كادت أوروبا أن تفقد انسانيتها أمام اكبر عملية نزوح انساني منذ الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي، حيث قدرت وكالة الأممالمتحدة للاجئين بأن نحو 350 ألف شخص عبروا المتوسط باتجاه أوروبا في الأشهر الأخيرة أغلبهم من سوريا، بينما توفي منهم 2500 العام الجاري. وأمام تعنت الدول الأوروبية المتخوفة من الهجرة وتأثيراتها المستقبلية على قوميتها أبرزهم انجلترا وفرنسا والمجر، كاد أن ينسيها ذلك مباديء أساسية لحقوق الانسانية والديمقراطية التي طالما تشدقوا بها ودعم الدول النامية في حين لم يرسلوا إليها سوى صفقات الطائرات بدون طيار، وخاضت تلك الدول معركة شرسة إعلاميًا ودوليًا لمحاربة موجات الهجرة بكل قوة وتغليظ قوانين لمكافحتها والتفكير في ضرب مراكب الهجرة أو مصادرتها لكنهم تناسوا أن هؤلاء ليسوا مهاجرين اقتصاديين أو متسولين كما ادعى "كاميرون" من قبل" ولكنهم ضحايا حروب وأزمة انسانية يندي لها الجبين. الصورة الوحيدة التي ربكت المشهد السابق وهزت المشاعر الإنسانية من جديد للعالم كله ليفيق، كانت لطفل سوري صغير" إيلان كردي"- 3 سنوات - وهو ملقي على وجهه على رمال شاطيء بتركيا تراطمته الأمواج بعد غرق قارب يحمل أسرته متجهًا إلى أوروبا، كانت تلك الصورة كفيلة بتغيير جذري للمشهد كله لتعبر بصدق لما آل إليه حال العالم ليستيقظ صباح الخميس على صور إيلان تجوب العالم كله عبر الصحف الدولية ومواقع التواصل الاجتماعي في ساعات قليلة لتذكره بأسوأ كارثة إنسانية حلت بالعالم منذ عقود وليست مجرد أزمة مهاجرين كما حاول الإعلام الغربي من قبل تزييفها. صورة الطفل السوري القوية والمؤثرة ضغطت على زعماء أوروبا لتغيير سياساتهم وحمل حكوماتها على الاعتراف بالواقع والواجب الأخلاقي ما عجزت عن تعبيره آلاف الصور منذ بدء الحرب السورية، هكذا أكد جميع المحللين، صفعة قوية على وجه زعماء أوروبا وفضح سياساتهم العنصرية التي ترى الهجرة من دول إسلامية تهديدًا لقوميتها، وها الأن يخرج مسؤولًا أوروبيًا واحدًا تلو الأخر ليؤكد اعترافه بالحق الإنساني والأخلاقي للنازحين من الحروب. المشهد التالي لما بعد صورة الطفل السوري هو مبادرات الترحيب باللاجئين في ألمانيا وأوروبا والاستجابة الشعبية والرسمية في أوروبا خصوصًا ألمانيا والنمسا واللتان قررتا فتح حدودهما بدون قيد أو شرط للاجئين، كما أعلنت الحكومة الألمانية التزامها بتسكين العديد من اللاجئين، كما انضم الشباب الألماني لمبادرة "مرحبًا باللاجئين" والتي تساعد على تسكين الشباب عبر متضامنيها، وتأسست تلك المبادرة العام الماضي وانضم إليها حتى الأن 822 شخصًا، وأكد شباب من تلك الحركة تعاطفهم لرؤية لاجئين ينامون في الشوارع من غير مسكن، لذا فهم يعرضون على شباب سوري السكن معهم، ورغم تخوف ذويهم عليهم، أكدوا أنهم يعرفون الشعب السوري جيدًا فهو مهذب وبشوش. وعلى غرار ألمانيا توجد العديد من المبادرات الشعبية ومواقع التواصل بأنحاء أوروبا للتبرع ودعم اللاجئين لمساعدتهم في حق اللجوء وإيجاد مسكن، فضلًا عن دعم قوى المعارضة واليسار بقوة وتضامنهم مع الرأي العام ضد مواقف بعض الحكومات العنصرية والأنانية، والأمثلة على ذلك كثيرة.
هدية إيلان ليست فقط لقضية بلاده سوريا، فقد عنونت صحيفة إسبانية " هدية إيلان إلى أوروبا" وأشارت إلى التغير الجذري لمواقف الحكومات الأوروبية في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا بعد أن كانوا بعقدون اجتماعات لمكافحة لهجرة، استجابوا الأن لضغوطات الشارع، وأبرزت تعليق رئيس الوزراء الفرنسي "مانويل فالس" "اسمي "إيلان كردي" وطالب بتعبئة أوروبية لدعم اللاجئين.