الشاطر تربية التنظيم الخاص وشرب من كف مصطفى مشهور.. وعندما يجد أن جماعته خسرت كل شىء لن يتردد فى اللجوء إلى العنف الشاطر خلع قناع اللطيف الودود الذى حاول أن يكسب به أصوات الناخبين فى معركة الرئاسة.. ولما خرج منها حرض على الحشد فى الشوارع والميادين أيام قليلة خرج فيها خيرت الشاطر عن طبيعته.. حاول أن يكون لطيفا وودودا ليكسب تأييد الناس بعد أن أعلنت الجماعة أنه مرشحها الرسمى فى انتخابات الرئاسة.. تخلى خيرت الشاطر عن مظهره الجاد المتجهم، وعن لحيته التى كانت تأكل معظم وجهه.. إلى لوك جديد أغلب الظن أنه استعان بخبراء فى التجميل والتلميع ليصل إليه. لم تضغط الأقدار على خيرت الشاطر، فرحمته من أن يحمل هذا الوجه كثيرا، استبعاده من قائمة المرشحين للرئاسة رد إليه نفسه، وأعاد له طبيعته التى تربى عليها فى دهاليز التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، وشرب ماءها من كف أستاذه الكبير مصطفى مشهور، أحد صقور الجماعة الكبار الذين كانوا يرون الحفاظ على التنظيم وقواعده الصارمة والقاسية السبيل الوحيد لنصرة الإسلام. الشاطر كشف عن وجهه العنيف عندما دعا الشعب المصرى إلى الاحتشاد فى الشوارع والميادين والبقاء فيها حتى استكمال الثورة.. ولأنه يعرف جيدا كيف يسوق بضاعته ليخدع بها مسمعيه، فقد أردف بأنه يريد ذلك بشكل سلمى حضارى كما كان فى الأيام الأولى للثورة. خيرت الذى يرى أنه ظلم مرتين، الأولى فى عهد مبارك الذى سجنه وصادر أمواله وأغلق شركاته.. والثانية بأيدى رجال مبارك الذين لا يزالون فى الحكم عندما حالوا بينه وبين الترشح فى الرئاسة وهو حقه الذى ما كان لأحد أن ينازعه فيه. وهنا مغالطة كبيرة يقع فيها خيرت الشاطر.. أغلب الظن أنه يعيها تماما، لكنه بارع فى خلط الحق بالباطل. خيرت الشاطر لم يظلم فى عصر مبارك، كان مبارك داهية وجهازه أمنه أكثر دهاء من الجميع، كان يترك من يخطئ يتمادى فى الخطأ، حتى إذا أراد أن يوقع به، وجد ملفاته كلها جاهزة دون عناء. لا يستطيع خيرت الشاطر إنكار أنه كان هناك عرض أزهرى من طلاب جماعة الإخوان فى جامعة الأزهر، وهو العرض الذى أرهب المجتمع وأدخل الخوف فى نفوس الجميع، ولا يستطيع أن ينكر أنه كان أحد ممولى العرض ليظهر قوة الإخوان فى مواجهة الأمن.. ولا يستطيع إنكار أن هناك وقائع ثابتة لغسيل أموال داخل الجماعة. لم يكن نظام مبارك غافلا عما يفعله الإخوان المسلمون، كان يترك لهم الحبل ممدودا حتى يشنقوا به أنفسهم، وهو ما حدث.. لا ينفى هذا أن مبارك كان ديكتاتورا وأن أجهزته الأمنية كانت قمعية – وهو ما قلناه فى وقت ولن نردده هنا بأثر رجعى – لكن ما جرى أن الله ضرب الظالمين بالظالمين.. وأنهك الفاسدين بالفاسدين.. وهو على ذلك قدير. خيرت دخل السجن إذن لأنه أخطأ.. ولذلك ليس من حقه الآن أن يدعى أنه ظلم.. أو أنه يريد رد اعتباره.. قد يكون مبارك ظلمه.. لكنه هو نفسه أخطأ فى حق المجتمع الذى كان يريد أن يحكم أفراده. ما يجعلنى أقول إن خيرت الشاطر ليس حقيقيا، أن الرجل الذى دعا إلى الاحتشاد والتجمهر ومقاومة أى عمليات للتزوير وشراء الأصوات فى الانتخابات الرئاسية.. والرجل الذى أعلن أنه لن ينهزم أبدا.. لم يفعل ذلك إلا لأن مصلحته الخاصة أصبحت على المحك. لقد سخر خيرت