أكدت مصادر حكومية مصرية ل«الشرق الأوسط» أمس أن نجاح الاستفتاء على الدستور الجديد يعيد ترتيب علاقة مصر بالغرب ويشجع على إجراء انتخابات «الرئاسة» قبل البرلمان، وتوقعت وصول نسبة المصوتين ب«نعم» في الاستفتاء لأكثر من 75 في المائة. وأكد وزير الداخلية المصري، اللواء محمد إبراهيم، ل«الشرق الأوسط» أمس تزايد الإقبال الكثيف من الناخبين على الاقتراع. ويأتي هذا وسط حالة عامة من التفاؤل بين كبار المسؤولين في بلد يعاني من مشاكل اقتصادية وفتور في العلاقات مع عدة دول خاصة الولاياتالمتحدة الأميركية، وذلك منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو (تموز) الماضي حتى الآن.
ومن المقرر أن يعلن الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور خلال الأيام القليلة المقبلة مواعيد انتخابات البرلمان والرئاسة والقوانين الخاصة بكل منهما، مع تزايد الضغوط الشعبية على قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، لخوض انتخابات الرئاسة، وفق ما أعلنته عدد من الحركات المدنية المؤيدة له، لكن مصادر عملت في السابق في الجيش أعربت ل«الشرق الأوسط» عن اعتقادها بأن السيسي «يمكن أن يترشح في حال اطمأن لردود الفعل الغربية التي تنظر إلى حركة الإطاحة بمرسي باعتبارها انقلابا عسكريا»، وأن «نتائج الاستفتاء هي التي ستعكس ردود الفعل من عدة دول تسرعت في انتقاد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013».
ومن جانبه أضاف اللواء إبراهيم في تعليقه على سير اليوم الثاني للاستفتاء أمس بقوله: «يوجد إقبال مكثف من جانب الناخبين، هذا أمر غير مسبوق.. هذا تلاحم وإقبال غير مسبوق من المواطنين»، مؤكدا على وجود تلاحم من المواطنين غير مسبوق يومي أمس وأول من أمس، وسط تأمين من رجال الشرطة والقوات المسلحة. وأكد على استعداد رجال الشرطة للتضحية بالغالي والنفيس من أجل أداء رسالتهم السامية في حفظ أمن المواطن ومقدرات الوطن.
ودعا اللواء إبراهيم المواطنين صباح أمس إلى مواصلة تدفقهم على لجان ومقار الاستفتاء في المحافظات المصرية والتي استمرت حتى وقت متأخر من الليلة الماضية من أجل «استكمال الصورة الرائعة التي رسموها منذ بداية الاستفتاء أمام العالم، وليعبروا بحق عن ثورة 30 يونيو العظيمة»، قائلا إن الأجهزة الأمنية قامت منذ بداية الاستفتاء بتكثيف الإجراءات الأمنية خاصة أمام عدد من اللجان التي شهدت أعمال عنف من قبل «تنظيم الإخوان الإرهابي».
وفي وزارة الداخلية أيضا، التي تشرف على تأمين الاستفتاء مع قوات من الجيش، أكد العميد هاني عبد اللطيف، المتحدث باسم الوزارة، أن الأمور منذ صباح أمس، أي في اليوم الثاني للاستفتاء على الدستور: «منتظمة إلى جانب انتظام الخدمات الأمنية وإجراءات التأمين التي استهلها السيد الوزير بجولة مفاجئة على عدد من اللجان في القاهرة والجيزة شملت التأكيد على يقظة قوات التأمين، وكذا تأمين وصول الناخبين إلى مواقع الاقتراع، وتذليل أي عقبات يواجهونها خاصة من كبار السن والشيوخ والسيدات».
