العربية.نت- ما يمكن الاصطلاح على وصفه ب"هجمات الدّهس"، ربما قد يكون السمة المميزة للوضع الميداني المشتعل في القدسالشرقيةالمحتلة، حيث دهست سيارة تحمل لوحة ترخيص فلسطينية ثلاثة جنود إسرائيليين قرب مخيم العروب جنوب الضفة الغربية، وأصيب أحدهم بجروح خطيرة واثنان بجروح متوسطة، وجاء ذلك بعد ساعات فقط من عملية دهس على طريق التماس بين القدسالشرقيةوالغربية أدت إلى مقتل ضابط من حرس الحدود الإسرائيليين وإصابة تسعة آخرين من بينهم جنود، وقتل منفذها إبراهيم العكاري من مخيم شعفاط، ما يعني أنه في الأسبوعين الأخيرين فقط نفذت أربع هجمات ثلاث منها بواسطة "الدهس" وواحدة بمحاولة اغتيال الناشط اليميني، يهودا جليك، برصاص فلسطيني من حي الثوري، قتلته القوات الإسرائيلية أيضاً. وفي القدس بدت عملية الدهس الأخيرة طبعة شبه مماثلة لتلك التي سبقتها بحيث تمت بالقرب من موقف لانتظار القطار الخفيف، حيث يتجمع المستوطنون والجنود عادة، ومشكلة إسرائيل في التصدي لمثل هذه العمليات تكمن في أنها عادة تأتي بقرار فردي من منفذها، وقد يكون لحظياً أحياناً مرتبطاً بردّ فعل على ما يجري في القدس، لاسيما في المسجد الأقصى. ومراجعة صفحة "فيسبوك" الخاصة بإبراهيم العكاري منفذ الدهس قرب الشيخ جراح، تبين أنه كان من بين المرابطين عادة في المسجد الأقصى للتصدي لاقتحامات المستوطنين اليومية، وكان من المفترض أن يتوجه للأقصى يوم التنفيذ، لكن اقتحام المسجد لأول مرة منذ سنوات طويلة وانفجار الوضع، قد يكون دفعه لشن هجمة انتقامية وهو ما يستبعده الإسرائيليون، وبهذا تكون هجمات "الدهس" عمليات شعبية ليست منظمة بالضرورة، لكنها تبين أن ملامح انتفاضة ثالثة في القدس مرشحة للانتقال سريعاً إلى مدن الضفة الأخرى، قد ارتسمت فعلا. البعد الديني "وقود اشتعال" من الواضح أن المعالجة الأمنية الإسرائيلية للاحتجاجات الشعبية الفلسطينية، التي تتواصل يومياً تقريباً على مدى الأشهر الأخيرة لم تؤتِ ثمارا، فنشر الجيش الإسرائيلي ألفي شرطي وعنصر من حرس الحدود داخل الأحياء العربية لم يوقف المواجهات، والسبب في ذلك قد يكون الاحتقان في الحرم القدسي وإصرار إسرائيل على استمرار "اقتحامات" المستوطنين خمسة أيام في الأسبوع بوجبتين، صباحاً وبعد الظهر لثلاث ساعات محددة كلّ يوم، بحماية شرطة الاحتلال ما فرض نوعاً من التقسيم الزمني للحرم القدسي، يعزز مخاوف الفلسطينيين من "تقسيم مكاني" كما جرى في الحرم الإبراهيمي، لكن الاقتحام الأخير لنحو 200 مستوطن، واقتحام الشرطة للمسجد القبلي وصولا إلى محراب صلاح الدين بداخله كان تصعيداً نوعياً ودقّ ناقوس الخطر "لحرب دينية" حذرت منها السلطة الفلسطينية. وقاد التصعيد إلى استدعاء عمان لسفيرها لدى تل أبيب للتشاور وتهديد مسؤولين أردنيين بإعادة النظر بمعاهدة وادي عربة، وهو ما يقلق إسرائيل كثيرا لأن وضع الأردن الحساس وتكرار التهديد قد يعطيه ديناميكية تصل حدّ إجراءات فعلية، ولهذا بعد أن انتهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من كيل الاتهامات للرئيس الفلسطيني محمود عباس وحملّه المسؤولية عن هجوم القدي، بسبب "التحريض من عباس وحماس"، تفطن نتنياهو إلى ضرورة طمأنة الأردن بقوله: "حكومتي لن تسمح بتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي، وكلّ حديث عن نية إسرائيلية المسّ بالمسجد الأقصى محض أكاذيب"، لكنه تناسى أن وزير الإسكان مثلا وعددا كبيرا من نواب اليهود يتحدثون جهارا نهارا عن قرب تغيير الوضع بالسماح لليهود بالصلاة في باحات الحرم، الأمر الذي يصبُّ الزّيت على النّار ويضع "البعد الديني" في صلب الصراع على القدس، على الرغم من تحذيرات خبراء في إسرائيل من أن إشعال فتيل حرب دينية في الأقصى لن يقف في حدود القدس، وقد يضطر "القوى الجهادية" المأخوذة في صراعات أخرى إلى التحول نحو مواجهة إسرائيل. والواضح في هذه المرحلة أن التزاوج بين غياب أي أفق سياسي للحلّ والضغط الميداني الذي تمارسه إسرائيل على الفلسطينيين في القدسالمحتلة متشح بصبغة دينية أيضاً، يضع العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية المتفجرة بطبيعتها على برميل بارود، وتبدو مسألة انفجار "انتفاضة ثالثة" مسألة وقت لا أكثر، فالفلسطينيون قد يتعلمون من التاريخ القريب جداً، ويعتقدون بأنها الرسالة الإسرائيلية أيضاً، والذي يقول إن وقف اقتحامات المستوطنين لم يتحقق إلا عند اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، حيث لم يدخل أي منهم باحات الحرم القدسي ثلاث سنوات كاملة.