الشاطر منذ شهور قليلة من شباب الثورة وساهم فى تشويه صورتهم لأنهم كانوا يصرون على أن المجلس العسكرى هو الخصم الأساسى، لم يعودوا إلى منازلهم فى انتظار الغنائم كما فعل الإخوان المسلمون.. قال إنهم يعطلون مسيرة الديمقراطية وأنهم خطر على مستقبل مصر. إنه رجل براجماتى، يتكلم برفق عندما يرى أن الرفق سبيله للحصول على كل ما يريده، ويلجأ إلى التهديد والوعيد عندما يرى أن خصمه لا يرتدع. لكن الرجل الذى رضع حتى شبع من نهر التنظيم الخاص محترف الاغتيالات وأعمال العنف داخل جماعة الإخوان، لم يدرك أن الجماعة لم تقم تنتصر على مبارك، إنها بالكاد سرقت انتصار الشباب عليه.. ولذلك فالشاطر يعانى من حالة انتفاخ كاذبة بأنه قوى وأنه يمكن أن يحارب ويقدم آلاف الشهداء من أجل أن تصل الجماعة إلى غايتها النهائية. استبعاد خيرت الشاطر من الانتخابات الرئاسية أصابه بالجنون، لقد وصل إلى درجة اعتقد فيها أنه أقوى رجل فى مصر، وأن أحدا لا يمكن أن يقدر عليه، مهما كانت قوته، لكن فى لحظة واحدة انهار كل شىء.. وعاد الشاطر إلى المربع رقم صفر مرة أخرى. يعتقد خيرت الشاطر أنه يمكن أن ينافس بمحمد مرسى – المرشح الاستبن فى الجماعة – وأنه يضمن له النجاح، رغم أن شيئًا من ذلك لم يحدث، فمرسى لا كاريزما ولا حضور ولا تاريخ ولا تأثير ولا قدرة على التأثير ولا رؤية.. إنه ليس معروفا فى الشارع من الأساس.. وحتى لو وقف الإخوان جميعا خلفه فلن يفوز بها. هزيمة الإخوان فى الانتخابات الرئاسية لن تكون الأخيرة، فقد قهرهم المجلس العسكرى وأجبرهم على إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية التى ستتولى كتابة الدستور، والبرلمان لا يزال مهددا ويمكن أن يتم حله فى أى وقت، كما أن حزب الحرية والعدالة نفسه معرض للحل، فشرعيته السياسية مهتزة.. ويمكن أن ينهار على أساس أنه قام على خلفية دينية، ورغم أن الجميع يعرف ذلك إلا أن العيب فى السياسة لا يكون عيبا إلا إذا أراد أحدهم استخدامه. كل هذه الهزائم ستفرض على خيرت الشاطر أن يكتب فصلا جديدا من تاريخه.. فصلا لن يكون لطيفا ولا وديعا فيه، بل سيكون دمويا.. والرجل لديه استعداد كامل لذلك.. يمكن أن يعود بشباب الجماعة إلى تحت الأرض مرة أخرى، يكون جيش الإخوان المسلح لينتقم من كل خصومه مرة واحدة، وساعتها لن يرحم أحدا. لقد بدت دموية خيرت الشاطر فى إزاحته لكل خصومه والإطاحة بهم من الجماعة وتشويه صورتهم بعد ذلك حتى لا يستطيع أحد أن يرفع رأسه بعدها، لكنها حتى الآن كانت دموية باردة، لكن لا مانع إطلاقا من الرجل الذى يهدد ويتوعد الآن أن يتحول إلى الدموية الساخنة التى يصفى فيها خصومه. إن خيرت الشاطر فى المحصلة النهائية ليس إلا أسدا – هكذا صوره أعوانه – جريحا.. يريد أن ينتقم ممن حرموه من حريته فى عصر مبارك.. والآن يريدون أن يحرموه من حقه فى أن يصبح رئيسا بعد أن منى نفسه بأنه يوسف هذا العصر الذى خرج من السجن كى ينقذ مصر، لكن كل شىء انهار تماما. لقد حاول الشاطر أن يوحى بأنه لم يكن راغبا فى الترشح وأن الجماعة هى التى طلبته ورشحته.. رغم أنه عندما أبعد عنها درات به الدنيا جميعا.. فيبدو أنه كان يتمناها لينتقم من جميع خصومه، وبعد أن ضاعت منه لم يجد أمامه إلا الحسرة التى لن تفيده بشىء.