لا يزال يفتح بيته ومكتبه لعناصر التنظيم الإرهابى بدعوى أنه سفير لكل المصريين
■رفض اقتراحًا من الجالية بتكريم سفراء الدول التى ساندت مصر فى 30 يونيو وطلب من السفراء عدم الحضور ■ رفض حل مجلس إدارة صندوق رعاية المصريين الذى يسيطر عليه الإخوان وأرسل تقريرا للخارجية تم تجميد أموال الصندوق به ليحرم آلاف الأسر من الرعاية
لاتستطيع وزارة الخارجية السيطرة على رجالها.
هل أتجنى على الوزارة السيادية فيما أقول؟.. هل اتهمها بما لم يحدث ؟ هل أطعن القائمين عليها فى كفاءتهم وفهمهم لعملهم ولدورهم السياسى والوطنى والدبلوماسى؟
أعتقد أننى أقول الحق تماما.
هل تريدون دليلا على ذلك؟
هنا تبدأ قصة من قصص القبضة الرخوة والإهمال والتدنى فى الأداء.. إنها قصة السفير المصرى فى السعودية السفير عفيفى عبد الوهاب.
كان عفيفى قنصلا لمصر فى جدة خلال الفترة من 2006 إلى العام 2008، انتقل بعدها إلى السودان، لتسوقه الأقدار سفيرا لمصر فى الخرطوم، وحضر الأزمة الطاحنة التى جرت بين مصر والجزائر فى أم دورمان بعد مباراة التأهل لكأس العالم.. ويومها أثبت عفيفى أنه دبلوماسى لا يقدر تماما المهمة التى يقوم بها، ففى عز الأزمة أغلق السفارة المصرية، وذهب لينام فى بيته.
فى 2012 انتقل عفيفى ليكون سفيرا لمصر فى السعودية، حيث السفارة هناك واحدة من أهم سفارات مصر فى العالم، فالجالية المصرية هناك يتجاوز عددها 2 مليون مصرى، وهو عدد ضخم جدا، يتطلب من السفارة أن تكون على حجم المسئولية، ومن السفير أن يكون على قدر المهمة التى يقوم بها أمام جالية متميزة وخاصة جدا.
وصل عفيفى إلى السعودية إذن ومحمد مرسى فى الحكم، وبطبيعة الحال كان لابد أن يميل إلى جماعة الإخوان، خاصة أن الجماعة كانت تعمل من أجل السيطرة على كل شىء، فلو لم يسع عفيفى إليهم لسعوا هم إليه.
قبل أن يصل عفيفى إلى السعودية كان الإخوان المسلمون قد فرضوا سيطرتهم بالفعل على معظم كيانات الجالية ومن أهمها بالطبع صندوق رعاية المصريين، وهو أكبر وأقدم كيان للمصريين فى السعودية، ومن خلاله استطاع الإخوان السيطرة على معظم الجالية لأن الصندوق يقدم خدمات لآلاف الأسر المصرية فى السعودية.
لم يكتف عفيفى باستقبال عناصر الإخوان فى مكتبه فقط، ولم يفتح لهم السفارة فقط، ولكنهم كانوا ضيوفا دائمين عليه فى بيته.
اعتقد عدد من البارزين فى الجالية المصرية أن الدبلوماسى الذى جاءهم من السودان، يحاول أن يمرر الأمور دون مشاكل، فمن الطبيعى أن يتقرب من الجماعة التى خرج منها الرئيس، وطالما أنه لا يجور على حقوق الآخرين فلا مشكلة على الإطلاق فى تقاربه مع الفصيل الإخوانى.
لكن المشكلة بدأت مع إرهاصات ثورة 30 يونيو، لم يكن عفيفى متفاعلا مع الفعاليات التى قام بها المصريون لتأييد الثورة والمطالبة بخلع مرسى، أصدر المصريون بيانات عديدة سجلوا موقفهم من محمد مرسى، طالبوا برحيله، ووقف عفيفى صامتا، ولم يكن صمته حيادا كما تتطلب المهنة الدبلوماسية، ولكن فيما بدا وتبدى بعد ذلك كان ميلا لجماعة الإخوان ولرئيسها.
هل نفترى على الرجل فيما نقول؟
بالطبع لا.
بعد 30 يونيو حدث الصدام الأول، فى ذكرى 6 أكتوبر 2013 وبعد ثورة يوينو بعدة شهور، فكر عدد من البارزين فى الجالية أن يحتفلوا بذكرى أكتوبر، وأن يكرموا عددا من سفراء الدول الذين ساندوا مصر فى ثورتها، وحددوا سفراء الإمارات وعمان والأردن والبحرين.
