هناك من الناس من أوتوا قدرة الأفاعى على اللدغ وقدرة الحرباء على التلون وقدرة النمل على التفكير وقدرة الكتاب المحترفين على تدبيج المقالات. ومن بين كل أفاعى وحرابى وكتاب عصابة الإخوان يبرز اسم فهمى هويدى ويتصدر المشهد الراهن بحكم قدرته الفذة على تركيب السموم ودسها فى مكائد يطلق عليها مقالات، تنشرها صحيفة يملكها حرباء أخرى من حرابى العمل الثقافى والإعلامى، من هؤلاء البهلوانات الذين يجيدون الرقص على كل الحبال.
هويدى ومالكه ومالك مالكه من هؤلاء الذين أوتوا القدرة على الالتفاف على رقبة كل الأنظمة، بنعومة تحسبها أحيانا نوعا من الحنان، دون أن يتورطوا يوما فى خصومة أو مواجهة مباشرة، يعرفون متى يحلقون كالفراشة ومتى يهجمون كالضبع، يشتمون مثل الذئاب رائحة الأموال والدماء والشواء، سواء كان محملا برطوبة قطر أو غابات إيران أو عطور تركيا أو خمر إنجلترا أو بارود أمريكا.
هويدى الذى عرف دائما كيف يدس السم وسط العسل، وكيف يتحسس موقع قدميه وسط الألغام ويخرج كل مرة سالما غانما، يبدو أنه فقد اتزانه مثل زملائه من عصابة التنظيم الدولى للإخوان، فراح يضرب بيديه فى الهواء يمينا وشمالا وشرقا وغربا، متخليا عن حذره المعتاد، وكاشفا عن أنيابه الدراكولية، فى سلسلة من المقالات التى تخلو من العسل وتمتلئ بالسموم، فى محاولات مستميتة للبقاء.
يزعم الهويدى فى مقالاته الأخيرة الموضوعية وتقديم وجهة النظر الأخرى، ويبدى تعاطفا مصطنعا مع جيش مصر وشعبها، ولكن القلم المهتز يخونه فى كل مرة، فيضبط متلبسا وهو يكيل المديح للإرهابيين والمجرمين، ويهيل التراب على الجيش والقضاء والإعلام والمصريين جميعا لأنهم – يا حرام- يظلمون الجماعة وحلفاءها ويلصقون بها التهم الباطلة.
إن محاولة تعرية فهمى هويدى لا يكفيها مقال واحد، بل مقالات، وتحليل أساليبه الملتوية يحتاج لخبراء فى المنطق واللغة وعلم الإجرام، ولكننا سنحاول فى هذه العجالة أن نعطى بعض الأمثلة القليلة على سقطات الرجل الذى فقد خجله!
أقرأ ما كتبه تحت عنوان «الشهداء المغضوب عليهم» بعد مقدمة طويلة يزعم فيها أن البعض نصحه بعدم الكتابة عن ضحايا الإخوان، مدعيا شجاعة وهمية أنه لم يستجب للنصيحة وأصر على الكتابة من باب الإنسانية وإحقاق الحق، ثم يزعم أن كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى ليس لديها إحصائيات دقيقة عن أرقام الضحايا ثم يضيف بخبث قح: «أن الجهة الوحيدة التى قطعت شوطا بعيدا فى التوثيق هى اللجنة الطبية التى أشرفت على المستشفى الميدانى فى رابعة العدوية. إذ استطاعت توثيق أكثر من ثلاثة آلاف حالة قتل و30 ألف إصابة تحتاج إلى علاج بينها 4 آلاف حالة كسور فى العظام و15 حالة شلل رباعى و27 حالة فقدان للبصر كلى أو جزئى. وهناك تقديرات للمفقودين، واحد يتحدث عن 400 شخص وآخر يرتفع بالرقم إلى ألف». وكأن هذا الاعتصام لم يفض تحت سمع وبصر عشرات الكاميرات، وكأن الناس لم تر أن المتواجدين فى الاعتصام يومها لم يكن يزيد عددهم على أقصى تقدير عن ثلاثة آلاف شخص.. حتى يصدق ويعتمد تقارير كذابين مستشفاهم الميدانى الذين يزعمون أن عدد المصابين فقط وصل إلى 30 ألف مصاب!!
