■ السماسرة اشتروا متر الإسكان العائلى ب20 ألف جنيه لإقناع الحكومة بالتخلى عن الفقراء متر المبانى تبيعه الحكومة للفقراء ب 1800 جنيه، يحدث ذلك فى مشروع قومى يموله البنك المركزى ب 20 مليار جنيه لتخفيض فائدة الاقتراض، فهذه العقارات يدير تمويلها صندوق التمويل العقارى، ما يعنى أنها محملة أيضا بفوائد، خفضتها الحكومة ل7 %.
متر المبانى ب 1800 جنيه، فى شقة مساحتها 63 مترًا.. الذين قبلوا بالحياة فى علبة كبريت، لا تفرق كثيرا من مساحة التربة، هؤلاء تمنحهم الحكومة المتر ب 1800 جنيه، بخلاف فوائد البنوك!
المتر ب 1800 جنيه للفقراء يا حكومة؟!.. قولى لنا كم حفنة تراب فى هذا المتر.. كم جرام أسمنت، أو حديد، كم طوبة فى متر المبانى، كم سعر ماسورة المرافق، كيف وصلت الحكومة لهذا المستوى من القسوة والعناد.. لحساب من تعمل، لحساب الفقراء والمطحونين أم لحساب سماسرة العقارات ولصوص الأراضى؟
المتر للفقراء ب 1800 جنيه فى شقة مساحتها 63 مترًا فى مدينة نائية «يسمونها مجتمعات جديدة».. العقل لا يقبل إلا باعتبار هذه الأراضى عربونًا لوضع حد أدنى لأسعار العقارات والمبانى.. على كل السماسرة الآن أن يرفعوا سعر عقاراتهم وبيوتهم لتصل لعشرات الآلاف، فالحكومة منحتهم حدًا أدنى لسعر المتر فى البيوت النائية ب 1800 جنيه..
تعتقد الحكومة أن طرح الوحدات الجديدة سوف يستقبله المصريون بالوقوف طوابير انتظارا لدورهم فى الحصول على شقة تسترهم، وهى محقة فى اعتقاداتها، فالبيوت لم تعد قادرة على استيعاب ثلاثة أجيال تعيش فى عشه انتظارا للفرج.. لكن هل تعرف الحكومة أنها تستنزف الفقراء، تحملهم فوق طاقتهم، تمنحهم «علب الكبريت» بأسعار «الكومباوند»، تدفع الفقراء لشراء 63 مترًا ب 112 ألف جنيه، على الاقل، فى الصحراء، على أمل أن يطولها «الونس» والخدمات بعد سنوات!
كيف تسمح الحكومة أن يتحول المتر فى شقة فى الصحراء إلى ثروة، ال 2000 جنيه فى حسابات البسطاء مازالت ثروة، يدخلون فى جمعيات ويقتطعون من قوتهم وعلاجهم ليسددوها، 2000 جنيه وليس 112 ألف جنيه، والرقم الاخير قد يراه هؤلاء الفقراء مرة واحدة فى حياتهم، فالعامل الذى يمضى 40 عاما فى مصانع النسيج والطوب لا يحصل سوى على 45 ألف جنيه مكافأة نهاية خدمته! عليه الآن إن يتبرع بكل خدمته فى مصانع وشركات الحكومة، أن كان من المحظوظين، عليه إن يتبرع بها كمقدم لشقة لابنه فى مبادرات الحكومة.. على الحكومة أن تعرف ذلك جيدا.. وعليها أن تعرف أن هؤلاء الجالسين تحت كل خطوط الفقر القبيحة هم مسئوليتها، عليها أن تفكر لهم وتمنحهم فرصة للسكن والعمل قبل أن تفكر فى استنزافهم.
الحكومة تصر على التفكير بعقلية السمسار والتاجر ورجل الأعمال، تبحث عن الربح، وقد ترضى بالقليل أحيانا، المهم أن حسابات المكسب والخسارة دائما هى التى تحكم علاقتها بالفقراء، بينما لا تفكر بنفس الطريقة عندما تمنح المزايا والدعم للمصانع والمستثمرين ورجال الأعمال، ونحن لسنا ضد رجال الأعمال ولكننا مع العدل.. مع الأولى بالرعاية والدعم.
عندما يقول الفقراء إنهم لا يملكون دفع مقدمات الشقق تقول لهم الحكومة إن عليهم انتظار فرصة أخرى، وعندما يقولون إنهم لا يملكون حتى الوظيفة التى يثبتون بها دخلهم للحصول على الفرصة تقول لهم الحكومة إن لديها لهم خططًا فى المستقبل.. والحقيقة أن أحلام البسطاء فى شقة أو فى الستر اصبحت غير قابلة للتأجيل.. فلتؤجل الحكومة حساباتها فى المكسب والخسارة.
تعرف الحكومة أنها سمسار أراضى، تعتقد أن الأرض هى فرختها التى تبيض ذهبا، ويعرف السماسرة أننا نتعايش مع حكومات مريضة لا تعرف حدود مسئولياتها، ورطوها فى لعبتهم حتى تلعب هى بالنيابة عنهم فى جيوب البسطاء.