وقال العميد عبد اللطيف إن «الإقبال كثيف خلال يومي الاستفتاء وغير مسبوق وبعض اللجان عملت الليلة قبل الماضية حتى الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، خاصة لجان الوافدين وبعض اللجان في الهرم (بالجيزة) ومدينة نصر (بالقاهرة)»، مشيرا إلى أن الكثير من الناخبين كانوا متواجدين أمس منذ الساعة الثامنة صباحا لحجز دورهم في طابور الاقتراع أمام لجان الاستفتاء التي تفتح أبوابها في الساعة التاسعة صباحا.
وعلى الصعيد نفسه أكد وزير التنمية الإدارية، هاني محمود، أنه أجري استطلاع على عينات للناخبين من 40 لجنة مختلفة، أظهرت أن نحو 28 في المائة من إجمالي الناخبين المسجلين، والبالغ عددهم نحو 53 مليون ناخب، أدلوا بأصواتهم في اليوم الأول للاستفتاء، بينما أفادت مصادر حكومية بأن نسبة من صوتوا ب«نعم» على الدستور ربما ستصل إلى أكثر من 75 في المائة.
ومع ذلك أبدى اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية، المزيد من التفاؤل وقال أمس إن نسبة الإقبال على التصويت وصلت إلى 80 في المائة، معربا عن توقعه بأن تزيد النسبة عن ذلك بكثير. وأضاف أن غرفة عمليات الوزارة رصدت زيادة نسبة إقبال المواطنين في مختلف المحافظات للإدلاء بأصواتهم، وأنه في حال زيادة نسبة الإقبال في الساعات الأخيرة سيجري مد عملية التصويت إلى اليوم (الخميس)، لكن مستشار رئيس الوزراء للانتخابات، اللواء رفعت قمصان، أكد أن رئاسة الجمهورية واللجنة العليا للانتخابات أعلنت أن يوم أمس (الأربعاء) هو آخر موعد للاستفتاء.
وأضاف اللواء قمصان، خلال متابعة سير الاستفتاء في غرفة عمليات مركز معلومات مجلس الوزراء بوسط القاهرة، أنه لا صحة لما ردده البعض عن احتمال مد فترة التصويت إلى (اليوم) الخميس. وتابع قائلا إن اللجان ستستمر في عملها حتى آخر مواطن يدلي بصوته.
ويعتبر الاستفتاء أول إجراء عملي في خارطة المستقبل التي أعلنها قائد الجيش في مطلع يوليو الماضي. وينظر الكثير من المسؤولين لها بأنها تمثل إنجازا لثلث الخارطة التي أيدها قادة سياسيون ورجال دين إسلامي ومسيحي، وحازت بقبول شعبي اقترن أيضا بدعوة قطاعات مصرية للسيسي للترشح لرئاسة البلاد. لكن الخارطة نفسها التي رفضتها جماعة الإخوان وعدد من تيارات الإسلام السياسي الموالية لها، تسببت في فتور في العلاقات بين مصر وعدد من الدول الغربية التي تخوفت من أن تتسبب الإطاحة بمرسي في موجة من العنف.
وقالت مصادر في الحكومة المصرية ل«الشرق الأوسط» أمس إن «الإقبال الكبير» على الاستفتاء على الدستور يعطي ثقة ل«العالم المتشكك» في مسار خارطة المستقبل، وتصميم مصر على إنجاز جميع الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها، في إشارة على ما يبدو إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، التي لوحت بقطع المعونات الاقتصادية والعسكرية عن مصر والبالغة نحو 1.55 مليار دولار. ولا يوجد لواشنطن سفير في القاهرة. ويقوم بدور السفير الأميركي قائم بالأعمال عقب خروج مرسي من الحكم حتى الآن.
