انتشرت "الباندات الموسيقية" كثيرًا وأصبحنا نسمع عنها كل يوم وهم يتبادلون الحفلات والأماكن في شتى أنحاء مصر وتعد من نتاج ثورة 25 يناير وثورة الثلاثين من يونيو، حيث ظهرت على الساحة الفنية وجمعت لنفسها جمهورًا كبيرًا من فئة الشباب، ونالت شعبية جارفة من أغلب الفئات الأخرى. يأتي هذا الانتشار وسط هبوط حاد في إنتاج الألبومات الفنية وغلق شركات وصراع على مقعد الموسيقيين هذا من جانب إضافة إلى أن المطربين أنفسهم أصبحوا يستعينون ببعض الباندات، كما أن شركات الإنتاج أصبحوا يستعينون بهذه الباندات في حفلاتهم، ونرى هذا عندما يغني مطرب في فقرة يكون للباند فقرة مماثلة، وأنتشر ال "دي جي" والأغنية الشعبية وبرامج المسابقات كثيرًا. وفي هذا الأمر يقول الموسيقار حلمي بكر التسويق في الموسيقي للألبومات هبطت إلى حد كبير لأن الأمر به جانب تجاري تسويقي ونظرًا لتدهور أوضاع البلاد الاقتصادية هبط فن قوي وصعد فن هابط أيضًا فالباندات لا تقدم فنًا جميلًا ووصفها قائلًا: هي مش "أملة" وتفتقر كثيرًا إلى التوفيق في الموسيقي والألحان إضافةً إلى أنه غيرت 80 % من جمال المقامات الشرقية. وأضاف أن من يستطيع مواجهة هذا هو الجمهور فقط ولكن أيضًا هذا الجمهور أصبح نسبة 25 % منه عشوائي ويسمع للدي جي والأغاني الشعبي وأوكا وأورتيجا وهم ليسوا قيمة فنية ولكنهم قيمة تجارية مثل لعبة الأطفال التي إن تفككت لا تستطيع تجميعها مرة أخرى مختتمًا نحن في طريق التدني. وتابعه الشاعر سيد حجاب قائلًا بأن المشهد بشكل عام يدل على نهاية عصر ثقافة ونضج نمط من الإبداعات مع سقوط منظومة قيم قديمة مما أصاب الفن بحالة إرتباك وبدأنا ننجرف وراء الأغنية الشبابية وأغنية "الميكروباص" وهذا يرجع إلى أن المزاج العام المصري تغير. وأضاف أن هذا التغير بدأ منذ غزو العراق وأعلن التغير عن نفسه بسقوط المسرح السياحي وموجات الغناء نهاية بالانخراط الكامل في حفلات السوبر ستارز وفي 2006 تغير مرة أخرى وسقطت موجة أفلام المضحكاتية وبداية ميلاد سينما جديدة نجحت بكل المقاييس واستمرت موجة التغير حتى ميدان التحرير والواقعة الشهيرة بطرد السوبر ستارز من الميدان لمواقفهم السياسية وصعدت موجة جديدة بإبتكار جديد في اللافتات ورأينا ميلاد مسرحيات شبابية واستحضار رغبات جديدة من خلال فرقة ورشة وطن ومسار إجباري وفرق مستقلة والمسرح الحر بالشارع والسينما التسجيلية الجديدة وولدت وجوه جديدة وهربت القديمة. وأستكمل قائلًا نحن على أعتاب ثورة ثقافية حقيقية بدأت بعد الثورة وتتقلب وتصعد تدريجيًا حتى تستقر الثورة ويستقر المزاج فالباندات صبغة جديدة تعبر عن نفسها وتلقي ما تتأثر به فعلًا وبعضها يلقي الازدواج الموفق بين الفكر الموسيقي وصبغة الغناء الشرقي ونحن في مخمضة تجارب لم تستقر. أما المؤرخ الموسيقي د. زين نصار فرحب بالباندات متسائلًا هل هي تحافظ على الطابع العربي أم لا؟ ومن هنا يكون الحكم عليها فلو أكدت على احتفاظها بالشخصية المصرية وحافظت على استخدام الآلة العربية في العزف وصياغة اللحن والمقامات والموسيقي فالعبرة في الموهبة بالاستمرارية والباب مفتوح للجميع. أما عن الألبومات فقال الثورة أتت على الكثير منها فمن لديه البال أن يسمع ألبومات عن العاطفة والرومانسية ونفسية الجميع تعبت والظروف التي تمر بها البلاد هي السبب في هبوطها. وأكد الموسيقار الكبير عمر خيرت، أن ما حدث في مصر من ثورة غيرت من الفن ونفتقد العواطف والتحدث برومانسية فهبطت الألبومات وصعدت الباندات التي تعتبر حالة ثورية وهم فنانين يعبرون عن ما يحدث في البلد فهي حالة صحية بجانب أنهم لا يلتفتون للمكسب المادي فالأهم لديهم هو توصيل الرسالة ويعبرون عن أنفسهم أما الألبومات الفنية فهي حالة تجارية تسويقية تحتاج لمكسب مادي لأنها تمول وتريد الحصد وفي ظل هبوط الإقتصاد هبط الإنتاج الموسيقي. وتابعه عازف الكمان د. رضا رجب أن مجموعة الباندات مسيطرة لأنها تفريغ الثورة وهذا من الآثار السيئة التي خلفتها العولمة التي جاءت عن طريق الغرب وألغت الهوية الثقافية والفنية والموسيقية للشعوب بجانب ضياع الهوية الشرقية في نوعية ما يقدم حيث تم الاعتماد على التقليد الغربي في نوع الموسيقي واللوك "حلقة في الأذن وتطويل الشعر وغيرها من تقاليع الغرب" وموسيقي الباند هي موسيقي صاخبة. وأضاف محملًا جيل العمالقة مسئولية ما يحدث لعدم صناعة جيل بديل للجيل السابق يحافظ علي الشرقية والمقامات وساعد في ذلك تقاعس التلفزيون كقطاع إنتاجي وغلق شركات الكاسيت وسيطرة الشركات الخليجية "روتانا" حيث فرضت نفسها واشترت ثروة مصر من الذخيرة الفنية وفرضت أنواع معينة من الأغاني ولون معين من الفنون. كما أن أماكن كساقية الصاوي ومسرح الهناجر والمسارح المفتوحة فتحت أبوابها لحفلات فرق الباندات ويقف الآلاف لسماعهم ففقدنا الاحترام في الفن واحترام المستمع كما أن انتشار الدي جي خلق حالة صخب في المجتمع وهناك مطربين يرون في تواجد العازف والموسيقي يكلفه في حفلته فيلجأ لفرقة الباند ويكتفي بها لإقامة حفلته. أما الألبومات الفنية فترتبط طبيعة إنتاجها بالاقتصاد فحالة البلد تزداد سوء وأي ألبوم يتم إنتاجه حاليًا يتم قرصنته عن طريق النت لدرجة أن أي فنان يقوم بعمل ألبوم "بيتخرب بيته" في ظل عدم وجود محصلات وغياب حقوق الملكية الفكرية فتتدهور الإيرادات ويضطر المطرب لإعلان رقم وهمي ويكذب على نفسه، كما أننا فقدنا هويتنا الثقافية حتى الجوائز أصبحت مدفوعة الأجر وهذا عصر الشباب لأننا السبب في ضياع الثقافة والحمد لله، وأختتم قائلًا: إن دار الأوبرا لا زالت موجودة تحافظ على الجهود والتراث وإحياء الحفلات القديمة واستقبال كل من ينتمي لها.