الدكتور صلاح جودة: أوروبا لن تتحمل خروج اليونان من منطقة اليورو الدكتور رشاد عبده: كل من اليونان والإتحاد الأوروبى أمام خيارين أحلاهما مُرّ
وسط ترقب دولى يجرى اليونانيون اليوم استفتاء دعا إليه رئيس الحكومة اليكسيس تسيبراس حول رفض أو قبول الاصلاحات الإقتصادية التى يقترحها صندوق النقد الدولى على اليونان من أجل مساعدتها على تخطى أزمتها الإقتصادية الطاحنة . هذا وقد دعا تسيبراس وحزبه سيريزا - ذو التوجه الاشتراكى - اليونانيين إلى التصويت بلا نظرا لما يعتبره إرهابا - حد تعبيره - من قبل الدائنين من اجل فرض اجراءات تقشفية حادة ستزيد من معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة .
وقد مارس الجانبان اليونانى والجهات الدائنة - صندوق النقد الدولى والبنك المركزى الأوروبى والاتحاد الأوروبى - ضغوطا حادة على بعضهما البعض وشهدت علاقاتهما- توترا حادا فى الآونة الأخيرة خاصا عقب تخلف اليونان عن سداد حصة الدين الأخيرة البالغة مليار ونصف اليورو نهاية يونية الماضى.
ويحبس العالم أنفساه اليوم انتظارا لما ستسفر عنه نتائج الاستفتاء ليس فقط لأنه اجراء مصيرى لليونان التى ترزح تحت الديون ويهددها شبح الافلاس ، وإنما لأنه سيحدد مصير منطقة اليورو التى ستكون على وشك الانهيار إذا تم اتخاذ قرار باخراج اليونان من المنطقة ، وذلك لأنه سيكون مقدمة لسيناريو مشابه فى أسبانيا ثم أيطاليا اللتين تعانيان ظروفا اقتصادية مشابهة مما سيعمل على انفراط عقد منطقة اليورو.
وقبل ساعات من اغلاق صناديق الاقتراع اليونانية "الفجر" فى لقاء مع عدد من الخبراء لاستقراء السيناريو المستقبلى.
من جانبه قال الدكتور صلاح جودة الخبير الإقتصادى ورئيس مجلس الدراسات الإقتصادية أنه يتوقع تصويت اليونانيين بلا ، وذلك نظرا للاجراءات التقشفية الحادة التى تفرضها الجهات الدائنة من اجل استمرارهم فى تقديم مجموعة جديدة من الحزم الإقتصادية ، موضحا أنه إذا صوت اليونانيون بلا سيكون أمام الجهات الدائنة أمرين ، أولا اتخاذ قرار باخراج اليونان من منطقة اليورو ، متوقعا صعوبة اتخاذ هذا القرار لتداعياته الخطيرة على مستقبل اليورو نظرا لأنه سيكون مقدمة لسيناريو مشابه مع أسبانيا ثم ايطاليا اللتين تعانى أزمات إقتصادية مشابهة مما يهدد بانفراط عقد منطقة اليورو.
وتابع الدكتور جودة الخيار الثانى سيكون قبول الجهات الدائنة المقترحات التى تقدم بها تسيبراس واعادة هيكلة الديون والتى تعتمد على استمرار تدفق المساعدات الإقتصادية دون اجراءات تقشفية ، موضحا أن الاتحاد الأوروبى مضطر لاحتواء اليونان وذلك لمخاوفه الكبيرة إزاء التقارب اليونانى الروسى فى الفترة الأخيرة.
حيث يتطلع الرئيس الروسى إلى اختراق قرار الاتحاد الأوروبى الذى لا يؤخذ الا بالاجماع عبر تنمية علاقاته باليونان وتوظيفها كحليف فى اطار صراعه مع الغرب الأوروبى على خلفية أزمة اوكرانيا، كما أوضح أن تسيبراس لن يكون أمامه الا الأحضان الروسية إذا جاءت نتيجة التصويت بلا وادى ذلك إلى اخراج اليونان من منطقة اليورو.
أما إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم فسيقدم تسيبراس استقالته كما نوه وستأتى حكومة جديدة مضطرة للانصياع إلى الجهات الدائنة مما سيعد تأجيلا للأزمة وسيعمل على تأجيج الغضب الشعبى الذى لن يتحمل كثيرا اجراءات التقشف.
من زاوية أخرى استبعد الدكتور رشاد عبده الخبير الإقتصادى امكانية حسم معركة الاستفتاء فى الوقت الحالى قبل اعلان النتيجة خاصا على ضوء تقارب نتائج استطلاعات الرأى والتى اظهرت تقدم طفيف لفريق نعم ،موضحا أن كلا الطرفين يحاول الضغط بأدواته حيث دعا تسيبراس والحزب اليسارى الذى ينتمى إلية "سيريزا " إلى التصويت بلا وهدد بتقديم الاستقالة حال مخالفة النتيجة لآمالهم ، علاوة على الترويج بعدم قدرة الاتحاد الأوروبى على اتخاذ قرار باخراج اليونان من منطقة اليورو لتداعيات ذلك الخطيرة على مستقبل اليورو ، هذا بخلاف النعرة القومية التى يؤججها تسيبراس لاثارة مشاعر اليونانيين وتأليبهم ضد ما يعتبرونه غطرسة من الجهات الدائنة.
وعلى الجانب الآخر يروج الطرف المؤيد لبرنامج صندوق النقد الدولى الاصلاحى للمستقبل المظلم المنتظر لليونان حال التصويت بلا ، ويتخذ الصنوق اجراءات تصعيدية لحث اليونانيين للتصويت بنعم ، وبالفعل اتخذت حكومة تسيبراس اجراءات استباقية كغلق البنوك للحيلولة دون عمليات سحب الأموال ، ومن ثم يصعب على اليونانيين اتخاذ قرار حاسم فى اطار هذا المناخ المشحون ، متوقعا تقارب نسب التصويت وغلبة أحد الفريقين بفارق طفيف.
كما أوضح الخبير الإقتصادى أنه إذا جاءت النتيجة بلا فإن ذلك سيعضد من موقف تسيبراس وسيمكنه من الدخول مجددا فى جولات تفاوضية أخرى مع الجهات الدائنة ، متوقعا فشل تسيبراس فى الحصول على دفعة الانقاذ المقررة - حال قبول برنامج الاصلاح الإقتصادى - والبالعة 7.2 مليار يورو.
موضحاً أنه تم توقع انهيار المفاوضات، واتخاذ قرار باخراج اليونان من منطقة اليورو على الرغم من تداعياته الخطيرة ولكن الاتحاد الأوروبى يعتبر أن أزمة اليونان اكبر مما يمكن احتواؤه خاصا فى ظل تلك الحكومة اليسارية الرافضة لبرنامج الاصلاح الإقتصادى المقترح من قبل الجهات الدائنة ، وتفتح هذه النتيجة مجالا لعودة اليونان إلى عملتها المحلية " الدرخما " وسيكون لهذا الاجراء تداعيات سلبية خطيرة على كل من اليونان والاتحاد الأوروبى.
وتابع الدكتور عبده إذا جاءت النتيجة بنعم فإن ذلك يعنى استقاله حكومة تسيبراس، وستأتى حكومة جديدة مضطرة للدخول فى جولات تفاوضية مع الجهات الدائنة التى ستفرض وقتها رؤيتها للخروج من الأزمة ، مختتما قائلا : "أيا ما كانت النتيجة فإن كل من اليونان والاتحاد الأوروبى أمام خيارين أحلاهما مر وسيخرج الطرفان من هذه المعركة خاسرا".