انتهى الجزء الاول من اعوام شكلت العالم العربى وقد تم التركيز على عام 1979 وما نتج عنه من احداث غيرت وجه العالم العربى رأسا على عقب وفتته بعد الوحدة التى حققتها الحرب العربية الاسرائيلية عام 73 . وكما ذكرت فى الجزء الاول فبعد توقيع مصر لاتفاقية السلام حدث انقسام حاد بين الدول العربية ومصر من جهة والدول العربية فيما بينها من جهة والجبهة الداخلية لمعظم الدول العربية من جهة ثالثة وخاصة التى شاركت فى حرب 73 . - وكما تحدثنا فى الجزء الاول انه فى عام 1979 شهدت الأحداث السياسية تطورات بعدما أثارت اتفاقيات "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر. استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينيات أن "ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفد لكونها لم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وعقدت هذه الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر. ولاحقاً اتخذت جامعة الدول العربية قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الخطوة المصرية. على الصعيد العربي كان هناك جو من الإحباط والغضب لأن الشارع العربي كان آنذاك لايزال تحت تأثير افكار الوحدة العربية وافكار جمال عبد الناصر وخاصة في مصر والعراقوسوريا وليبيا والجزائر واليمن. ويرى البعض أن الاتفاقية أدت إلى نشوء نوازع الزعامة الأقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفته مصر وكانت هذه البوادر واضحة لدى القيادات في العراقوسوريا فحاولت الدولتان تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد اسابيع قليلة وهو ما أثر على العلاقة بينهما فيما بعد كما سيتبين لاحقا . وتم نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم " جبهة الرفض ". عقدت قمة تونس العادية وأكدت على تطبيق المقاطعة على مصر.
- في كل من العراقوإيران نتجت تطورات بارزة حيث أعلن في إبريل عام 1979 عن قيام الجمهورية الإسلامية في إيران ليتولى بعدها الخميني منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية وهو المنصب الأعلى في النظام السياسي الإيراني في حين أصبح صدام حسين رئيسا للجمهورية العراقية في يوليو 1979 خلفا للرئيس أحمد حسن البكر الذي أعلن أنه استقال من منصبه لأسباب صحية، كما أعلن عن اكتشاف مؤامرة في بغداد اتهم بتدبيرها مجموعة من الأعضاء القياديين في حزب البعث الحاكم ومجلس قيادة الثورة العراقية، اعدم على إثر ذلك مجموعة من أعضاء المجلس وقيادات حزب البعث لتنفجر بين العراق وايران الحرب التى أطلق عليها العراقيون اسم "قادسية صدام " بينما أطلق عليها الإيرانيون "الدفاع المقدس" او ما نسميها نحن حرب الخليج الأولى أو الحرب العراقيةالإيرانية من سبتمبر 1980 حتى اغسطس 1988 والذى تٌعتبر أطول نزاع عسكري في القرن العشرين وراح ضحيتها اكثر من مليون قتيل ومليوني جريح ومليونى ونصف لاجىء و120 الف اسير وخسائر زادت عن 400 مليار دولار فى واحدة من اكثر الصراعات دموية وقد أثرت الحرب على المعادلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وكان لنتائجها بالغ الأثر في العوامل التي أدت إلى حرب الخليج الثانية والثالثة. واذا عدنا بالذاكرة فسنجد دورا لدعم العراق للجبهة السورية اثناء حرب 73 لكن من سخريات القدر أن تنحاز سوريا إلى إيران ضد العراق اثناء الحرب بينهما بل وتلعب دورا رئيسا فى تدعيمها فلقد أغلقت سوريا خط أنابيب البترول العراقى المار بأراضيها بل لقد حلقت طائراتها المقاتلة فى الأجواء العراقية حينا لجذب الطائرات العراقية فتخفف من الضغط الجوى على إيران .كما قدمت إسرائيل دعما ملموسا لإيران وكان الهدف واضحا وهو أن إضعاف دولة عربية مثل العراق يخرجها من حسابات إسرائيل للتهديدات العربية . وازداد التشتت في الموقف العربي بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا وليبيا إلى صف إيران واستغلت اسرائيل هذا التشتت فقامت بغزو لبنان في عام 1982 بحجة إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من جنوبلبنان وتمت محاصرة للعاصمة اللبنانية لعدة شهور ونشات فكرة "الإتحاد المغاربي" الذي كان مستنداً على أساس الانتماء لأفريقيا وليس الانتماء للقومية العربية وهو ما زاد فى تشتيت وتفتيت واضعاف القومية العربية.
