تخيلوا.. وزارة الإسكان ستطرح غدا متر الأرض بالقاهرةالجديدة بسعر يتراوح بين 2200 و2800 للمتر، وفى الشروق بسعر 950 جنيها للمتر، وفى العبور بحوالى 850 جنيها للمتر.. هذه هى أسعار الحكومة للمواطنين.. فكيف تكون أسعار السوق السوداء؟ كان سعر المتر منذ 4 سنوات 280 جنيها فقط للمتر بالقاهرةالجديدة، وحوالى 150 جنيها بالشروق، ولم تكن تجد من يشتريها.. ولكن مع تولى الوزير أحمد المغربى، حدث تطور مخيف فى سياسة الوزارة.. فقد ركزت بشدة على الأراضى ورفعت أسعارها تحت مسمى محاربة الفساد.. وقررت بيع الأراضى بالقرعة أو بالمزاد حسب طبيعة المكان ونوعية النشاط.. فحدثت حالة من الطلب الوهمى المتزايد على الأراضى التى كانت متاحة بأسعار معقولة.. وقفز سعر المتر «الحكومى» فى القاهرةالجديدة إلى 900 جنيه، وفى الشروق 500 جنيه فى آخر قرعة منذ عامين.. ولم يستفد من هذه السياسة إلا تجار الأراضى الذين زعم المغربى أنه يحاربهم، بينما هو يروج لتجارتهم، ويعظم أسعار بضاعتهم.. فالمعروض قليل للغاية، والقرعة تعطى إحساسا بندرة هذا المعروض، فيتهافت المشترون، ويغنم السماسرة. وفكرة المغربى أن المتر الذى تبيعه الحكومة بسعر 900، يبيعه السمسار بسعر 3000، فلماذا لا تكسب الوزارة هذا الفرق؟ وهو يقول إنه بذلك يحارب الاتجار فى الأراضى، ولكنه زعم مرفوض، فهو رجل أعمال كبير، ويعلم جيدا أنه حينما يرفع السعر إلى 2200، سوف يرتفع عند السمسار ليصبح 5000 و6000 جنيه للمتر على الأقل، وأن السباق لن يتوقف بهذه السياسة.. وهو يعرف كرجل أعمال، أن تخفيض الأسعار ومنع المضاربة لا يكون إلا بزيادة المعروض، وهو عكس مايذهب إليه المغربى فى سياسته بوزارة الإسكان.. فلو كان المعروض كبيرا، تزيد فرصة الانتقاء، وتهدأ السوق.. أما سياسة المغربى فى وزارة الإسكان فهى سياسة تعطيش السوق.. فعدد القطع المعروضة فى قرعة الغد 281 قطعة فقط فى القاهرةالجديدة، و212 قطعة فى الشروق.. فكم ألفا من المواطنين يريدون الشراء؟ والذين سيتقدمون للقرعة الجديدة فئتان أساسيتان.. الأثرياء والسماسرة.. بل إن السماسرة المحترفين والمرتبطين بأجهزة المدن الجديدة بدأوا فى تجميع البطاقات الشخصية من المواطنين البسطاء للدخول بأسمائهم فى القرعة، والتى يشعر الناس بأنها القرعة الأخيرة.. وبمجرد فتح الباب سيتقدم هؤلاء السماسرة بأموالهم ولكن بأسماء هؤلاء البسطاء، فإذا فاز اسم أحد هؤلاء البسطاء بقطعة أرض، يقوم السمسار ببيعها مقابل نسبة للمواطن البسيط.. أى أن سياسة وزارة الإسكان الحالية أصبحت ترسخ الاتجار فى الأراضى والوحدات السكنية، وتزيد المشكلة تعقيدا بطريقة تستعصى على الحل خلال عقود.. ولم تعد الوزارة تمارس دورها الدستورى والطبيعى فى حل مشكلة الإسكان المتزايدة، فلا تخطط مدنا جديدة، ولا تطرح مشروعات بأسعار مناسبة لفئات مصر