■ الإخوان استخدمت الدين لترويج بضاعتها الراكدة فجعلت من محمد مرسى مرشحاً ربانياً فى الساعات الأولى من فرز أصوات الناخبين شعر المصريون بحالة من الارتباك، إنهم يتعجلون النتيجة، كل واحد منهم يريد أن يحسم أمره، كل مواطن يريد المرشح الذى اختاره.. يخاف من الآخرين.. ورغم أن هناك كثيرين فرحوا بتقدم محمد مرسى فى كثير من اللجان، إلا أن الكثيرين أيضا اعتبروا تقدم مرسى الذى يمكن أن يقوده إلى جولة الإعادة وهو مرتاح تماما خبرا أسود.. فمعنى ذلك أن جماعة الإخوان ستركب البلد من خلال مرشحها الذى كان مجرد استبن.. فإذا به يصل إلى كرسى الرئاسة. إذا فعلها محمد مرسى ونجح فى الانتخابات الرئاسية فلن يكون له هو شخصيا أدنى فضل فى ذلك.. فلو نزل الرجل نفسه فى انتخابات محليات أو حتى اتحاد طلبة فلن يستطيع أن يحسمها لنفسه لا فى الجولة الأولى ولا فى الجولة الثانية.. لكن مرسى يمكن أن ينجح لأن وراءه تنظيماً كبيراً هو الإخوان المسلمون. كان ملحوظا خلال يومى الانتخابات أن جماعة الإخوان المسلمين ليست موجودة بكثافة.. كانت تحتل الطرق والشوارع واللجان فى انتخابات مجلس الشعب، لكن هذه المرة توارت الجماعة للدرجة التى شعر البعض أن الإخوان يمكن أن يكونوا عقدوا صفقة مع مرشح ما، ولأنها جماعة تجيد الصفقات فقد صدقنا أنها يمكن أن تبيع محمد مرسى، خاصة أن مرشحها ليس عزيزا عليها للدرجة التى تجعلها لا تفرط فيه. لكن يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين غيرت تكنيكها هذه المرة.. خلال فترة الصمت الانتخابى لجأت الجماعة إلى حيلة التواصل الشخصى، وقد كثفت أخوات الجماعة من زيارتهن للبيوت وإقناع الأسر بانتخاب مرسى.. وهو ما تكرر أيضا أمام اللجان الانتخابية، فقد نشط حريم الجماعة فى توجيه الناخبات.. وقد تعرضت أخوات كثيرات لمواقف محرجة، لأن كثيرات رفضن التوجيه تماما.. ورفضن أكثر أن تسرق أخوات الجماعة أصواتهن. تكنيك آخر لجأت إليه الجماعة، فبدلا من استخدام المنقبات اللاتى كن يصوتن أكثر من مرة ببطاقات تجمعها الجماعة من صاحباتها، وبعد أن وقف القضاة بحسم أمام أى منقبة للتعرف على شخصيتها، لجأت الجماعة إلى الموظفين الذين يقومون على عملية التصويت.. وإذا كانت إحدى سيدات مدينة نصر استطاعت أن تكشف موظفا أراد توجيهها عندما قال لها: مرسى إن شاء الله، فأقامت الدنيا ولم تقعدها على رأسه، فإن هناك من المؤكد مئات وربما آلاف الموظفين الذين جلسوا ليوجهوا الناخبين أمام الصناديق. تقدم محمد مرسى فى الجولة الأولى من الانتخابات لم يكن مفاجأة على الإطلاق.. كان هناك من يعتقد أن مرسى سيحسم الأمر من الجولة الأولى ولن يكون فى حاجة إلى إعادة.. لكن هناك مرشحين أرهقوه.. ونعتقد أنه لو دخل الإعادة مع أحمد شفيق أو عمرو موسى أو حمدين صباحى أو عبد المنعم أبو الفتوح فإنه حتما سيخسر المعركة. لقد لعب الإخوان المسلمون بقوة من الجولة الأولى، لأن المعركة بالنسبة لهم ليست مجرد انتخابات لهم مرشح فيها، فهم يعرفون أن هذه فرصتهم الأخيرة ليحصلوا على كل شىء، خاصة أن هناك فئات كثيرة فقدت الثقة فيهم تماما.. ثم أن هناك تهديدات واضحة وصريحة جدا بأن مجلس الشعب السلطة الوحيدة التى حصل عليها الإخوان مهددة، كما أن المجتمع كله وقف فى وجه الجماعة التى أرادت أن تستأثر باللجنة التأسيسية للدستور.. فلم يكن أمامها إلا أن تدخل انتخابات الرئاسة وتحسمها لصالحها. كانت جماعة الإخوان المسلمين تعرف أن مرشحها ضعيف، وأنه ليس واجهة مشرفة لها، ولذلك لم تتردد عن استخدام كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة