حتى الأن وبعد مرور سنوات على الثورة الأولى ب25 يناير 2011 وأشهر على موجتها الثانية ب 30 يونيو2013، لم يستطع أحد من المنظرين السياسيين أو المحللين تفسير موقف محمد البرادعي، نائب الرئيس السابق، ولكن الجميع اتفق على ان البرادعي بقدر ما كان أيقونة الحظ الثورة الأول بقدر ما كان ايقونة النحس في موجتها الثانية.
لم تخرج مواقف البرادعي التي كان يتلهف عليها شباب 25 يناير الذي كان يحتاج أي قشة يتعلق بها إبان ذروة الثورة إلى النور من داخل مواقع التواصل إلا عبر وسائل الإعلام التي تناقلت موقفه المعادي لنظام مبارك والمطالب بالتغيير ليجد البرادعي نفسه وجهاً لوجه أمام نظام حسني مبارك الذي أطاح به شباب يناير.
وتفاجئ البرادعي أن الأمر لم يعد هو فقط التدوينة التي يكتبها عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ويذهب إلى كرسيه ومكتبه المكيف ليترك شباب التحرير ينامون على أسفلت التحرير، وبعد ان اتضحت الأمور وتكشفت أمام عينيه بأن الثورة أقوى من نظام مبارك أضطر اضطراراً للعودة إلى مصر بدعوى الوقوف إلى جانب الثورة ولكنه لم يصاب بذرة تراب على وجهه في الوقت الذي كان يغرق فيه الشباب في الدم.
وظل البرادعي في وجه الشباب الثوري هو الرأي السياسي السديد وهو الأمل في أي أزمة حتى بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين عقب موجة الثورة الثانية في 30 يونيو 2013، تم طرحه اسمه ليكون نائباً لرئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور، للعلاقات الدولية، ولكن الاستثناءات لم تبعد البرادعي فكان موقفه الذي ظهر بعد فض اعتصام رابعة العدوية الذي كان يضم أنصار جماعة الإخوان المسلمين، صادماً للجميع بتقديم استقالته في الوقت الذي يشن فيه الغرب هجمة شرسة على مصر فكانت استقالته بمثابة ثغرة يدخل لها كل من يريد ضرب مصر في مقتل، ليعود البرادعي أدراجه على كرثية ومكتبه المكيف خارج مصر كما كان قبل ثورة يناير.
ماذا قال البرادعي عن فض رابعة؟
بدأ البرادعي تصريحاته قبيل الفض بأيام ليخرج ببعض المعلومات من المطبخ السياسي لمجلس الأمن الوطني حول إمكانية فض رابعة أم لا، فقال الدكتور البرادعي للإعلام إن السلطات المصرية لم تعرض إطلاقًا على الإخوان المسلمين الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي، مقابل فض اعتصام رابعة العدوية، معتبرًا أن مصر تجاوزت مرحلة إقناع المجتمع الدولي، وأن ما حدث في مصر ثورة شعبية وليست انقلاباً عسكرياً.
والغريب في الأمر هو موقف البرادعي الأول من فض الإضراب بالقوة حيث قال:" إذا لم يكن هناك بديل عن استخدام القوة في فض مظاهرات رابعة العدوية سنفعل ذلك في حدود أقل خسائر ممكنة"، مضيفاً:" إنه لا يمكن أن نسمح لأحد بترويع الشعب، مشيرًا إلى تقارير أصدرتها منظمة العفو الدولية بشأن 11 جثة تم تعذيبها في اعتصام رابعة العدوية، وشدد على أن تطبيق القانون في هذا الموضوع لا يحتاج لبحث.
وكذب البرادعي الأقاويل التي طالته بأنه يلوح بتقديم استقالته في حالة فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة، وأشار إلى أنه لم يقل في اجتماع مجلس الدفاع الوطني أنه سيستقيل، لكنه أكد أنه أخبر الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، أنه لا يصح أن يتم فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة.
ولفت إلى أنه إذا لم يكن هناك بديل عن استخدام القوة في فض اعتصام رابعة العدوية سيتم استخدامها، ولكن استخدام بحيث يكون هناك أقل قدر ممكن من الخسائر، لأننا نتحدث عن أرواح مصرية.
ماذا قالوا عن استقالة البرادعي؟!