الاجتماعية المختلفة، وحتى مشروع ابنى بيتك، تبين لأصحابه بعد أن شرعوا فى البناء أنهم يبنون على أرض ممنوحة لهم بنظام حق الانتفاع، أى أنه مشروع ابنى بيتك على أرض الدولة. الوزير المغربى يختلف عنا فى تعريفه لكلمة الإنجاز.. فالإنجاز الذى نعرفه يقاس بمدى مساهمته فى وضع حلول لمشكلة الإسكان.. أما بالنسبة له فالإنجاز كل الإنجاز أن تكسب الوزارة مليارات من بيع الأراضى.. فحينما حصل 17 مليار جنيه من المزادات والقرعات الأولى التى أجراها مع توليه الوزارة، اعتبر ذلك فتحا مبينا، وصرح عشرات المرات بأن هذه الحصيلة تتوجه للبنية الأساسية.. ولكن مافائدة وزارة مهمتها أن تبيع أراضى الدولة بالمتر للأثرياء بالنسبة لشعب يعيش معظمه فى العشوائيات دون أن تفكر فى إيجاد سكن آدمى بسعر مناسب للمواطن المصرى؟ الذى يفعله الوزير المغربى سيزيد سكان العشوائيات والعشش الصفيح.. فأسعار الوحدات السكنية تضاعفت عدة مرات فى عهده وبسبب سياسته.. أى أن المواطن المتوسط الحال لم يعد قادرا على شراء شقة متوسطة الحال، وأصبح غير قادر على الحفاظ على مستواه المتوسط، وانحدر ليكون من الطبقة الفقيرة.. والسكن حق طبيعى لكل إنسان، فإذا لم تحقق الحكومة هذا الحق للمواطن بشكل منظم، سيلجأ هذا المواطن للبحث عن سكن بشكل عشوائى غير منظم.. ومايفعله المغربى فى وزارة الإسكان هو انعكاس دقيق وأمين ومنطقى لسياسة الحكومة الحالية التى تعالت على الفقراء، وأخرجتهم من حساباتها، وركزت كل سياساتها على الأثرياء.. والأثرياء فقط. وسياسة المغربى ستلهب أسعار مواد البناء أكثر وأكثر.. فالأرض التى يبيعها، سيتم سحبها مالم يتم بناؤها كاملة خلال 3 سنوات فقط.. أى أن صاحب الأرض سيضطر لشراء مواد البناء بأى سعر خوفا من سحب الأرض التى لن يستطيع تعويضها.. ولو كان المغربى يريد تهدئة السوق فعلا، لجعل فترة البناء أطول حتى لايقع المواطن فريسة لجشع تجار الحديد والأسمنت. وسياسة المغربى لاترفع الأسعار فى المدن الجديدة فقط، ولكنها ترفعها فى مصر كلها، وقد زادت أسعار الوحدات السكنية فى القاهرة الكبرى 3 أمثال ماكانت عليه قبل 4 سنوات.. ورغم ذلك لايزال المغربى مصرا على سياسته، ولايرى فيها أى خطأ، ولا يصدر إليه أحد توجيهات بالعدول عن تلك السياسة وإعادة النظر فيها.. وكأن أحدا لايدرى ماذا يحدث فى مصر. بيع الأراضى ليس حرفة ولا يحتاج إلى عبقرية أو قدرات خاصة.. ولايحتاج إلى جهاز إدارى ضخم بحجم وزارة وبرئاسة وزير، ومن الممكن أن يكتفى بشركة صغيرة تقوم بهذه المهمة.. أما الإسكان فهو مهمة كبيرة للغاية، وأسمى بكثير من مجرد جنى مليارات.. فالمواطن الأفقر هو الأولى بالرعاية، وأرض الدولة أهم بكثير من أن تستغل فى إشعال السوق السوداء ومجاراة السماسرة والتجار.. نحن مقبلون على كارثة بسبب هذه السياسات. [email protected]