- اما الجزائر فبعد تسلم الشاذلي بن جديد السلطة في الجزائر عام 1979 بدأت محاولاته لتطبيق خطته الخمسية التي كانت تهدف إلى إنشاء قواعد للاقتصاد الحر في الجزائر والنهوض بالمستوى الاقتصادي المتعثر للجزائر ولكن سنوات حكمه شهدت نشاطا معارضا من القبائل و المفرنسين فأٌضطر الرئيس الى تعديل سياساته لارضائهم مما جعل الاصولين الاسلامين يرون بأنها تنازلات تهدد الهوية القومية للجزائر. ومن جهة أخرى كان لعدم قدرة الرؤساء السابقين للجزائر النهوض بالأقتصاد الجزائري وفشل الأفكار الشيوعية والقومية العربية في إيجاد حل جذري لمشاكل البلاد الداخلية كل هذه العوامل أدت إلى بروز تيار قامت بتفسير التخلف والتردي في المستوى الأقتصادي والاجتماعي إلى ابتعاد المسلمين عن التطبيق الصحيح لنصوص الشريعة الإسلامية وتؤثر حكوماتهم بالسياسة الغربية . فبدأ نشاط التيار الإسلامي السياسي بالازدياد تدريجيا متأثرا بالثورة الإسلامية في إيران فمن خلال بعض العمليات التي كانت تستهدف محلات بيع المشروبات الروحية وممارسة الضغط على السيدات بارتداء الحجاب ..واستقوى التيار الاسلام اكثر بعدما قام عباسي مدني وعلي بلحاج بتأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري وإدخال التعددية الحزبية بدأت الجبهة تلعب دورا بارزا في السياسة الجزائرية وتغلبت بسهولة على الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني الذي كان الحزب المنافس الرئيسي في انتخابات عام 1990 مما حدى بجبهة التحرير الوطني إلى إجراء تعديلات في قوانين الانتخابات وكانت هذه التعديلات في صالح الحزب الحاكم فأدى هذا بالتالي إلى دعوة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى إضراب عام وقام الشاذلي بن جديد بإعلان الأحكام العرفية في 5 يونيو 1991 وتم اعتقال عباسي مدني وعلي بلحاج. في ديسمبر 1991 أصيب الحزب الحاكم بالذهول حيث أنه برغم التعديلات الانتخابية واعتقال قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلا أن الجبهة حصلت على أغلبية ساحقة من المقاعد في الدور الأول وهو 188 مقعدا . كان الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الأنتخابات أمرا غير مقبول لدى كبار رجال قيادات الجيش في الجزائر حيث قام رجال في الجيش باجبارالشاذلي على الغاء النتائج لكنه رفض لأنه وعد شعبه بأن تكون النتائج من اختيار الشعب فأجبر على الاستقالة في 11 يناير 1992 وجلبوا المحارب القديم في حرب تحرير الجزائر، محمد بوضياف والذي كان يعيش في المغرب بعيدا عن صراعات السلطة ليكون رئيس المجلس الأعلى للبلاد وتم اعتقال 5000 من أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ حسب المصادر الحكومية بينما يؤكد الجبهة إنه تم اعتقال 30,000 من جماعتهم ونقلوا إلى سجون في الصحراء الكبرى . وفي 4 مارس 1992 قامت الحكومة بإلغاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ كحزب سياسي مرخص . اعتبر أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين لم تطلهم يد الاعتقال تصرفات الجيش بمثابة إعلان حرب على الجبهة وقرروا البدأ بحرب عصابات بكل وسيلة متوفرة لهم وانضم إلى الجبهة فصائل أخرى كانت تنتهج مبدأ الإسلام السياسي وكان أفراد الجيش وقوات الشرطة الهدف الرئيسي للمسلحين الذين اتخذوا من المناطق الجبلية في شمال الجزائر معاقل رئيسية لهم ولكن المناطق الغنية بالنفط بقيت تحت السيطرة الكاملة للحكومة وكانت بعيدة عن مناطق الصراع الرئيسية. وزاد الوضع تأزما بعد اغتيال محمد بوضياف الذي كان أمل الجيش في إعادة الهدوء للبلاد لكونه رمزا من رموز تحرير الجزائر والذي تم اغتياله في 29 يونيو 1992 كل هذا عمل تدريجيا على اثارة وقيام حرب العشرية السوداء في الجزائر. وبعد عملية الاغتيال تلك حكم على "عباسي مدني وعلي بلحاج " بالسجن لمدة 12 عاما. واعتبارا من أغسطس 1992 أخذ الصراع منعطفا خطيرا وهو استهداف الرموز المدنية للحكومة حيت تم استهداف مطار الجزائر وراح ضحية الانفجار 9 قتلى واصيب 128 آخرين بجروح وقامت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الفور بشجب الحادث وإعلان عدم مسؤوليتها عن الانفجار . وبصورة تدريجية اصبح واضحا إن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ليست لها الكلمة العليا في توجيه أساليب الصراع المسلح مع الحكومة وبدأت أسماء مثل مجموعة التكفير والهجرة والحركة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح تبرز إلى السطح وهذه المجاميع كانت تعتبر متطرفة في تطبيقها لمبدأ الإسلام السياسي مقارنة بإسلوب الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي وصفت بأنها أكثر اعتدالا. استمرت أعمال العنف طيلة سنوات طويلة وقامت الجماعة الاسلامية المسلحة من خلالها بأكثر من عشرون مذبحة كانت اكثرهم دموية مذبحة الرايس في 29 اغسطس 1997 وقتل فيها 400 شخص.ومذبحة ولاية غليزان في 30 ديسمبر 1998 وقتل فيها 1280 مدنيا. والسيناريو السابق للجزائر رغم اختصارى الشديد له الا انه يتشابه كثيرا مع سيناريوهات لدول اخرى.