"مُلهم" شاب مصرى صميم، قرر أبوه أن يمنحه اسما مختلفا إيمانا منه بأن ابنه سوف يصبح مُلهم لأبناء جيله، وأنه سوف يكون فى أحد الأيام رجلا ذا شأن عظيم.. «مُلهم» ألتحق بكلية الطب وانتهى به الحال طبيب ممارس عام بأحد المستشفيات الحكومية وانتهت أحلام والده بأنه أصبح مواطنًا مصريًا عاديًا جدا..
"مُسلم" شاب مصرى صميم، أبوه شيخ بسيط، أسماه مُسلم راجيا من الله أن يُصبح إبنه فى يوم من الأيام شابًا يحمل أخلاقيات الإسلام المُعتدل بين ضلوعه اسما وخُلقا..
مُسلم إلتحق بكلية طب الأزهر وانتهى به الحال مُمارس عام فى مستشفى حكومى، والشىء الوحيد الذى نجح فيه بجدارة هو أنه أصبح عضواً نشطًا فى جماعة الإخوان، وخلية من خلايا الإخوان التى نامت طويلا واستيقظت فى عهد د.مُرسي.
ركب "مُلهم" سيارته مُسرعا، وبجواره ابنه الصغير ذى السبعة أعوام فى طريقهما إلى المدرسة.. الشوارع مزدحمة كالعادة، ومُلهم ينقر بأصابعه على الموبايل طول الوقت..
"بابا هو حضرتك ليه بتكتب عالموبايل من ساعة مانزلنا؟"
"باعمل حاجة مُهمة يا حبيبي، سيبنى أركز بقى، أنت مش شايف الزحمة اللى إحنا فيها، شوارع زى الزفت وحكومة نايمة وشعب ما يعلم بيه إلا ربنا".
استكمل النقر على الموبايل، وفجأة قرر أن يدخل فى الشارع بالعكس اختصارا للوقت..
"بابا ابن صاحبك أونكل مُسلم ده ولد رخم قوى، كل يوم يجى المدرسة معلق علامة رابعة على الشنطة، وبيقول لنا أن مُرسى راجع، ومدرس العربى غششه الامتحان المرة اللى فاتت علشان هو إخوان زى باباه".
"طظ فيه هو وأبوه، قول له يا حبيبى أن مُرسى بتاعه ده راح فى الوبا خلاص، وبعدين أنت كمان شوف حد يغششك زيه، ومن بكرة خد صورة السيسى معاك فى الفصل واحرق دمه".
عاد ينقر على الموبايل من جديد، وبدون مقدمات صرخ بصوت عال:
" يالا بقى.. يالهوى.. حد باصص لى فيها ".
وصل مُلهم المستشفى ليجد مُسلم موجودًا فى العيادة منذ الصباح الباكر.. قال مُسلم فى محاولة لاستفزازه:
"انقلابيون ونفتخر يا أبوإسلام.. المهم خلصنا من الجاسوس بتاعكم، أنا شايف عربيتك متكلبشة بره بالمناسبة علشان راكن صف تانى، كلم مُرسى يفكهالك يا معلم".
جرى مُسلم إلى الخارج لينقذ السيارة ثم عاد بعد نصف ساعة يلهث، سأله مُلهم فى محاولة لاستفزازه من جديد:
"ها.. ربنا كرمك وفكيت الكلابش يا أبو إسلام".
"غمزت أمين الشرطة ببريزة وفكهالى.. الحمد لله، ماهى نيتى سليمة يا حبيبى".
وقف المرضى على باب الاستقبال طوابير فى انتظار دخولهم العيادة، فى حين أمسك مُلهم بموبايله ينقر عليه باهتمام شديد بعد أن أمر الممرضة بأن تُبقى المرضى بالخارج لمدة ساعة.. وفى الكُرسى المقابل جلس مُسلم وفى يده مصحفا يقرأ ورد الصباح..
فجأة صرخ مُلهم موجها كلامه إلى أحد النواب الموجودين بالعيادة:
"قولى يا أحمد لاحسن أنا طالع عين أمى من الصبح، هى الشيكولاتة المخططة اللى بتظهر على الجنب دى، بتضربها إزاى؟ ده أنا بقى لى 3 أيام فى level 86 مش عارف أعديه!".
"candy crush يا دكتور!"" يابنى هى فى غيرها، ده أنا طول النهار لازق فى الموبايل والناس كلها وصلت ال180 وانا محتاس فى الدور ده.. لأ والبندق مش عايز ينزل، والجيلى مش عايز يتشال وحاجة تقرف، وأمى إمبارح قالت لى إن فيه طريقة تسرق بيها life كمان.. حاكلمها".
تقدم مريض من مُسلم وقال له بملامح تُكسيها الأسى:
"يا دكتور حرام عليك، بقى لك ساعة بتقرأ قرآن وأمى حتموت من المغص بره عايزه حد يبص عليها".
