"حفاظاً على سير التحقيقات، وإعلاء لمبدأ سيادة القانون، قررنا حظر النشر لحين أنتهاء التحقيقات"، تلك الجملة التى يتم تكرارها على أذهان المصرين فى معظم القضايا التى تم حظر النشر بها فى وسائل الإعلام، وأخرهم قضية أغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، حيث قرر القائم بأعماله المستشار على عمران، يوم 2 يوليو الماضى، حظر النشر على كافة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، في قضية اغتيال النائب العام. وكان لنائب العام السابق المستشار هشام بركات، تاريخ من حظر نشر العديد من القضايا منذ توليه المنصب عام 2013، وبلغت حوالى 10 قضايا، ما بين قضايا فساد، وقتل،وتخابر، وتزوير، ورشوة،جميعهم شغلوا الرأى العام، وكان أخرهم قضية الأثار الكبرى، المتهم بها مسئولين كبار بالاتجار في الآثار، وتم حظر النشر بها 4 مايو الماضى، مع استمرار التحقيقات مع المتهمين من المستشار محمد الصاوي، مدير نيابة مدينة نصر أول، وشقيقه المستشار محمود الصاوي، رئيس نيابة مدينة نصر ثان السابق، بالتورط مع 7 ضباط شرطة.
حيث يرجع تاريج حظر النشر إلى عام 1986 ، فى قضية " الرشوة الكبرى"، والذى كان متهم فيها 27 وكيل وزارة فى وزارة الصناعة أنذاك، وبعد ثورة 25 يناير، فى 23 نوفمبر 2013 تم حظر النشر فى قضية اغتيال المقدم محمد مبروك، كما حظر النشر فى قضية مقتل اللواء نبيل فرج،مساعد مدير أمن الجيزة السابق، التى تم قتله أثناء مداهمة لقرية كرداسة لضبط المتورطين في ارتكاب مذبحة لأفراد قسم شرطة القرية، وقضية كنيسة الوراق، وقضية التخابر المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسى، وفى 6 أغسطس 2014 ، تم حظر النشر فى حادثى كمين برج العرب والضبعه الذى راح ضحيتها ضابط وأربعة أفراد من الشرطة، بمحافظة مرسى مطروح، حفاظاً على سير التحقيقات.
وفى 12 يناير 2015 أصدر النائب العام المستشارهشام بركات حظر نشر فى واقعة اختطاف النقيب أيمن محمد إبراهيم الدسوقى، الضابط بمصلحة أمن الموانىء، أثناء توجهه لمقر خدمته بمدينه رفح شمال سيناء، وفى 12 فبراير تم حظر النشر فى قضية مقتل شيماء الصباغ، عضو حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، التى قتلت بطلق خرطوش أثناء مسيرة سلمية بميدان طلعت حرب لوضع الورود بميدان التحرير، فى الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير. كما قرر النائب العام يوم 21 فبراير حظر النشر فى قضية انضمام 213 شخصًا لجماعة أنصار بيت المقدس، المتهمه بتفجير مديريات أمن الدقهليهوالقاهرة وجنوب سيناء، واغتيال 40 من ضباط الشرطة وقتل 15 مواطناً، نتيجة القرار الصادر من محكمة جنايات القاهرة بحظر النشر أى معلومات بخصوص القضية، ويوم 27 فبراير تم حظر النشر فى قضية مقتل المحامى كريم حمدى، داخل قسم شرطة المطرية والمتهم فيها ضابطين تابعين لجهاز الأمن الوطنى، لحين انتهاء التحقيقات، والذى توفى نتيجة تعرضه لتعذيب الشديد على يد ضباط شرطة، كما تم حظر النشر فى تزوير الانتخابات الرئاسية ما بين محمد مرسى وأحمد شفيق، والتى انتهت بوصول محمد مرسى لرئاسة، وفى 21 أكتوبر الماضى تم حظر النشر فى قضية أتهم فيها رئيس الهيئة العامة لميناء بورسعيد بعد تلقى رشاوى مالية.
