وصف الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الدراسات الاقتصادية، الصفقة التى تمت بين روسيا واليونان بشأن تمرير الغاز الروسي إلى الغرب الأوروبي عبر الأراضي اليونانية، بالقفزة إلى العرين الأوروبي وصفعة جديدة لمحاولات الناتو فى حصار الدب الروسي. وأوضح في تصريحات صحفية للفجر، أن العلاقات الروسية اليونانية - عضوة الاتحاد الأوروبي- فى تنامى منذ تولى حكومة اليكسيس تسيبراس ذى التوجه الاشتراكي شئون البلاد، الأمر الذى سيمكن روسيا من اختراق قرارات الاتحاد الأوروبي الذى تؤخذ قراراته بالإجماع وإجهاض أية قرارات قد يتخذها ضد روسيا، وذلك على خلفية الصراع الدائر بينهما بسبب أزمة أوكرانيا.
كما أوضح أن تسيبراس نجح من جانبه فى التملص من ابتزازات الاتحاد الأوروبي واوجد لنفسه بدائل لأزمات اليونان الاقتصادية وضغوط صندوق النقد الدولى وذلك على خلفية أزمة الديون اليونانية والتهديدات الأوروبية بإخراج اليونان من منطقة اليورو.
وأضاف الخبير الإقتصادى، أن الرئيس الروسى نجح فى تحقيق هدفين عبر هذه الصفقة ، أولها أضاع على حكومة كييف المدعومة من الاتحاد الأوروبي فرصة ابتزاز روسيا باعتبارها الدولة التى يمر منها خطوط الإمداد الرئيسية للغاز الروسي إلى أوروبا وأوجد لنفسه بديلا، ثانيا نجح بوتين فى استمالة اليونان واحتواء أزمتها الاقتصادية، الأمر الذى سيجعل اليونان وكيل روسيا داخل الاتحاد الأوروبي الذى يعبر عن مصالحها، مشيرا إلى أن تلك الصفقة قلصت أحلام تركيا فى السيطرة على أنابيب الطاقة من الشرق الأوروبي إلى غربه، ومن ثم ضعف الموقف التفاوضى التركى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وحول الاجتماع الطارئ الذى سيعقد اليوم فى بروكسل بشأن مناقشة أزمة الديون اليونانية قال الدكتور صلاح جودة، من المستبعد اتخاذ أية قرارات من شأنها إخراج اليونان من منطقة اليورو وذلك طبقا لما تم إعلانه من قبل الاتحاد الأوروبي حال عدم تمكن اليونان من تسديد ديونها قبل نهاية يونيو الجاري، موضحا أن اليونان ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التى تعانى مشاكل اقتصادية وإذا تم اتخاذ مثل هذا الإجراء فسيكون مقدمة لإجراءات مماثلة تتخذ ضد أسبانيا وايطاليا، الأمر الذى يهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي الذى يخشى انفراط عقده.
وأكد أن حكومة تسيبراس الاشتراكية والمدعومة شعبيا رفضت اتخاذ أية إجراءات تقشفية أو تدابير من شأنها المساس بالمساعدات الاجتماعية وذلك طبقا لضغوط كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي بخلاف ضغوط المفوضية الأوروبية والبنك المركزى الأوروبي، وذلك من أجل الإفراج عن الدفعة الأخيرة من حزمة الإنقاذ الأوروبي التى تقدر 7. 2 مليار يورو، كما أكد أن الجهات الدائنة مضطرة للاستجابة لمقترحات اليونان و تقديم كل المساعدات اللازمة من أجل الحفاظ على كيان الاتحاد الأوروبي .
وعلى الصعيد العالمي، قال الدكتور جودة إن أزمة أوكرانيا المؤججة للصراع الروسي الأوروبي، كشفت عن ملامح الواقع الدولي الذى يتشكل الآن حيث تستميت الولاياتالمتحدة عبر وكيلها الأوروبي فى حصار الدب الروسى المتصاعد ولكن الرئيس الروسى نحج نجاحا ساحقا فى الالتفاف على تلك المحاولات بل والقفز إلى العرين الأوروبي من خلال اليونان، موضحا أن مجموعة بريكس الاقتصادية والتى تضم فى عضويتها بالإضافة إلى روسياالصين والهند الذين سيكونان فى صدارة الاقتصاديات العالمية فى غضون خمسة أعوام من الآن قد أحدثت تغييرا جذريا فى توازنات القوى، حيث ستتراجع الولاياتالمتحدة إلى المركز الثالث، الأمر الذى يجعل الواقع الدولى يتبلور فى قوتين رئيسيتين روسيا وحلفائها فى جانب والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي فى جانب آخر وكأن ذلك إعادة تدوير للصراع القديم بين حلفى وارسو والناتو ولكن وفق آليات تتسق وطبيعة العصر، مؤكدا أن روسيا فى اطار هذا الصراع تملك ورقة ضغط قوية على الجانب الآخر وهى الطاقة حيث تعتبر المورد الرئيسي للغاز إلى ألمانيا - قاطرة التنمية فى الاتحاد الأوروبي- والحليف الرئيسى للولايات المتحدة فى التوقيت لحالى بما يزيد على 50٪، الأمر الذى سيمكن روسيا من استمالة ألمانيا فى المنظور القريب والتصالح معها كما نجحت فى استمالة اليونان عبر نفس الورقة، ومن ثم تعتبر صفقة الغاز الروسية اليونانية خطوة مفصلية على صعيد ليس فقط اختراق قرارات الاتحاد الأوروبي، وإنما أيضا على صعيد الإخلال بتوازن القوى لصالح روسيا وخصما من النفوذ الأمريكي المتراجع.
واختتم الدكتور جودة حديثه قائلا: نعيش الآن مخاض واقع دولى جديد ستتحد معالمه خلال خمسة أعوام، الأمر الذى يجعل كل الفاعلين فى الواقع الدولى يضعون الخطط وينتهجون السياسات التى تساهم فى تشكيل هذا الواقع وفق مصالحهم وتفرض محدداتهم وأجنداتهم ولابد لمصر أن يكون لديها الخطة التى تساعدها فى صنع ترتيبات العالم الوليد ويجب أن يكون فى صدارة هذه الخطة انضمام مصر لمجموعة البريكس وإقامة علاقات أكثر حميمية مع كل من روسياوالصين والهند.