنيوية، لو أن صاحباً لك يريد أن يشتري ثلاجة، وأنت تعلم أن هذا النوع أفضل من هذا النوع ((الدين النصيحة)) [رواه مسلم برقم (82)] تقتضي أن تبيّن له ذلك، الغش اليوم كثير، والسلع كثيرة، الناس يحتاجون إلى أشياء في البناء، أي واحد يبني بيتاً يحتاج إلى نصائح، الزواج يا أخي، أي واحد يريد أن يقدم على الزواج يحتاج إلى نصائح، يحتاج حاجة ماسَّة،ليست قضية شكلية أو هامشية، حاجة ماسَّة، من الذي تقدّم إليه ونصحه؟.
إن بعض النصائح يا عباد الله لو حصلت لسعد الزوجان، ولفقدان التناصح والتواصي تفشل كثير من الزواجات؛ لأنه لم يكن يوجد من ينصح، ويبيّن أشياء كانت لو تبيّنت وقي بسببها الطرفان شراً كثيراً.
وللحديث بقية في مقال قادم إن شاء الله تعالى،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.