حيث قال الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائى، وعميد كلية الحقوق السابق، إن حظر النشر فى القضايا يكون لصالح القضية وسلامة التحقيقات والأمن القومى، مؤكداً أن التحقيقات الإبتدائية تكون سرية، ولا يجوز إفشاء سيرتها إطلاقاً إلا للخصوم ، وأن الفرض لا يجوز نشر التحقيقات، لكن القانون نص على حظر النشر فى قضايا معينة، وهى عندما يكون هناك ضرر على سير التحقيقات فى القضية من نشرها، وأن نشرها يكون إعاقة ويحول الوصول للأدلة والحقيقة.
وأضاف بأن جهات حظر النشر هى النيابة العامة ممثلة فى النائب العام، والمحكمة التى تحال إليها القضية، والتى أصبحت فى حوزتها، فهى من تملك القرار فى القضية بحظر النشر بها، حيث أن قرار الحظر قد يظل قائم أثناء سير التحقيقات حتى المحاكمة بأعتبارها علنية الأصل، إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية كما حدث فى قضايا من قبل ، وحظر نشر الحكم لا يمنع العلانية، من حضور الجمهور لقاعة المحكمة ولكن لا تذاع الأخبار فى وسائل الإعلام.
ومن جانبه قال أمير سالم، المحامى الحقوقى، والمدعى بالحق المدنى فى قضية مقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ، التى تم حظر النشر بها أثناء سير التحقيقات، إنه من المفترض أن يكون الحظر لحماية أسرار التحقيقات ، وأن تكون لصالح التحقيق من الإلتزام بمطاردة مجرمين، أولعدم إصدار معلومات المعامل الجنائية والأدلة الجنائية للمجنى عليه، بجانب حماية الشهود، فهى أسباب فنية لحظر النشر، ولكن فى مصر يتم حظر النشر فى الأغلب لأسباب سياسية، وليست مبنيه على أساس فنى، مثل قضية مقتل الناشطة شيماء الصباغ، ومقتل المحامى كريم بقسم المطرية، لأنه عندما تتناول التحقيقات فيما بعد تكتشف عدم وجود سبب جوهرى قانونى فى حظر النشر.
كما أوضح أن الجهات التى لها حق الحظر هى النائب العام، وجهات مثل الأمن الوطنى، وأمن الدولة التى تطلب حظر النشر لحماية سير التحقيقات على حد قولهم، ومن المفترض أن تنتهى مدة الحظر بإنتهاء التحقيقات بالمحكمة، لعلنية المحاكمات. ومن جانبه قال الدكتور ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامى، إن حظر النشر يتم من خلاله توجيه بيان لكافة وسائل الإعلام لعدم النشر فى قضايا معينه، وهو سلطة قضائية تفصيلية لنائب العام بناءاً على ما يراه من احتمالات تاثير النشر والإذاعة على المصلحة العامة او الأمن القومى على سير التحقيقات، وبناءاًعليه يصدر القرار بحظر النشر إلا ما يتعلق بقرارات النيابة والقرارات القضائية والبيانات.
كما أكد أن الإعلام عليه الأمتثال لقرار النشر إلا ويتعرض للمحاسبة، مطالباً السلطة التى تصدر هذه القرارات أن لا تتوسع فيها وأن تراعى إصدارها فى الحالات التى تتوافر شروط الموضوعية اللازمة لها، وأن تكون هناك أسباب واضحة لحظرها، وفى حالة اغتيال المستشار هشام بركات، كان الإعلام إحدى وسائل الحرب المعنوية، ولذا وجبت السلطات حظر النشر، فهى سلطة تقديرية تقدر السلطات خلالها ضرورة حظر النشر.
كما أشار جمال عيد، الناشط الحقوقى، ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إلى أن معظم قضايا حظر النشر فى مصر تتم لأسباب سياسية بشكل عام، من إخفاء الحقيقة خاصة فى قضايا الرأى العام التى يتهم فيها مسئولين كبار، وإنه من المفترض قانونياً أن يتم حظر النشر فى أضيق الحدود وأقل القضايا ولفترة معينة وليس مفتوح طول فترة التحقيقات كما يتم، وأسباب معينة، ولكن للأسف الآن تكون لأسباب سياسية، بما يمثل إهدار لحق الرأى العام والإعلام بمعرفة سير التحقيقات فى قضايا تهم الرأى العام، ويتنافى مع تداول المعلومات وحق المواطن فى المعرفة.