لم أكن أتخيل أبداً أن نصل إلى تلك المرحلة من العجز.. وانتهاء حلم التغيير .... نعم أشعر الآن بأن حلمي بالتغيير قد فارقني ... هذا الحلم الذي بدأ منذ وجود "مبارك" في الحكم، عندما استشرى فساد الحزب الوطني في أرجاء البلاد، وأصبح التغيير هو حلمي الأوحد، أن يزول هذا الطاغوت من أمامنا.. وأن تكون هناك اختيارات.. بدائل.. وبعد انطلاق ثورة 25 يناير خرجتُ لأشارك الملايين في حلم التغيير ... ونجحنا في خلع الرئيس المصري الأسبق، عندئذ شعرت بأن كل الأحلام يمكن تحقيقها.. ويمكن بناء الوطن بلا فساد.. بلا أحادية.. بلا تمييز .. وسرعان ماظهرت الصورة أمامي بشكل أوضح عندما اعتلى تيار الإسلام السياسي الصورة وتصدى المشهد.. وقتها انتابتني موجة من الغضب دفعتني للترشح لانتخابات مجلس الشعب، وخاصة بعد أن انخفض سن الترشح ل 25 سنة، وقتها شعرت أنه من المهم أن أتواجد وأخوض التجربة رغم صغر سني.. ورغم الكثير من التحديات ومنها كوني فتاة، ومن جنوب محافظة المنيا بصعيد مصر.. إضافة إلى انتمائي للطبقة المتوسطة الكادحة ... وكل شيئ كان عكس طموحي وحلمي في الوجود ... وقفت وكأنني أعتلي العالم بأحلامي... نعم أستطيع .. ولما لا؟؟ سأخوض الانتخابات لمساندة التيار المدني، سأطرق الأبواب لكسب الأصوات .. المال ليس كل شيئ؛ بل على العكس .. اقتحام رجال الأعمال للسلطة والنفوذ يهدد مطالبنا من "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية". وقد لاقى هذا القرار الكثير من التأييد والتشجيع من جانب أسرتي وأهالي قريتي، حيث شعروا لأول مرة أن كل الأماني ممكنة.. وأن الترشح لم يكن قاصر على رجال الأعمال أو ورثة المناصب.. شعرت حينئذ أنه لم يكن حلمي، بل حلمهم جميعاً، وأنني أصبحت أملاً لكثيرين .. وعندئذ شعرت بهول المسئولية .. ثابرت أسعى جاهدة لتحقيق بعض من أحلامهم في الوجود، ومنها أن يروا أحداً من "توبهم" نائباً عنهم .. ينطق بحنجرتهم، يعبر عنهم، يعرف ويدرك معاناتهم ومطالبهم جيداً، يشعر بهم ويشعرهم بأنهم هم الذين أصبحوا تحت القبة لا نائبهم، وليس النائب الذي يرونه مرة كل خمس سنوات قبل المعركة الانتخابية. وخضت انتخابات مجلس الشعب وحصلت على أعلى معدل للأصوات .. وداومت على العمل السياسي، وانضميت للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وخضت فيه انتخابات الهيئة العليا وحققت نجاحات متتالية، ومن ثم انتخابات الأمانة وأصبحت أمينة الإعلام... وقمت بعمل حملات توعوية في الدائرة .. اقتربت أكثر من الواقع .. وبعد وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم لم أكف عن العمل بل على العكس ..المزيد من التراجع في الحقوق والحريات أعطاني دفعة أكثر للعمل .. وفى وقت الخناق طرقت الأبواب لرفض الدستور.. وعندما اشتد التضييق أطرقت الأبواب لجمع توقيعات التمرد.. من قلب "ملوي" كنت أسير حامله أستمارات تمرد .. على المقاهي الشعبية بلا خوف أو تردد .. عزلنا مرسي.. نجحنا ..مصر عادت لنا الأحلام تتحقق..نستطيع.. دارات الأحداث وتبددت الآمال رويداً رويداً أحزاب منقسمة ..تنازع الأطراف التي كانت تجمع معا لخلع مبارك وعزل مرسي.. وتواجد في المعركة ثلاثة أطراف: "فريق وطني ويحب مصر مؤيد دائما، وفريق خائن وعميل، وأخر إرهابي". كنا أمام ثلاثة استحقاقات؛ بدأت بالدستور، ثم الانتخابات الرئاسية، وأخيرا الانتخابات البرلمانية .. وبعد الفضفضة الطويلة سأختتم بالاستحقاق الأخير. "الانتخابات البرلمانية" القوانين والتشريعات .. القائمة والفردي .. الفئات المهمشة التي وضع لها القانون 120 مقعدا يضم "المرأة والأقباط والشباب والمصريين بالخارج"؛ نعم فئات مهمشة، ووجودهم بالبرلمان بتلك النسبة الزهيده أمر واجب وضرورة ملحة يتحتم علينا وضعهم .. أو تعيينهم ..أو تحت أي مسمى أياً كان؛ أو حتى "تعجيزهم". فما حدث وما رأيناه وعانيناه من إجراءات عن التقدم للترشح لانتخابات مجلس النواب، من كشف طبي مكلف ماديا في فبراير الماضي، حكمت الدستورية العليا ببطلان قانون تقسيم الدوائر، وبعد تعديل القانون وفتح باب الترشح مرة أخرى لم تعلن اللجنة العليا للإنتخابات منذ بداية فتح التقدم شرط الكشف الطبي للمرة الثانية، خاصة أننا كنا قد انتهينا من هذا الإجراء.. وبعد مرور أكثر من نصف الفترة المطروحة للكشف الطبي؛ اشترطت اللجنة إجراء الكشف الطبي بمصروفات 2850 للأساسي وأخرى للاحتياطي.. وأصبحت القائمة تواجه مشكلة ضيق الوقت بالإضافة إلى ضعف الموارد المالية؛ فطالبنا اللجنة العليا بشفافية بالطعن على هذا الإجراء إلا أنها لم تصغِ إلينا .. فقررنا الانسحاب. ثم اقترحت قائمة "صحوة مصر" التي أؤمن بها وبمبادئها والتي تضم شخصيات وطنية وقامات علمية متميزة، وكل ما تملكه القائمة هي المباديء وحب الوطن والعلم ، القائمة التي وضعت الرؤية والأجندة التشريعية وشارك بها الكثير من المتخصصين .. لم تكن تتشكل لتحصد مقاعد ولكنها تشكلت لحلم التغيير الذي كان حلمي. والآن؛ تبدد ذلك الحلم في التغيير .. وأصبح كل شيء مجرد وهمٌ وسراب كان أقرب إلى الواقع. أنا شابة مصرية من صعيد مصر .. لم أملك إلا حلم التغيير للأفضل، وأن تكون مصر بلد عظيمة وقوية؛ بلا إرهاب، بلا تمييز، بلا عنف .. ديمقراطية ..صاحبة تاريخ وحضارة ومستقبل وغد أفضل. أعتقد أنه جاء الوقت لأقدم استقالتي من العمل السياسي، فالبيئة ليست مهيئة لوجود شباب لا تملك أموال طائلة أو واسطة، لا تملك إلا حب وغيرة على الوطن وتغييره للأفضل، رغم قصر تلك الفترة التي عملت بها في العمل السياسي إلا أنني أعتبرها عمر بأكمله أضعته في وهم أسمه "حلم التغيير"