لا يكتفى هويدى ولا يكف بل يضيف بوقاحة أن «الأرقام السابقة لا تشمل ضحايا فض اعتصام ميدان النهضة الذى لم تستطع اللجنة المذكورة أن تتثبت من أعدادهم أو هوياتهم، لعدة أسباب منها أن تركيزها الأكبر كان منصبا على اعتصام رابعة وما جرى فى أنحاء القاهرة وبعض المدن الأخرى. من تلك الأسباب أيضا أن الأجهزة الأمنية أزالت بسرعة آثار فض الاعتصام».
تخيلوا! حتى اعتصام النهضة الذى انتهى خلال ساعتين واحتفلت الشرطة والمواطنون بفضه أمام أعيننا، ودخلت الكاميرات مع الجنود على الهواء مباشرة لترصد صناديق السلاح المخبأ والمعتصمين وهم يخرجون فى أمان أمامنا...حتى هذا الاعتصام يزعم الكذابون أن اللجنة الكاذبة كانت تركز على «رابعة» وأن الأجهزة الأمنية أزالت آثار الاعتصام!
مع ذلك فإن تبنى أكاذيب الجماعة ليس سوى تفصيلة صغيرة من ترسانة هويدى لتجميل الوجه القبيح للجماعة وتنظيمها الدولى وسادتهم فى الغرب وإيرانوقطر وحماس.
يوهمك هويدى بأنه مثقف وأنه يقرأ مثل الناس ويستوعب ما يقرؤه مثل معظم البشر، والحقيقة أنه ينتقى فقط من هنا وهناك بعض الجمل الواردة فى كتاب من هنا أو صحيفة من هناك، فيدعى مثلا فى مقال حديث له أنه قرأ كتاب «الحرب الباردة الثقافية» الصادر عن المشروع القومى للترجمة، والذى يكشف كيف قامت المخابرات الأمريكية باستخدام بعض المثقفين الليبراليين واليساريين.
وبما أن هويدى يزعم أنه يقرأ الكتب المترجمة ويصدق بعض ما فيها، فهل يمكن أن أطلب من أى قارئ يمكن أن يكون قريبا من هويدى أن يسأله عما إذا كان قد قرأ كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين» الذى كتبه مارك كورتيس وترجمه كمال السيد، وصدر عن المركز القومى للترجمة أيضا؟ أم أن هذا الكتاب تحديدا لم يصل إليه أى علم به، رغم أن طبعته الأولى نفدت وتم إصدار طبعة جديدة منه؟
هذا الكتاب، إذا لم يكن يعلم هويدى، يروى بالوثائق كيف صنع الاستعمار البريطانى جماعة الإخوان المسلمين، وكيف زرعها ومولها ورعاها من أجل ضرب القوميين واليساريين فى مصر والعالم العربى. وإذا كان هويدى يتباكى بدموع التماسيح على إرهابيى رابعة فهل نطلب منه أن يقرأ هذا الكتاب الذى يفصل بالمستندات والوقائع والتواريخ والأرقام جرائم بريطانيا التى ارتكبتها فى حق التيارات العلمانية واليسارية فى العالم الإسلامى، وجرائم خلفائهم من الأمريكان الذين يسجل الكتاب اعترافاتهم بأنهم تفوقوا على البريطانيين فى الإجرام، وأن سياسات عبد الناصر المعادية للإمبريالية أجبرتهم على مساندة نظم ظلامية ورجعية وأنهم جعلوا من القومية العربية واليساريين عدوهم الأول، وأنهم لعبوا الدور الأساسى فى ذبح أعضاء حزب توده الإيرانى فى 1953، وفى إبادة الحزب الشيوعى الإندونيسى الذى كان يضم مليونى عضو على أيدى صديقهم سوهارتو والإسلاميين الذين قتلوا مليون شخص متهم بأنه يسارى خلال عام واحد، وهى الجرائم التى وثقها فيلم إندونيسى عرض فى مهرجان الإسماعيلية للأفلام القصيرة والوثائقية العام الماضى، وكتبنا عنه على هذه الصفحات. الإبادة الجماعية التى ارتكبها المتأسلمون ضد خصومهم بتحريض ودعم من الأمريكان لم تقتصر على إيران وإندونيسيا، والكتاب يفصل ما فعلوه أيضا فى العراقوالأردن، حيث تحالف الإخوان المسلمون مع الأنظمة الملكية لضرب الحركات القومية واليسارية، وفى أفغانستان، التى قام فيها عميلهم حكمتيار بسلخ جنود أعدائه اليساريين أحياء. ويكشف الكتاب أيضا كيف جندت مخابرات امريكا الكثير من قادة المتأسلمين، منهم سعيد رمضان مؤسس التنظيم الدولى للإخوان الذى يقال إنهم مولوه بمبلغ 10 ملايين دولار، وأجبروا الأردن على منحه جواز سفر.
