على الرغم من أنّ المعركة الانتخابية في إسرائيل حامية الوطيس، وعلى الرغم من أنّ هناك إمكانية واردة جدًا للإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من منصبه، إلّا أنّ صنّاع القرار في تل أبيب، من المستويين الأمنيّ والسياسيّ، يُحاولون توظيف التهديد الذي باتت تُشكّله حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) على العمق الإسرائيليّ لصالح نتنياهو، في مسعى منهم لتحسين حظوظه في العودة مرّة أخرى لديوان رئاسة الوزراء، وتجري هذه الأمور بتواطؤٍ مع الإعلام العبريّ، الذي يُحاول تسويق سكّان جنوب الدولة العبريّة على أنّه ضحايا نزوات حركة حماس بإطلاق الصواريخ بين الفينة والأخرى باتجاه المستوطنات الإسرائيليّة في المنطقة المُسّماة غلاف غزّة. في هذا السياق، أعرب رئيس الطاقم الأمنيّ والسياسيّ في وزارة الأمن الإسرائيليّة، الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد، عن اعتقاده بأنّ حماس معنية بمواصلة التهدئة مع إسرائيل بسبب وضعها السيئ في أعقاب (الجرف الصامد)، وأكّد المسؤول الإسرائيليّ الرفيع على أنّ عامل الردع لا يزال قائمًا في محيط غزة، الأمر الذي يترك تأثيراته على نيات حماس، بحسب تعبيره. وتابع الجنرال غلعاد، في مقابلة إذاعية قائلاً إنّ الدولة العبريّة تعمل على دفع أعمال إعادة الإعمار في القطاع قدمًا، لكن برأيه، فإنّ الصراعات الداخليّة بين قيادة حماس والسلطة الفلسطينية تؤدي إلى تأخير تنفيذ مختلف المشاريع. أمّا بالنسبة لتهديد لتنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش)، الذي يُشكّله على إسرائيل قال الجنرال غلعاد أنّ التنظيم لا يقوم بتوجيه نشاطه في المرحلة الراهنة ضدّ إسرائيل. ولكن على الرغم من محاولات المسؤولين الإسرائيليين، على أعلى مستوى، طمأنة المستوطنين بأنّ المواجهة غير وشيكة مع الفلسطينيين، فإنّ تقديرات استخبارية إسرائيليّة لفتت إلى أنّ المواجهة المسلحة بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال، ستتجدد خلال أشهر. وهذا الاستنتاج هو خلاصة ما وصلت إليه شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيليّ (أمان)، في تقرير تقويم الوضع لعام 2015، وقام مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، أليكس فيشمان بنشر مقتطفات منه. وبحسب التقدير الاستخباري للعام المقبل، لفت فيشمان، صاحب الباع الطويل في المؤسسة الأمنيّة بتل أبيب، لفت إلى معقولية مرتفعة لتجدد المواجهة، وعلى هذه الخلفية، أصدرت الجهات المعنية في هيئة الأركان العامة للجيش، أوامر للاستعداد والجهوزية لمواجهة عسكرية محتملة، على حدّ تعبيره. وجاء أيضًا في التقدير أنّ أي حادث تُقدم عليه السلطة أو حماس أو إسرائيل، من شأنه أن يترك أثرًا خطيرًا في الوضع، حتى وإنْ كان الافتراض أنه سيكون محدودًا، دون أبعاد فورية على الوضع الأمنيّ، في إشارة منها إلى الخطورة التي كانت كامنة في إطلاق الصاروخ قبل ثلاثة أيام من قطاع غزّة. وتابع فيشمان، نقلاً عن محافل واسعة الاطلاع في (أمان)، تابع قائلاً إنّه يتحتّم النظر إلى التدهور الأمنيّ الأخير، في نهاية الأسبوع الماضي، في القطاع، على خلفية تأثير أي حادث على الوضع الأمني برمته، وذلك بعدما أقدم فصيل من الفصائل الفلسطينيّة، لا يرتبط ظاهريًا بحماس، على إطلاق صاروخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية. وفي