بعد رحيل البرادعي واستقالته الدرامية خرجت التسريبات على ألسنة المسؤولين لتوضيح الموقف، من بينها تلك التي جاءت على لسان المستشار عدلي منصور رئيس مصر المؤقت "السابق"، والذي اعتبر ان استقالة الدكتور محمد البرادعي كانت مفاجئة وأنه كان يتمنى ألا يترك منصبه في الفترة التي كانت تمر بها مصر آنذاك، وأضاف منصور أنه ناقشه في الاستقالة ولكنه أصر عليها، مشيرا الى أن السبب الرئيسي لها هو فض رابعة والنهضة، معتبراً ان البرادعي قرر الاستقالة في توقيت حرج.
الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء "السابق":" قال إن البرادعي، كان يعلم بموعد فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة، إلا أنه كان رافض لفض الاعتصام بالقوة، موضحاً ان البرادعي كان حاضرا لاجتماع مجلس الدفاع الوطني الذي اتخذ فيه قرار الفض، منوها بأن البرادعي أبدى رفضه في ذلك الاجتماع لفض الاعتصامين".
وعلق الببلاوي على قرار البرادعي بالاستقالة:" بانه لا يريد ادانته بسبب استقالته من منصبه، كنائب لرئيس الجمهورية؛ لأنه لديه رؤية مختلفة، وتابع "لا داعي أن نحمله أكثر من ذلك، فهو اتخذ القرار الذي يتفق مع رؤيته". وقال الدكتور حسام عيسى، نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي "السابق"، عن موقف البرادعي بقوله أن رئيس الوزراء حازم الببلاوي اتصل بالدكتور البرادعي لاتخاذ قرار فض الاعتصام، وأكد له أن مجلس الوزراء لم يعد يقبل باستمرار اعتصامي رابعة والنهضة، مؤكداً أن الدكتور البرادعي وافق على فض الاعتصامين".
كما هاجم مصطفى بكري الكاتب الصحفي موقف الدكتور البرادعي وقال إنه أثبت بأنه جاء بأجندة دولية لم يحيد عنها، وأضاف أن البرادعي لم يكن مقتنعا بخارطة الطريق ويحسد الفريق السيسي على شعبيته الطاغية ولهذا خرج عن المسار وكان يريد إجهاض خارطة الطريق".
وعن موقف د.محمد أبو الغار من استقالة البرادعي فقال:" أن جبهة الإنقاذ تأثرت كثيرا لعدم معرفتها بأمر استقالة محمد البرادعي ومناقشتها، مضيفا أن استقالته خيانة لمصر وكان يجب ألا يعلن الاستقالة في هذا التوقيت ويهرب من المسئولية".
ورغم الهجوم الحاد على البرادعي من قبل السياسيين إلا أنه حينها ظهرت بعض المواقف المدافعة عنه أو الرمادية، فمن جانبها أشادت الكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت، برفض الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية للشئون الدولية، فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة، مضيفة أن ذلك هو الفارق بين الشخص الليبرالي و المتأسلم".
بينما ظهر موقف للدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد حين قال:" إن البرادعي أخبره في اتصال تليفوني أن تصريحات حسام عيسى نائب رئيس الوزراء بشأن موافقة البرادعي على اعتصام رابعة عكس الحقيقة لأنه لم يحضر اجتماع مجلس الدفاع، كما أكد البر ادعى للبدوى أنه يرفض فض اعتصام رابعة والنهضة بالقوة.
ولم يبتعد عمرو موسى، عن موقف البدوي كثيراً حين قال:" ان لقاء تم بينه وبين البرادعي، تناولا فيه كيفية فض اعتصام رابعة العدوية بالطرق السلمية، في الوقت نفسه شدد خلال اللقاء على ضرورة احترام حرية التعبير السلمي للجميع.
المخرج خالد يوسف:" قال عن استقالة البرادعي انها خيانة لشعب مصر وثورته، مضيفاً أن البرادعي يضع سلاحا في يد كارهي استقلال هذا الوطن ليضربونا به، فليسقط من تخلى عن شعبه وهو وسط المعركة".
ولم يجد البرادعي مدافعاً عنه سوى الفنان جميل راتب:" والذي وصف فض قوات الأمن لاعتصام رابعة العدوية بالفظيع، معتبراً أن البرادعي كان محقًّا عندما استقال من منصبه احتجاجًا على فض الاعتصام بالقوة، مضيفاً:"أقدر الدكتور محمد البرادعي وأحترمه، وهو حر في الموقف الذي اتخذه".