■ رفع «الراية البيضاء» لداعش فى ذكرى 11 سبتمبر ■ حاول حماية قياداته من التصفية وتحصين «القاعدة» من مزيد من الانشقاقات لصالح خلافة البغدادى ■ غازل الدولة الإسلامية ب «عرض إذعان» تبرع فيه ببروتوكول تعامل وتنسيق عسكرى مجانى بين التنظيمين ■ مبادرته تمنح اليد العليا ل «داعش» فى المنطقة على حساب «القاعدة» فى ذكرى الحادى عشر من سبتمبر خرج أيمن الظواهرى هذه المرة ليضع «بصوته» كلمة النهاية لأسطورة «القاعدة» وتفردها كتنظيم «أوحد» يتربع على زعامة التنظيمات الإرهابية فى العالم. ومن موقف الطرف الأكثر ضعفا، ظهر زعيم التنظيم «العجوز»، ليعترف بدخوله والقاعدة مرحلة جديدة تماما من تاريخها، ويقدم بنفسه أوراق اعتماد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» كشريك ومنافس حقيقى فى معادلة الإرهاب الإقليمية الدولية الجديدة، إن لم يكن المهيمن الأساسى عليها. وفاجأ الظواهرى الجميع بطرح مبادرة للشراكة بين التنظيمين المتصارعين على زعامة المشهد الإرهابى، وفق تصوره لها، على أمل أن تلقى قبولاً لدى خليفة داعش أبوبكر البغدادى، الذى لا يعترف بالأساس ببيعته وشرعيتها حتى هذه اللحظة. حفنة من المتناقضات تضمنها التسجيل الصوتى المثير للجدل لزعيم القاعدة، ففى الوقت الذى بدا فيه حريصاً على الظهور فوق جواد القائد الملهم الداعى لنفير جديد من العمليات الإرهابية ضد الأمريكان والأوروبيين فى عقر دارهم، ظهر أيضاً مرتبكاً وأقرب لشيخ لا يملك من زاده سوى التنظير لا الحسم والقدرة على الإلهام وإصدار القرارات الصعبة على طريقة سلفه الراحل أسامة بن لادن. الظواهرى، لم يجرؤ على توجيه أمر مباشر للدواعش بالانصياع أو الالتزام برؤيته للتعاون والتعايش المشترك، بل وأقر بوضوح أنه لا يملك ضمانة لأى استجابة من رجال البغدادى، فقال «حتى وإن رفضها البعض أو استخف بها أو زعم أنه ليس فى حاجة إليها فيكفينى أنى قد بذلت ما فى وسعى ونصحت إخوانى». اللافت أنه أصر على نكران بيعة البغدادى واعتبر خلافته مفارقة لمنهاج النبوة، واستبق ذلك بتسجيل آخر بايع فيه زعيم طالبان الجديد الملا أختر منصور أميراً وخليفة للمؤمنين، فى خطوة لا يفهم منها إلا رغبة فى استمرار حفظ ماء الوجه بالفصل بين القاعدة وداعش، لكنه ومع ذلك لم ينكر فضل خليفة الدولة الإسلامية فيما أسماه العمل الجهادى ضد الأمريكان والإيرانيين فى العراق على وجه التحديد. الثابت الأبرز وسط كل ذلك الارتباك والتناقض، أن زعيم القاعدة قدم بيان إذعان من جانبه لداعش ولسطوته، فلم يقدم ما يشبه بروتوكول تعامل ومبادرة للتعاون العسكرى الجهادى المشروط، كما سماه وحسب، بقدر ما تبنى أيضا مغازلة صريحة للتنظيم غلفها بعبارات مطاطة عن ثوابت القاعدة التى لا يحيد عنها. فبينما أعلن رفضه القاطع لافتراءات داعش على القاعديين بالكذب والزور والبهتان، ولإصرار التنظيم الدموى على فرض خلافة بلا شورى وبالقهر والتفجير والتفخيخ والنسف، فإنه يكاد يكون وضع إمكانيات القاعدة تحت أمر البغدادى بالمجان «فى التعاون فى كل مجال ممكن، كعلاج الجرحى، وتوفير المؤن، وتخزين المعدات والعمليات المشتركة»، و«إنشاء محكمة شرعية مستقلة لتسوية المنازعات». رفع الظواهرى الراية البيضاء تماماً فى صراع قاعدته مع داعش، ليس فقط بعدم ذكر أى دور لجبهة النصرة فى سوريا أو أنصار الشرعية فى ليبيا، وهما الذراعان الأكبر والأبرز له بالمنطقة، وإنما بمنحه صك الهيمنة المطلقة على الأخيرة للدولة الإسلامية فقال: «هل تنكرون أن الدولة الإسلامية فى العراق والشام هى أكبر قوة من حيث عدد أنصارها؟ فإن كان الجواب نعم وهو كذلك بفضل الله، فما السبب فى ذلك إلا التأييد الشعبى الكبير لها».. و«لمن يشككون بسيطرة الدولة الإسلامية فى العراق والشام، هل تشككون بأن مقاتلى الدولة يسيطرون على كيلومتر واحد على الأقل فى العراق، فإذا كان الجواب نعم، وهو كذلك بحمد الله، فلماذا تنكرون عليها إقامة دولة إسلامية على الأرض التى تسيطر عليها؟». مستطرداً بنبرة انبطاحية واضحة أن «راية الدولة الإسلامية فى العراق والشام هى من أنقى وأصفى الرايات فى العراق، فهى أقامت دولة إسلامية لا تتحاكم إلا للشريعة، وتعلن الانتماء الإسلامى فوق كل الولاءات والانتماءات، وهى تسعى لإعادة دولة الخلافة المنتظرة، وتحرض المسلمين على ذلك». وإمعاناً فى التأكيد على إخلائه ساحة الجهاد فى الشرق الأوسط لحساب داعش، فإن دعوته لتجديد الحرب الجهادية على الغرب تم حصرها بعمليات داخل بلدانه على طريقة مواجهة العدو البعيد: «أرى أننا يجب أن نركز الآن على نقل الحرب لعقر دار مدن ومرافق الغرب.. وعلى رأسه أمريكا»، غير أن ما فضح عدم جديته فى هذا الشأن أنه صاغ المسألة كمبادرات فردية لأصحابها، بما يدلل على تفكك التنظيم وعدم وجود أفرع له مؤثرة تقوم على أساس مؤسسى، فضلاً عن تراجع تأثير الظواهرى نفسه وقاعدته كزعيم وكيان جهادى ملهم جاذب، وهو ما يبدو على العكس تماماً مع داعش، باعتباره التنظيم الأكثر جذباً للشباب حاليا، حتى إن الشعار الأكثر تداولاً فى المنتديات الجهادية يقول «إّذا كنت شاباً فأذهب لداعش». نقل الظواهرى لأولويات عملياته إلى خارج حدود المنطقة، يترجم عملياً سحب داعش للبساط من تحت أقدام القاعدة فى أسخن بقاع الأرض، ففى أقل من عامين فقط خرج من بيعة القاعدة مايزيد عن 20 تنظيم بالكامل من فروعها فى 12 دولة معلنة الولاء والسمع والطاعة للدولة الإسلامية، مثل أنصار بيت المقدس فى مصر، وخراسان فى العراق، وأنصار الشريعة فى تونس، وجند الخلافة بالجزائر، وبوكو حرام بنيجريا، وأنصار القاعدة باليمن، وأنصار القاعدة فى أرض الحرمين الشريفين وغيرها. الأرجح وفق تلك المعطيات أن الظواهرى استسلم لخريف نجمه ونجم القاعدة الذى انطفأ منذ مقتل بن لادن فيما فشلت محاولاته كافة لملء فراغه، ومن ثم فلا تبدو هناك أية أهداف لظهوره الصوتى المذل، إلا محاولة الحفاظ على فرص التواجد والتأثير المعنوى على أقل تقدير على الساحة، عبر مد يده لداعش الذى خرج على بيعته بل وكفره شخصياً واعتبره وأعوانه مرتدين وعلمانيين، عسى يصل إلى نقطة التقاء تحيد أو تسكن الخلافات والصراعات بين التنظيمين، وتحفظ له وجوده، فيما أنه يحاول إحياء الزخم الذى كان يحيط بالقاعدة قديماً وبلغ ذروته فى هجمات الحادى عشر من سبتمبر، فحرص على الظهور فى ذكراها الرابعة عشرة، وكما يجزم الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية هشام النجار، مغازلاً عاطفة الجهاديين وخاصة أولئك المنتمين لداعش بعد سابق انشقاقهم عن القاعدة.. ولا تبدو فى الأفق حسب النجار أى احتمالية أن يستجيب داعش ليد الظواهرى والقاعدة الممدودة، لأن الخلاف الاستراتيجى والمنهجى والتباين فى الأولويات بين التنظيمين لا يزالا على أشدهما، فالرجل حدد مهمته الآنية فى محاربة أمريكا فى عقر دارها، بينما داعش يركز على مواجهة الجيوش العربية وتوسعة المناطق التى يسيطر عليها، ناهيك عن أن داعش لو قبل مبادرته فذلك يعنى أنه يعترف بوجود وبقاء القاعدة ككيان مواز، وبوجود خليفتين معترف بهما، وعلى ذلك فإن الأقرب لخطوة الظواهرى المتوددة للدولة الإسلامية، هى حماية رجاله، كهشام العشماوى فى مصر، من استهداف رجال البغدادى، فضلا عن تحصين التنظيم من مزيد من الانشقاقات لصالح الدولة الإسلامية.. وينحاز الباحث ماهر فرغلى، لوجود نقاط إيجابية فى الظهور المرتبك للظوهرى، كأنه حاول تجميع المقاتلين مرة أخرى حوله بخطاب دقيق وذكى ويحمل رسالتين مزدوجتين، تمحورت الرسالة الأولى حول ضرب أهم نقاط قوة داعش والمتمثلة فى الخلافة عبر إصراره على عدم بيعة البغدادى واعتبارها أمراً غير شرعى.. فيما أن الثانية نفت بشكل أو بآخر ما يتردد عن اختراق القاعدة مخابرتياً وأنها انسحبت من ساحة مقاتلة الأمريكان وكذا الإيرانيين، معلناً صراحة أنه ضد التحالف الغربى لضرب داعش فى العراقوسوريا.