ولأن هذا القرار كان يحتاج موافقة من السفير، على الأقل من باب اللياقة، لكن رد السفير كان غريبا جدا، قال لهم: أنتم تعملون حاجات غريبة جدا، يمكن أن تحتفلوا ب 6 أكتوبر، فهذا أمر عادى جدا، ولكن لا داعى لتكريم السفراء، لأنه تم تكريمهم فى مصر بما فيه الكفاية.
كان رد السفير مفزعا، قرر أعضاء الجالية أن يقوموا بتكريم السفراء شعبيا، لكن السفير رفض أيضا هذا الاقتراح، سألوه عن موقفه المتعنت إلا أنه امتنع عن إبداء أى اسباب مقنعة أو غير مقنعة، قالوا له إنهم أخذوا موقفهم وانتهى الأمر، وأن الاحتفال الشعبى يستدعى أيضا وجود السفير، إلا أنه قال لهم وبشكل حاسم: لو أقمتم الاحتفال فلن أحضره.
وهو ما حدث بالفعل، تواصل أعضاء الجالية مع سفراء الدول العربية التى حددوها، أعجبتهم جدا فكرة التكريم وشكروا المصريين عليها، وأقيم الحفل بالفعل فى المركز الثقافى المصرى فى الرياض، أرسل عفيفى نائبه للاحتفال والذى حضر لمدة نصف ساعة فقط، ولم تكن كلمته معبرة عن حالة الاحتفال باكتوبر أو بثورة يونيو.
هل انتهى بذلك كل شىء؟
لا بالطبع.. المفاجأة المخزية أن بعض سفراء الدول الذين كان سيتم تكريمهم اتصلوا بالسفارة وتحدثوا مع السفير عن حفل التكريم، وعن حضورهم، ففوجئوا به يقول لهم لا تحضروا وأنه لن يحضر.
فى هذا التوقيت كتب محمد شاهين - الذى كان وقتها رئيس ملتقى الأسرة المصرية وعضو مجلس إدارة الاتحاد العام للمصريين بالسعودية، وهو الآن الأمين العام للمصريين بالسعودية – مقالا بعنوان عفوا سعادة السفير قال فيه نصا: إما أن نجد من السفراء من يقرر أن يكون ضد رغبة جالية هى أكبر الجاليات المصرية فى العالم، وقد يراها أقل شأنا من أن تقرر أو تعبر عن نفسها، أو أنه أعز وأعلى من أن يشاركها فيما قررته، بل أن يرفض مشاركتها فى فعل يدعم النظام فى هذه الأيام العصيبة التى يعيشها الوطن نظاما وشعبا، فهذا ما لم نكن نعلمه ولم يتعلمه منا أحد.
أثبت شاهين ما جرى قال: لم يحضر سعادة السفير حفل جاليته بانتصارات وطنه، وتعبير جاليته عن وفاء شعب مصر الذى يمثله سعادته للشعوب التى وقفت بجواره فى محنته، وبقى السؤال الذى يطرح نفسه بقوة، لماذا لم يحضر سعادة السفير حفل جاليته بذكرى انتصارات وطنه وتكريم جاليته للشعوب التى ساندت بلده.
لم يكتف شاهين بالمقال الذى نشره، بل أخذ وفدا من أعضاء الجالية وذهب إلى السفير ليسأله وجها لوجه، وكانت المفاجأة أن عفيفى غضب بشدة، وأصبح من اعترضوا طريقه تقريبا مطرودين من رحمته.. فقد قام بشطب الاتحاد العام للمصريين فى السعودية، وهو إجراء ترتب عليه أن أعضاء الاتحاد أصبحوا غير ذات صفة ولا يستطيعون أن ينجزوا أعمالا للجالية بشكل كامل.
قد تقول إن محمد عفيفى لا يريد أن يورط نفسه فى العمل السياسى، رغم أن العمل الدبلوماسى من صميم العمل السياسى، ثم إن الحكومة المصرية التى يتبعها فى النهاية تعاملت مع جماعة الإخوان المسلمين على أنهم جماعة إرهابية، لكنه لا يعترف بذلك، بدليل أن الحفلات التى يقيمها فى بيته حتى الآن يحضرها إخوان مسلمون، ويتصدرها أعضاء الجماعة.
لم نأت بعد عند قاصمة الظهر.
وقاصمة الظهر هنا هى صندوق رعاية المصريين.. وهو الصندوق الذى سيطر عليه الإخوان منذ 2010، قبلها كان عدد من الإخوان فى مجلس إدارته، لكن بعد 2010 أصبح إخوانيا صرفا، ومن بين المخالفات المخجلة التى وقع فيها الاتحاد أنه اتاح لشركة موبايلى وهى ثانى أكبر شركة محمول فى السعودية بفتح مكتب مبيعات داخل القنصلية المصرية، حيث يبيع المكتب لصالح الصندوق، وكانت الأرباح سنويا 2 مليون ريال.. ورغم أن المبلغ مهم ويمكن أن يستفيد منه المصريون إلا أنه ليس من اللائق أبدا أن يتم فتح مكتب لشركة فى القنصلية المصرية.