"يا سلام، أسيب أنا بقى كتاب ربنا علشان أبُص على أمك، لما يجى دورها إنشاء الله، وبعدين بدل ما أنت تاعب نفسك، روح أى مستوصف تبع الجمعيات الشرعية الإسلامية بتقدم خدمات أحسن من هنا وبأجر رمزى والا أنت برضه مقاطع الإخوان؟".
سكت الرجل بعد أن أطلق تنهيدة زفر فيها أنفاس اليأس، وعاد ينتظر الفرج من جديد..
فتح مُلهم حقيبته وأخرج ساندويتشات الفول والطُرشى، وقال موجها كلامه لأحمد:
"شُفت يا د.أحمد البوست الجامد اللى أنا كاتبه على الفيسبوك.. دخلت لك فى حوار مع واحد من الأمامير بتوع رابعة إمبارح، خليته يشد شعره، ده أنا نايم الفجر بعد ما حطمتهولك.. ومن يومين برضه مظبط لك واحد من الأخوة على تويتر، أنا بحب البلد دى حُب مهما أوصفلك، وباكتب بقى شوية كلام من الآخر.. إدخل عندى وإقراه".
علا صوت مسلم وهو يتحدث فى هاتفه المحمول:
"لأ ماتقلقش يا حاج مش معطلنى ولا حاجة، أدينى باقضى وقت فى المستشفى على قد فلوسهم لحد ما أطلع العيادة بعد الضهر أشوف أكل عيشى.. بس ماتقلقش أنا معاكو فى مظاهرة الجمعة طبعا وكلمت الشباب والحاجة وصلت لهم وبيشكروك.. الله المُعين.. ربنا يرد كيدهم فى نحورهم إنشاء الله.. ماشى يا أخى.. وعليكم السلام".
اشتعل النقاش بين مسلم ومُلهم حتى وصل إلى حد الُمباراة.. ولايزال المرضى يقفون طابورا فى انتظار الفرج الذى لا يأتى.. فيبقى الوضع كما هو عليه.. مُلهم يريد أن يجتاز الlevel فى لعبة الكاندى كراش.. ومسلم لايزال يُصلى النوافل والفروض ويقرأ القرآن طوال اليوم مبتهلا إلى الله أن يزيح الغمة ويعود الرئيس مُرسى إلى الحكم..
وينتهى النقاش بينهما دائما بالجُملة الشهيرة التى يُطلقها «مُلهم» ويؤكد عليها «مسلم»:
"فى النهاية، إحنا كلنا مايهمناش غير مصر، ولازم نشتغل ليل نهار علشان البلد تقف على رجليها، دى الناس بقت أخلاقها زفت وماعندهاش ضمير، مش حننجح غير بالعمل.. النهضة هى حلمنا كلنا من غير نقاش".
" اللهم آمين.. عندك حق طبعا.. ربنا يولى من يُصلح إنشاءالله.. أنا قايم أصلى العصر بقى علشان ألحق أروح".
وفجأة يدخل عليهم زميلهم الذى سوف يستلم النوبتشية ويقول:
"تصدقوا رئيس القسم د.عزت إدى العيال الصغيرة كلها مكافآت ماعدا إحنا".
ويرد مُلهم صارخا أولا، ثم مُستنكرا ثانيا:
"أخيرا.. خلصت الlevel.. أحمدك يارب.. بتقول إيه مكافآت! يانهار أبوه أسود، أنا حاقدم فيه شكوى.. الراجل ده واطى بشكل".. ويُعقب مسلم:
"وأنا معاك يا أخى.. ليه هو العيال الصغيرة دول أحسن مننا فى إيه، هو أصلا راجل مش محترم وعليه كلام كتير".
"بيقولوا كرشه واسع وبياخد منهم هدايا.. بينا يالا نقدم شكوى لمدير المستشفى".
وبعد مرور أشهر قليلة.. يتم فتح باب انتخابات الرئاسة، وتُصبح مصر على وشك أن تختار رئيسها الجديد، الرجل الذى سوف يصحح مسار ثورتى 25 يناير و30 يونيه.. تحمل الجميع المسئولية وأصبح وصول المصريين إلى صناديق الانتخابات واجبًا وطنيًا يٌحتم على الجميع أن يحملوا مصر إلى غد مُفعم بالأمل..
دخل طبيب شاب إلى استقبال المستشفى ليسأل الموجودين عن اختياراتهم.. فيرد مُلهم:
" اللجنة كانت زحمة موت،رحت مرتين والآخر زهقت فروحت وطنشت"، ويرد مسلم:
"طبعا مارحتش.. كمان حاشارك فى انتخابات الانقلابيين.. حسبى الله ونعم الوكيل".