وأضافت المصادر الحكومية أن الرئيس منصور يستعد لتحديد مواعيد انتخابات البرلمان والرئاسة، عقب الإعلان الرسمي لنتيجة الاستفتاء المرجح أن تكون يوم السبت المقبل، مشيرة إلى وجود ميل لإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، بالإضافة إلى إصدار القوانين المنظمة الخاصة بكل منهما. وأضافت المصادر أن عملية الاستفتاء أعطت مؤشرات للأجهزة الأمنية والسيادية المعنية على قدرة تأمين الاستحقاقات الانتخابية المقبلة «بعد أن كانت هناك مخاوف تتحدث عن احتمال قيام الإخوان وأنصارهم بعرقلة عملية الاستفتاء، التي مرت بسلام».
ويأتي هذا مع تزايد الضغوط الشعبية على قائد الجيش، لخوض انتخابات الرئاسة. وقالت مصادر عملت سابقا في الجيش إن نتيجة الاستفتاء «إذا خرجت مرضية» فربما تشجع السيسي «على حسم موقفه والنزول على إرادة المصريين التي تطالبه بقيادة البلاد في هذه الظروف الصعبة». وأوضحت المصادر قائلة إنه «إذا جاءت نتيجة التصويت بنعم بنسبة كبيرة، فهذا سوف يكون ردا عمليا على الدول الغربية التي تنظر للإطاحة بمرسي كانقلاب دبره قائد الجيش طمعا في رئاسة الدولة».
ويحظى السيسي بشعبية طاغية في عموم البلاد، ويعده الإسلاميون من جماعة الإخوان والموالين للجماعة خصما لدودا. وقالت عدة حملات مؤيدة لترشح السيسي، وتضم عسكريين ونوابا ووزراء سابقين، إنها ستعلن يوم 25 الجاري في الذكرى الثالثة لثورة يناير (كانون الثاني)، جمعها نحو 26 مليون توقيع من مصريين لدعوة قائد الجيش لرئاسة مصر. ولا توجد مصادر محايدة تبين صحة هذه التوقيعات التي يزيد عددها عن إجمالي ما حصل عليه كل من مرسي ومنافسه في الانتخابات الرئاسية الماضية، الفريق أحمد شفيق.
وجمع هذه التوقيعات طيلة الشهور الماضية عدة تكتلات تضم 21 حزبا وتسع حملات منها حملة «كمل جميلك» إضافة ل«المجلس المصري للقبائل» بمصر. وقال المتحدث باسم «كمل جميلك»، عبد النبي عبد الستار، ل«الشرق الأوسط» إن هذا يأتي بالتزامن مع ظهور مؤشرات ب«تعطش الشعب لاستكمال خارطة المستقبل كاملة، بوجود السيسي على رأس الدولة، وذلك من خلال ما حدث من إقبال جماهيري في يومي الاستفتاء»، أمس وأول من أمس.
ومن جانبه واصل الفريق صدقي صبحي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، جولاته على لجان الاستفتاء بالمحافظات، مع عدد من قادة الجيش. وبات الفريق صبحي محط أنظار كثير من المصريين بعد أن ظهرت تكهنات بأنه ربما يكون وزيرا للدفاع في حال تفرغ السيسي للترشح للرئاسة. وتفقد أمس متنقلا بالطائرة بصحبة عدد من كبار قادة الجيش، سير الاستفتاء في لجان بمحافظات السويس وأسيوط والبحر الأحمر، وغيرها.
على صعيد متصل، وبعد عدة انتقادات وجهتها وسائل إعلام محسوبة على السلطات المصرية، لحزب النور السلفي بسبب «ضعف» إقبال عناصره على الاقتراع، كثف الحزب في ثاني أيام الاستفتاء أمس من ظهور كوادره لحشد المواطنين للتصويت ب«نعم» على الدستور. وأعلن الحزب أمس عن توفيره لنحو ثلاثة آلاف سيارة أجرة بالمحافظات لنقل الناخبين للجان «لحسم نتيجة الاستفتاء واستكمال بناء مؤسسات الدولة». وقال نادر بكار، مساعد رئيس الحزب لشؤون الإعلام، إن الحزب يقوم بعمل جولات لحشد الناس للتصويت ب«نعم».