هذه واحدة أما الثانية فقد اتفق إخوان الصندوق مع مكتب محاسب قانونى يراجع حساباتهم، ومن الطبيعى أن يكون المكتب تابعا لهم، أخذ أعضاء من الجالية ملاحظات عديدة على أداء المكتب القانونى، عقدوا جمعية عمومية وقرروا فيها إنهاء التعامل مع هذا المكتب، لكن مجلس إدارة الصندوق الإخوانى عقد جمعية عمومية طارئة فى نفس اليوم وأقر استمرار العمل مع مكتب المحاسبة التابع لهم، وضرب بقرار الجمعية العمومية الأول عرض الحائط.
كشفت أزمة الصندوق بعد 30 يونيو ما يفعله عفيفى وما يريده.
بعد الثورة رأى أعضاء الجالية المصرية أن استمرار سيطرة الإخوان على الصندوق أمر غير طبيعى بالمرة، خاصة أنهم رصدوا مخالفات جسيمة ليست مالية فقط ولكن وطنية أيضا.
كان أعضاء مجلس إدارة الصندوق الإخوان يجمعون أموالا من المصريين تحت زعم المساهمة فى دعم الصندوق، ويقومون بإرسالها إلى مكتب الإرشاد فى القاهرة دعما لما تقوم الجماعة به، وبعد الثورة استمر الصندوق فى إرسال هذه الأموال، لكن لدعم اعتصام رابعة العدوية هذه المرة.
لقد كان مشهدا لا يستطيع المصريون فى السعودية نسيانه، فأيام اعتصام رابعة العدوية وجدوا أحمد أبو الجود يقف على منصة الاعتصام وينشد فى مساندة الإخوان ومحمد مرسى، وحتى تدرك وقع المفاجأة يكفى أن تعرف ان أبو الجود هذا هو عضو إدارة صندوق رعاية المصريين فى السعودية، عاد أبو الجود إلى السعودية قبل فض رابعة، والغريب أن السفير لا يزال يدعوه إلى منزله حتى هذه اللحظة.
بعد الثورة جاهد شباب الجالية من أجل استرداد الصندوق، خاصة أن لديه وديعة تصل إلى 41 مليون ريال سعودى وديعة فى البنك، ورأوا أن هذه الأموال تحت يد الإخوان خطر كبير، وهنا كان الصدام الكبير مع عفيفى.
قال عدد من أعضاء الجالية لعفيفى: إن أموال الصندوق من المفروض أن تتم من خلالها مساعدة الأسر المصرية المحتاجة والموجودة فى السعودية وأنهم لا يأمنون عليها وهى فى يد الإخوان، وطالبوه بشكل واضح أن يقوم بحل مجلس إدارة الصندوق وتعيين مجلس إدارة مؤقت يسير أمور المجلس لمدة عام، بعدها يتم انتخاب مجلس إدارة جديد.
وقبل اعتراض السفير على هذا الطرح، قالوا له: وحتى لا يقول أحد أن هناك أشخاصا بعينهم يريدون أن يسيطروا على الصندوق، قم أنت باختيار عدد من الشخصيات المستقلة التى لا تنتمى إلى الإخوان ولا تنتمى إلى الثورة، بل يكونون بعيدين تماما عن العمل السياسى، وبذلك يطمئن الجميع إلى أن إدارة شئون الصندوق ستتم بنزاهة وشفافية وحياد.
كانت المفاجأة أن عفيفى رفض هذا الاقتراح تماما.. لكن لم تكن هذه هى المفاجأة الوحيدة، فقد فوجئ أعضاء الجالية المصرية فى السعودية أن قرارا صدر من وزارة الخارجية بتجميد أموال الصندوق ووقف الصرف نهائيا.
لا نستطيع أن نستبعد عنصر المؤامرة من الموضوع بالطبع.
كان يمكن لعفيفى عبد الوهاب أن يستجيب لنداءات المصريين فيما يخص الصندوق، لكن فيما يبدو أنه أرسل تقريرا إلى وزارة الخارجية يشير فيه إلى أن خلافات حول إدارة الصندوق، وفى هذه الحالة من الطبيعى أن تلجأ الخارجية إلى التجميد، وهو ما يعنى أن عفيفى قام بتضليل الخارجية، لأننا نرفض حتى الآن أن نتهم الخارجية بالتواطؤ، لأن التواطؤ هنا معناه أن وزارة الخارجية تعمل فى خدمة جماعة الإخوان المسلمين.