فى الدفع به إلى المقدمة، وليس بعيدا عنكم ما نشر عن الرشاوى الانتخابية التى قدمتها الجماعة للناخبين. لقد استغلت الجماعة البسطاء الذين لا يعرفون شيئا لا عن الانتخابات ولا عن الرئيس.. بل ربما لا يعرف بعضهم أن ثورة قامت فى مصر، هؤلاء يعرفهم الإخوان المسلمون، قدموا لهم مساعدات زهيدة، ثم ساقوهم أمامهم إلى لجان الانتخابات. لجأ الإخوان إلى أخس وأحقر وسيلة يمكن أن تعتمد عليها جماعة سياسية، وذلك أنها استخدمت الدين لترويج بضاعتها الراكدة، جعلت من محمد مرسى مرشحًا ربانيًا، قالت أن انتخابه طاعة لله تعالى.. وكأن من لا يعطيه صوته لن يدخل الجنة.. وكأن مفاتيح نعيم الله بأيديهم وحدهم. عرفت الجماعة أن طريقها إلى فئات محددة فى المجتمع مغلق تماما، فالأقباط لا يثقون فى الجماعة ولا فى طرحها ولا فيما تردده، رغم أنها حاولت أن تبعث بالطمأنينة فى قلوب الأقباط.. لكن المسيحيين المخلصين يعرفون تاريخ الجماعة جيدا. رجال الأعمال يدركون رغبة خيرت الشاطر فى السيطرة، جلسوا معه فعرفوا أنه بلا خبرة وأنه يريد أن يستفيد، وأن تستفيد جماعته، أما الآخرون فليذهبوا إلى الجحيم.. انصرف عدد كبير من رجال الأعمال عن الجماعة ورأوا أن تأييدها لن يكون فى صالح مصر بل فى صالح الجماعة وحدها. العاملون فى السياحة لم يستقبلوا محمد مرسى استقبالا طيبا.. بل طردوه لم يستمعوا له، لأنهم يعرفون أن ما يقوله مرشح الجماعة لا يسمن ولا يغنى من جوع، بل إنه لا يفهم من الأساس ما يحتاجونه. لقد أدركت الجماعة أن مرشحها وحده لن يستطيع أن يحسم المعركة لصالحه، ولذلك لم تتركه يتحدث كثيرا فى البرامج الفضائية، ورفض أن يشارك فى المناظرات، فاى مرشح حتى لو كان ضعيفا يمكنه بسهولة أن يأكله، إنه حتى لم يظهر فى مؤتمرات كثيرة وكبيرة كانت الجماعة تنظمها.. كان يكتفى بأن يتحدث آخرون.. يعرفون جيدا ما الذى يجب أن يقال. لم تترك الجماعة محمد مرسى وحده أبدا.. وهو ما كان سببا للسخرية الدائمة والمتواصلة منه، وقد أدرك ذلك خيرت الشاطر فصرح بأنه لا يتابع حملة الدكتور مرسى باستمرار، وكان تصريحه ذلك للإيحاء بأن مرسى يعمل وحده وأنه قادر على حسم معركته بمفرده، وليس فى حاجة إلى خيرت الشاطر أو غيره.. لم يقتنع أحد بذلك بالطبع.. وقد كان هذا فى صالح مرسى. الذين منحوا محمد مرسى أصواتهم لم يفعلوا ذلك لشخصه.. كل واحد ذهب إلى صندوق الانتخابات وفى رأسه سبب مختلف.. تعددت الأسباب واختلفت ولم يكن منها أى سبب يتعلق بمرسى، أصوات مرسى ذهبت إلى الجماعة.. إلى خيرت الشاطر إلى محمد بديع إلى مبدأ السمع والطاعة الذى تعمل به الجماعة. كان ما قاله بعض الإخوان عن خروجهم على طاعة المرشد ودعمهم لأبو الفتوح كلاما فارغا، فليس من السهل أن يفارق الإخوانى جماعته.. لكن كان هناك ما هو أخطر.. فقد منح كثيرون أصواتهم لمرشح الإخوان لأنهم فى اللحظة الأخيرة التى يقفون فيها أمام الصندوق يشعرون أنهم لو اختاروا غير الإخوان لأغضبوا الله، والمصريون فى النهاية لا يقدرون على غضب الله أبدا.. ولذلك فإنهم يؤثرون السلامة. محمد مرسى يمكن أن يكون رئيسا لمصر من الجولة الأولى.. لكنه حتما سيكون أحد قطبى الإعادة.. ويمكن أن يحسم النتيجة له لو لم يفق المصريون لمستقبل بلادهم ويعرفوا أن الإخوان خطر مقيم، وإذا ركبوا السلطة فلن يهبطوا عنها ولو بعد مائة عام.. إنهم يعتبرون المعركة حرب كرامة.. ينتقمون فيها من كل الظلم الذى تعرضوا له فى كل تاريخهم.. لقد جاءتهم الفرصة ليحصلوا فيها ومنها على كل حقوقهم.. ولن يفلتوا الفرصة أبدا