إيلاف- أصدر باحث سعودي دراسة مثيرة إستعرض فيها جذور ما اعتبره إقصاء للمذهب الزيدي في اليمن منذ نجاح ثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن أدبيات جماعة الحوثي السياسية وخطاباتها الإعلامية تنادي بأهمية تكوين الدولة المدنية وفق آلية النظام الجمهوري. أوضح الباحث السعودي الدكتور زيد الفضيل في حديث خاص ل "إيلاف" إن قصر وعي ضباط ثورة 26 سبتمبر في اليمن، إضافة إلى جهلهم بقواعد المذهب الزيدي ذاته جعلهم يتصورون أن الارتباط بالمذهب الزيدي يعني الارتباط بالإمامة كنظام سياسي، وزاد من هذا التصور تدخل بعض القيادات الطائفية التي عملت على تعميق هذا الفهم، على أن ذلك قد واجهه رفض واضح من بعض القيادات المعتدلة.
وقال الفضيل: "حالة الإقصاء للمذهب الزيدي لم تكن بذلك الوضوح حتى نهاية عقد السبعينات، حين بدأ الشيخ مقبل الوادعي في نشر مبادئ الفكر السلفي بمنطقة صعدة وعموم اليمن، فكان أن نشأ رأي تدعمه جهات حكومية لمناهضة الزيدية كمذهب، باعتباره بحسب ما حرصوا على تصويره ، مذهبا شيعيا قريبا من توجه الدولة والمذهب في إيران، وفي ذلك محض افتراء وجهل بقواعد المذهب الزيدي كما يعلم المختصون".
وفي ما يتعلق بمرجعية الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأركان حكمه للمذهب الزيدي، مما يستغرب معه العمل على إقصاء المذهب، أكد الفضيل انه بالرغم من مرجعية صالح وأغلب أركان حكمه من الناحية التاريخية تعود للمذهب الزيدي، لكنه على الصعيد العملي لم يكن متبعا لقواعد المذهب، لذلك لم يحرص الرئيس طوال فترة حكمه على استمرار المذهب وتعليمه في اليمن، بل كان يتعامل معه كمذهب لأقلية مجتمعية في اليمن.
وأضاف: "قام صالح بدعم التوجه المذهبي الجديد في اليمن وهو التوجه السلفي، حتى بات علماؤه يشكلون زوايا المشهد دونا عن علماء الشافعية".
وتابع قائلاً: "لكن ذلك لا يمنع من لعبه بورقة الزيدية والشافعية كلما أراد الضغط على قيادات وأركان حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي جمع بين أدوات حركة الإخوان المسلمين وفكر وعقيدة التوجه السلفي باليمن".
حديث الفضيل ل"إيلاف" جاء في أعقاب صدور دراسة وثائقية حديثة له كشفت أنه اثر سقوط المملكة المتوكلية في اليمن عام 1962، استهدف النظام الجمهوري الجديد بالتأجيج والتشويه عبر إعلامه وخطابه الفكري، الشريحة الاجتماعية التي انتمت إليها الأسرة الحاكمة وطائفتها المذهبية، حيث لم يقتصر الأمر على محاربة الأسرة وأركان حكمها، بل بلغ حدا فكريا طائفيا لم تشهد له اليمن مثيلا، على حد وصف الدراسة.
وأوضحت الدراسة التي جاءت بعنوان (بنية الخطاب الطائفي في اليمن الجمهوري)، أن قوى النظام الجمهوري، كأنما جاءت ليس لتنهي حكم نظام سياسي عرف باسم "المملكة المتوكلية، بل لتنهي حكما طائفيا، حيث أصبح الحديث عن تلك الحقبة التي دامت قرابة الألف ومائة سنة، من المحرمات التي يعاقب عليها القانون الوجداني في اليمن.
وبينت الدراسة، ان الزيدية كطائفة تعرضت إلى حملة اقصائية واسعة، تم تبنيها إعلاميا ومنهجيا بشكل موسع منذ قيام النظام الجمهوري، لغرض إلغاء انتمائهم لليمن، حيث بلغت حالة الإقصاء حد نفي وجود أي ثراء معرفي في اليمن خلال حقبة المملكة المتوكلية .
وزعمت دراسات بأن الهاشميين عمدوا إلى احتكار المعرفة فيهم وإن الجهل الذي كان سائدا في اليمن هو من صنعهم، وأنهم وضعوا خطة مدروسة ليبقى الشعب جاهلا، فلا يعرف شيئا في الوجود غير حكم الأئمة، في حين إن واقع الحال لا يمت لذلك بصلة، إذ تكشف كتب الفهارس العلمية اليمنية، ان أسماء العلماء ينتمون لجميع الشرائح الاجتماعية، بحسب الدراسة.
أزمة الحوثيين
كما بيّنت الدراسة، انه منذ اندلاع الحرب بين حسين الحوثي والجيش اليمني عام 2004 أفرزت الساحة الرسمية خطابا إعلاميا مليئا بالإيماءات والتصريحات الإقصائية، التي تبناها الإعلام الرسمي وحمل لواءها عديد من الكتاب المختلفين سياسيا واجتماعيا وايديولوجيا مع الحوثيين، وكان من جراء ذلك التأجيج، النظر إلى المذهب الزيدي بوصفه مذهبا دخيلا على اليمن في الإطار الفكري.
وقالت: عملت تلك الكتابات على تعميق الرابط الطائفي من جانب، والعصبي من جانب آخر، بين القديم والحديث، في وعي الشارع اليمني، وفي ظل تأزم العلاقة بين السنة والشيعة خلال المرحلة السالفة، صدرت قراءات متشنجة، تعرضت الزيدية على اثرها لهجمة فكرية مناهضة وجابهت خطابًا رسميًا تأجيجيًا إقصائيًا بذل جهدا لربط الزيدية كمذهب بالحكم الإمامي، وعمل على إثارة النقاش حولهما من منظور نسبي يقوم على ثنائية الأكثرية والأقلية.
وفي ما يختص بالدراسة والتي قد يفهمها البعض على أنها جاءت كمبرر تاريخي لما يقوم به الحوثيون من تدخلات في العاصمة صنعاء، أوضح الفضيل ل"إيلاف" أن حركة أنصار الله او (جماعة الحوثي) لم تناد في أي خطاب من خطاباتها بعودة الإمامة كنظام سياسي، بل لم يعلن حسين الحوثي ومن بعده أخيه عبدالملك أنفسهم أئمة وفق شروط المذهب الزيدي لليمن، ولا يزالون يؤكدون في أدبياتهم السياسية وخطاباتهم الإعلامية على أهمية تكوين الدولة المدنية وفق آلية النظام الجمهوري.
وأتم: بالتالي فمن الاعتساف ربط موضوع الدارسة التي تناقش أزمة وقع فيها الخطاب الرسمي للنظام الجمهوري على مدى العقود السالفة بحالة التطور السياسي الكائن اليوم في صنعاء.