ربما كان هويدى لا يقرأ كتب وزارة الثقافة، إلا التى تهاجم الليبراليين واليساريين، ولكن المعلومات الواردة فى كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين» يؤكدها ويزيد عليها كتاب آخر صادر عن «مركز دراسات الاسلام والغرب»، وهى دار اسلامية التوجه. الكتاب بعنوان «لعبة الشيطان.. دور الولاياتالمتحدة فى نشأة التطرف الاسلامي» لمؤلفه روبرت درايفوس وترجمة أشرف رفيق، وهو يرصد علاقة بريطانيا ثم أمريكا بجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها حتى عهد الرئيس جورج بوش الابن، ويكرس فصلا كاملا تحت عنوان «الاسلاميون فى إسرائيل» لعصابة «حماس» يبين فيه بالأدلة القاطعة كيف قامت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية بصنع حماس وقادتها من أجل ضرب حركة التحرر الوطنى بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وبقية الفصائل القومية واليسارية. ويكتب درايفوس بالنص تحت عنوان «حماس صناعة إسرائيلية» أن إسرائيل أنشأت جماعة حماس كما يقول تشارلز فريمان الدبلوماسى الأمريكى والسفير السابق فى السعودية كمشروع من صنع جهاز «شين بيت»، أو المخابرات العامة العامة الإسرائيلية، وأنها كانت تستغل «حماس» فى كل مرة تقترب فيها مفاوضات السلام مع منظمة التحرير من إحراز هدف، لتخريب هذه المفاوضات بعمليات عسكرية مزعومة ضد إسرائيل.
الكتاب يستحق عرضا شاملا، بل قراءة متأنية من قبل كل شخص يسعى إلى معرفة حقيقة حماس والتنظيم الدولى للإخوان، ولو كنت تشك للحظة فى أن حماس ما هى إلا ذراع بلطجى للإخوان فلتدخل على الصفحة الرسمية لحماس نفسها لتقرأ فى تعريفها لنفسها أنها فرع للإخوان المسلمين.
مع ذلك لا يتورع هويدى للحظة فى الدفاع عن «حماس» بشكل هيستيرى يكشف عن ولائه المشبوه، وينتهز الفرصة تلو الأخرى لنفى أى شبهة تواطؤ حماسى مع الإخوان وأى عنف يرتكبونه ضد المصريين، وكأن عشرات الجنود والضباط الذين سقطوا بفعل الإرهاب فى سيناء وخارجها خلال العامين الأخيرين فقط قام بقتلهم كائنات فضائية من المريخ!
يكتب الهويدى تحت عنوان «عفريت حماس فى المحكمة» نافيا أن تكون «حماس» متورطة فى أى أعمال عنف إخوانية ومضيفا سمه المعتاد فى عسل الموضوعية مردفا:» إقحام اسم حماس فى القصة ليس فيه أى هزل. لأنه تعبير عن موقف محير ينطلق مما أزعم أنه قرار استراتيجى لدى جهة معينة فى مصر يستهدف تجريح وتشويه أهم فصائل المقاومة الفلسطينية».