لقد انزعج رئيس بنك حكومى خدمى عندما قيل له فى أحد المؤتمرات إن أسعار التمويل العقارى ترفع من أسعار الأراضى، ونحن نعيش فى أزمة عقارات والأسعار انخفضت بالفعل.. لم ينزعج رئيس البنك من الحديث عن شركات التمويل العقارى فى رفع الأسعار.. الرجل انزعج من فكرة تراجع أسعار الأراضى وصرخ «مفيش أسعار نزلت.. مفيش أزمة»، التاجر الذى زرعته الحكومة داخل المسئول عن أحد بنوكها دفعه للحديث بلغة التجار وليس المسئول عن توازن الأسعار والحفاظ عليها فى حدود المقبول.
وزارة الإسكان نفسها طرحت أرضًا منزوعة من أراضى الإسكان العائلى بعد فشل صاحبها فى سداد أقساطها، وطرحت الأرض فى مزاد بالقاهرة الجديدة.. وكانت القطعة الصغيرة كفيلة بإحداث نفخة كبيرة فى أسعار الأراضى فى تلك المنطقة.. لقد زايد التجار على قطعة الأرض ال 209 ليصلوا بسعر المتر إلى 20 الف جنيه، ليقولوا للحكومة إن طرحها للفقراء ب 300 جنيه أو 600 شاملة المرافق هى جريمة!.. وربما تكون الحكومة قد عرفت خطأها فى حق حيتان الأراضى وهو ما دفعها للتراجع عن برنامج الإسكان العائلى، أصبحت تطرح بضع مئات من قطع الأراضى الصغيرة فقط لتقول إنها مستمرة فى مراعاة محدودى الدخل، وتلعب معنا لعبة شريرة، تطرح معظم الأراضى فى مدن بعيدة فى الصعيد والمحافظات الصحراوية حتى تقول إنها تقوم بواجبها، وترفض ترفيق أراضى فى المدن القريبة من القاهرة والجيزة.
حدث ذلك فى المرحلة الخامسة من الإسكان الاجتماعى، لم تطرح سوى 600 قطعة أرض فى مدينة 15 مايو، من بين المدن الجديدة فى القاهرة والجيزة، والمفاجأة أن الأرض ليست مرفقة، وقدمها جهاز المدينة لوزارة الإسكان من باب أنها ضمن الخطة المستقبلية، وجدت الحكومة فى الأراضى فرصة لتغسل بها سمعتها، فقط 600 قطعة وترفيقها قد يحتاج الى سنوات ولكنها كفيلة للترويج للحكومة على أنها راعية محودى الدخل.. المفاجأة الأكبر أن الذين حصلوا على أراض فى نفس المدينة ومن خلال نفس المشروع «الإسكان العائلى» طرحوا أراضيهم للبيع، حصلوا عليها ب 350 للمتر منذ عامين فقط، ويبيعونها الآن بحد أدنى 2500 جنيه للمتر.
لماذا يبيع من يفترض انهم محدودو الدخل فرصتهم الوحيدة فى الحصول على «بيت» فى أقرب المدن الجديدة إلى قلب القاهرة؟ الاجابة يعرفها مسئولو المدينة، فتجار الأراضى يحصلون على معظم قطع الأرض، ابتكروا حيلة للحصول على الأراضى ضمن قرعة علنية وحقيقية وبدون رشاوى ولا محسوبية.. كل تاجر يتقدم بأسماء العاملين لديه وأسرته وأقربائه، منهم من يتقدم لحجز 50 قطعة مثلا، ويحصلون على 20 قطعة، مقابل دفع 10 آلاف جنيه فى بنك الإسكان والتعمير كضمان جدية فى حجز الأرض، تم رفعها الآن الى 25 الف جنيه.. هؤلاء الذين حصلوا على 20 قطعة حققوا منها أرباحًا تقترب من 10 ملايين جنيه.. وفى نفس المدينة «15 مايو» أكثر من 100 تاجر، ولا وجود للباحثين عن حلم «البيت».
بالطبع لا يملك رئيس المدينة ولا وزير الإسكان حيلة فى مواجهة المتلاعبين، لكن قليل الحيلة عليه أن يرحل، أو يبحثوا عن طريقة لضمان وصول الأراضى للمستهدفين، وهى قطع عددها محدود من الأساس، عليها أن تفكر حتى فى إنشاء شرطة للإسكان، وإدراج جريمة تسقيع أراضى الفقراء والتحايل على القوانين لقنص الأراضى، عليها إدراجها فى فئة الجرائم الخطرة والمخلة بالشرف والمهددة للسلم الاجتماعى، وقبل ذلك عليها أن ترفق كميات أكبر من الأراضى، فهى لا تمنح الفقراء الأراضى بالمجان ولكنها على الأقل تحصل على سعر المرافق وهامش ربح بسيط أو مصاريف إدارية