هذا السياق، كشفت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيليّ النقاب عن أنّ حركة حماس قامت بتوجيه رسائل طمأنة إلى إسرائيل، بواسطة المصريين، مفادها أنّها قامت باعتقال المسؤولين عن إطلاق الصواريخ، مُشدّدّةً على أنّ مُطلقي الصواريخ لا ينتمون لحماس. مع ذلك، قال رئيس الوزراء ووزير الأمن موشيه يعالون، إنّ حماس من ناحيتهما تتحمّل المسؤوليّة، لأنّها هي التي تُسيطر على القطاع. في السياق ذاته، قالت صحيفة (معاريف) العبريّة، نقلاً عن مصادر عسكرية إسرائيلية، إنّ حركة حماس عادت إلى بناء الأنفاق الهجومية رغم أنّها غير معنية بالتصعيد الأمني، مُضيفةً أنّ القلق الشديد يسود أوساط الاستخبارات في إسرائيل، جرّاء سلوك حماس في أعقاب الجرف الصامد، أيْ العدوان الإسرائيليّ الأخير على قطاع غزّة في الصيف الماضي. مصدر رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي قال ل(معاريف) إنّ حماس ترفع رأسها وتعود لترميم بنيتها التحتية في القطاع، إضافة إلى عمليات التدريب، وإطلاق الصواريخ باتجاه البحر في إطار التجارب التي تجريها على الصناعة الصاروخية، وساق قائلاً إنّ هذا كلّه يُضاف إلى تنظيم عروض قوة عسكرية في الشارع الغزاوي. لكنّ المصدر عينه استدرك قائلاً إنّ حماس لا تريد تصعيدًا للوضع الأمني، بل تُريد التلميح أمام العالم إلى أنّ القطاع يعاني ضائقة بعد الدمار الكبير،على حدّ وصفه. أمّا صحيفة (هآرتس) فقد نقلت عن مصادر عسكريّة رفيعة المستوى، تأكيدها على أنّ مستوى الردع، تجاه غزة، لم يعد كافيًا لمنع الفلسطينيين من المبادرة. وقال معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة، عاموس هارئيل، إنّ الفهم الإسرائيليّ لمصطلح الردع، المتبلور جزئيًا كبديل من السعي إلى حسم الحروب، ليس غير كاف فقط، إنما من شأنه أنْ يُلحق أيضًا أضرارًا إستراتيجيّة بالأمن الإسرائيليّ. وحذّر هارئيل من أن الجيش انتقل تدريجيًا من الحروب التي هدفها الحسم، إلى الحروب التي منطقها الردع. لكن، وفق المصادر العسكرية الرفيعة، فإنّ مفهوم الردع في العصر الحديث، بات قديمًا وقد انهار وأفلس ولم يعد يجدي نفعاً. ولفت هارئيل أيضًا إلى أنّ مفهوم الردع الإسرائيليّ تطورّ بصورة غير واضحة، وهناك من يتوهم فعاليته وتأثيره على الأعداء، لأنه في ظروف معينة، سواء الهدوء أو العنف، قد يكونان نتيجة لاعتبارات غير مرتبطة بإجراءات الجيش الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال، شدّدّ المُحلل هارئيل، فإنّ التهديدات الإسرائيلية تجاه لبنان بين عامي 2000 و2006، كان ينظر إليها كتهديدات غير حقيقية، والجيش الإسرائيلي كنمر من ورق، وخلُص هارئيل إلى القول إنّ رئيس الوزراء نتنياهو يجب أنْ لا يسوّل لنفسه بأنّه أحرز تفوقًا بعيد المدى في غزة، إذ أنّه من المتوقع أن تعود المشكلة الغزاوية إلى طاولته، وربّما إلى طاولة خلفه، في السنوات المقبلة أيضًا، على حدّ قوله. وفي السياق ذاته لفت موقع صحيفة (يديعوت أحرونوت) على الإنترنت، نقلاً عن محافل أمنيّة رفيعة في تل أبيب، لفت إلى أنّه على الرغم من الحملة المصريّة المتواصلة، في شبه جزيرة سيناء وعلى الحدود مع قطاع غزّة، فلا يزال هناك العشرات من الأنفاق النشطة، وأضاف أنّ حركة حماس رفعت من وتيرة تجاربها الصاروخية التي تُجريها بشكلٍ مستمرٍ ومُتصاعد منذ انتهاء العدوان الأخير على قطاع غزّة في الصيف الماضي.