إننا أمام نموذج لا يمت للعمل السياسى والدبلوماسى بصلة.. فالسفير من المفروض أنه يمثل وطنه ويمثل حكومته، لكن عفيفى عبد الوهاب فيما يبدو لا يريد أن يخدم إلا جماعة الإخوان المسلمين، فرغم أنه كان مهتما جدا بعمله أيام الإخوان، إلا أنه الآن يهمل كل شىء فى السفارة.
وأنا أبحث عما وراء عفيفى وصلتنى رسالة من مواطن مصرى فى السعودية ( أحتفظ باسمه بالطبع حتى لا ينكل به عفيفى)، تقول الرسالة نصا: أنا رحت السفارة اليوم لإنهاء بعض الأوراق، أقسم بالله العظيم ما شفت كده فى حياتى، التكييفات بايظة فى ظل درجة حرارة 45، ومفيش نظام كل الناس بتتخانق مع كله، طبعا معذورين من حرارة من الجو والشاشات اللى بتعرض الأرقام بايظة، حاجة متشرفش بصراحة، وطبعا تيجى تكلم السفير مفيش حد بيرد، أنا نفسى أقدم شكوى رسمية، ليس من أجل الشكوى فى حق أحد، ولكن من أجل تحسين الخدمة.
انتهت الرسالة التى أرسلها مواطن سعودى إلى أحد أصدقائه، اعتقد أنه فعل ذلك من ضيقه ومن يأسه أن ينصلح أى شىء فى السفارة هناك، وأعتقد أن الرسالة أصبحت الآن أمام المسئولين فى وزارة الخارجية إذا كانوا يريدون أن يقرأوا أو يصلحوا شيئا.. يمكن أن يحققوا فى هذه الشكوى، وأن يحققوا أيضا فى الشكاوى الكثيرة التى أرسلها مصريون ضد عفيفى ووصلت إلى الديوان.
فى فترات سابقة كانت وزارة الخارجية تتعامل على أنها وزارة سيادية ليس من حق أحد أن يعترض على قراراتها، وألا يقترب أحد من رجالها، فقد كانوا مقدسين فوق الجميع، لكننى أعتقد أن هذا زمن ومضى، خاصة إذا كان رجال الخارجية لا يعملون من أجل المصلحة الوطنية العليا.
أعرف أن السفير بدر عبد العاطى المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية يضيق كثيرا بما يتردد عن السفراء الذين مكنوا للاخونة فى مفاصل السفارات، ولا يزالون يتحكمون فيها حتى الآن، لكنه لا يستطيع أن ينكر أن هناك من بين السفراء من يتعاطفون مع الإخوان المسلمين، من تشابكت مصالحهم مع مصالح الجماعة ورجال أعمالها، وأعتقد أن عفيفى عبد الوهاب ليس بعيدا عن هذا أبدا.
صحيح أن هناك مهام كثيرة لدى وزارة الخارجية، لكن ليس معنى هذا أن تغفل عن تطهير بيتها من أنصار الإرهابية.. ولو كان ما يقوله كثيرون من أعضاء الجالية المصرية فى السعودية غير صحيح، قولوا لنا إنه غير صحيح لكن بالمنطق والعقل والحجة والدليل، فلم يعد الشعب قاصرا ولم نعد نصدق كل ما يقال لنا.
إننا أمام سفير لا يزال يفتح بيته لقادة الجماعة الإرهابية الذين يسيطرون ماليا على مفاصل الجالية، ساعدهم حتى تم تجميد أموال الصندوق، وهو ما يعنى حرمان آلاف الأسر من المساعدة، لن يضار الإخوان من ذلك، بل يمكن أن يستفيدوا من الأمر سياسيا – ولا أريد أن أقول أن هذا مقصود – يمكن أن يقولوا إن النظام الجديد الذى أزاح مرسى هو الذى جمد الأموال، وهو الذى يسعى وراء الإضرار بالمصريين فى الخارج، أما فلديهم أموالهم والبيزنس الخاص بهم.
لن أتحدث عن أداء عفيفى عبد الوهاب الباهت من الناحية الدبلوماسية، لكن ما أعرفه وأشهد عليه من خلال ما سمعت من كثيرين من رجال الجالية المصرية فى السعودية أن وجود هذا الرجل فى هذا المكان تحديدا خطر، فهل ستسكت الخارجية على هذا الخطر أم ستتحرك.. أنتظر السفير سامح شكرى وزير خارجية النظام الجديد الذى يبنى شرعيته على أنه النظام الذى أنقذ مصر من الإخوان وحلفائهم أن يتحرك.. أن يقول كلمة فصل فى سفيره الذى يستقبل الإخوان حتى الآن ويفتح لهم بيته ومكتبه ثم يخرج علينا ليقول إنه سفير لكل المصريين.