بجرة قلم مشبوه موتور يزعم الهويدى أن «حماس» هى أهم فصائل المقاومة الفلسطينية، وهى الكذبة التى صدقها كثير من المصريين والعرب لسنوات، قبل أن ينكشف الدور الحقيقى العميل والخائن لعصابة حماس، الذى لم يعد محل شك من أحد الآن سوى حلفاء حماس من عملاء الإخوان. ويزعم هويدى فى المقال نفسه أن «حماس» لا تزال تحافظ على علاقة طيبة مع المخابرات المصرية، مع أن هذه المخابرات، وفقا للإخوان، تنتمى لنظام مبارك القديم الذى كانت تربطه علاقة صداقة وطيدة مع إسرائيل!
وبنفس الوجه المكشوف المتوارى خلف اللغة الناعمة المنمقة كحية رقطاء يرتدى الكاتب الأفعوانى قناع العقلانية فى مقال آخر بعنوان «تعذيب الفلسطينيين لا يصنع أمنا»، ولاحظ نبرة التهديد المستتر فى العنوان، يقول فيه:
«لقد دعوت أكثر من مرة فى السابق إلى... تقصى حقائق الانطباع الشائع الذى يعتبر الانفاق وحماس فى القطاع بمثابة تهديد لأمن مصر. لأن ذلك الانطباع تحول بمضى الوقت الى عقيدة استقرت فى اوساط عامة الناس ونخبهم السياسية والأمنية. وهذه الحقيقة تشكلت بفعل حملات التعبئة الإعلامية، وروجت لها أطراف لها مصلحتها ليس فقط فى تسميم العلاقة بين مصر وحماس، ولكن لها مصلحة أيضا فى ضرب المقاومة وإحكام الحصار المفروض على فلسطينيى القطاع لتركيعهم وإذلالهم. ولا يشك أحد فى أن أسرائيل صاحبة المصلحة الأولى فى ذلك، كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل الدور الذى لعبته الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية فى رام الله، التى لها ثأرها الذى لم تنسه إزاء حركة حماس، وكانت الوثائق التى نشرت مؤخرا قد كشفت النقاب عن الجهد الذى تبذله للوقيعة والدس بين حماس ومصر، حكومة وشعبا.
يعنى الكلام السابق أن الهويدى الذى يتابع الوثائق «الإخوانية» عن عداء الفلسطينيين مع عصابة «حماس»، الذى نشأ بفعل تطرف وعنف ومذابح حماس تجاه إخوانهم الفلسطينيين، لم يكلف نفسه لفحص عشرات، بل مئات، الوثائق التى ظهرت مؤخرا وتكشف عن التحالف الإخوانى الحماسى - الإسرائيلى - الأمريكى ضد حركات التحرر الوطنى الحقيقية للشعب الفلسطينى.
يستطرد الجهبذ الهويدى فى نفس المقال:
«إن جهابذة السياسة الذين تحدثوا عن تهديد حماس والأنفاق لأمن مصر، انطلقوا من الاستسلام للأكاذيب الإعلامية التى لا دليل عليها، وأبدوا استعدادا مدهشا للقبول بإحكام الحصار حول القطاع، غير مبالين بمعاناة أو تدمير حياة أكثر من مليون ونصف المليون فلسطينى فى غزة، الأمر الذى يمكن أن يؤدى فى حال استمراره الى المساس بأمن مصر الذى يدعى هؤلاء أنهم حريصون عليه».
لاحظ مرة أخرى سفالة التهديد المستتر فى الجملة الأخيرة، ولاحظ كذبه وهو يتهم الإعلام بالكذب بدون دليل، مع أن الأدلة أكثر من أن تحصى، ولاحظ حجة المليون ونصف فلسطينى المستهلكة، التى أكل وشرب عليها الدهر والإخوان وحماس وهويدى لسنوات طويلة، وهم لا يعنيهم فى الحقيقة سوى المصالح الاقتصادية للمافيا الحماسية الإخوانية، التى أصيبت بأضرار بالغة بسبب إيقاف تهريب البضائع والسلاح والمخدرات والنساء والسولار والسيارات المسروقة عبر المعابر والأنفاق.