■ وزير الداخلية كشف للإرهابيين معلومات استفادوا منها فى محاولة اغتياله ■ أخطاء خطة التأمين من المرور على النقاط الميتة إلى غياب سيارة التشويش
■ خبير سابق فى المخابرات العامة يروى تجربته مع التنظيمات الجهادية والعمليات الانتحارية
■ كان عمر سليمان الأكثر ذكاء فى حماية نفسه.. فما إن يصل إلى مكتبه بسيارته المصفحة (بى أم دبليو 750) حتى يتركها فى عهدة سائقها الذى يعود بها وحده إلى بيت رئيس جهازه ليلا
خرج وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم من انفجار (250) كيلوجرام بارود أسود بعمر جديد.. لكن.. سدد الفاتورة نيابة عنه شخصيات قتلت.. وسيقان بترت.. ودماء سالت.. وحواس فقدت.. ومحال دمرت.. وسيارات هشمت.
لم أصدق أن المسئول الأمنى رقم واحد لم يحسب حساب ما جرى.. وتصرف بطريقة تقليدية.. كأنه غير مطلوب حيا أو ميتا.. أو كأننا لم نعد من جديد إلى مربع الإرهاب.. وبيننا وبينه حرب شرسة.. انتقلت دون تردد من الاعتصامات إلى التظاهرات.. ومنها إلى الاغتيالات والتفجيرات.
صحيح أن الإرهاب لم ينجح بطول التاريخ وعرض الجغرافيا فى إسقاط سلطة.. أو سحق أمة.. أو بناء دولة.. لكن.. الصحيح أيضا.. أن الثمن المدفوع للبقاء تتوقف فداحته على براعتنا الأمنية.
هنا يكون السؤال: ما هى ثغرات خطة حماية الوزير قبل محاولة تفجيره؟.. وكيف نطمئن على أنفسنا وهو لم يطمئن على وجوده؟
على أن علينا تأجيل الإجابة قليلا.. لنبدأ القصة من أولها.
تسمى الطائرة الرئاسية «إيجبت وان».. أو «مصر واحد».. بهذه الجملة يخاطب قائدها أبراج المراقبة الجوية فى كل مطار تهبط فيه.. أو تقلع منه.. أو تقف على أرضه.
الطائرة من طراز «إيرباص 340».. يجب أن يكون فى غرفة قيادتها ثلاثة طيارين محترفين.. يحمل كل منهم لقب «كابتن».. ولو كانت الرحلة لمدة ساعة واحدة.. فإذا عجز أحدهم لسبب طارئ عن القيادة وجد أكثر من بديل.. فعندما يتعلق الأمر بسلامة الرئيس، فلا مجال للخطأ ولو كان بسيطا.. القاعدة فى مؤسسة الرئاسة.. «الغلطة الأولى هى الغلطة الأخيرة».
ويخدم الطائرة فى الرحلة الواحدة 12 مضيفاً ومضيفة.. وثلاثة مهندسين متخصصين فى الإصلاح الفورى للأعطال.. وثلاثة ملاحظين فنيين.. وثلاثة مهندسين للاتصالات.. فالرئيس يجب أن يعرف ما يحدث على الأرض ولو كان فى الجو.
وتحدد نشرة تعليمات خاصة بكل رحلة أسماء الطاقم من هذه التخصصات بجانب بلد الهبوط.. ومدة الطيران.. والممر الجوى.. ودرجات الحرارة.. وشفرة التسجيل.. وتخرج النشرة من مكتب رئيس الديوان.. بدرجة «سرى للغاية».. وتحذير «ممنوع التصوير».. فكل من له الحق فى نسخة منها يعرض نفسه للمساءلة لو فرط فيها.. أو تركها لغيره.
ويحظر على مرافقى الرئيس من مسئولين ورؤساء تحرير وإعلاميين الحصول على نسخة من هذه النشرة.. لأنها تتضمن ما هو أخطر.. خريطة ركاب الرئيس.. وأماكن حراسته.. ونوعيتها.. وعددها.
لكن.. شاءت الظروف أن أحصل على نسخة من نشرة تعليمات رحلة إلى جدة طار إليها مبارك يوم الأحد 17 سبتمبر 2006.. التقى فيها الملك عبد الله بن عبد العزيز.. ودعانا العاهل السعودى إلى تناول الطعام فى قاعة مغطاة بأحواض مائية تمرح فيها الكائنات البحرية.. بحُرية.
ذكرت النشرة بالترتيب أسماء الوزراء.. ومدير المخابرات العامة.. ورئيس الديوان.. ورئيس السكرتارية الخاصة وثلاثة من رجاله.. والمستشار الطبى للرئاسة.. وكبير الياوران.. ومدير أمن المقر.. وقائد الحراسة الخاصة وثمانية من رجاله.. ومدير مكتب رئيس الديوان.. والطبيب الخاص.. وأمين الرئاسة.. وأربعة ضباط من الحرس الجمهورى لخدمة مكان الرئيس.. وأربعة آخرين للتفتيش عن المفرقعات.. وطاقم مصورى التليفزيون بجانب ثلاث مذيعات.. ورئيس هيئة الاستعلامات.. و13 رئيس تحرير من مختلف الصحف.. حكومية وحزبية.. ومستقلة.
ترسانة مسلحة من خبرات أمنية متنوعة.. تحيط بالرئيس.. وتغطيه عند الضرورة فيما يوصف بطريقة «الصدفة الحية».. تفتح له وتغلق عليه بحساسية شديدة.. وبسرعة مذهلة.. فالرئيس هو الزبون «رقم واحد» للأجهزة الأمنية المختلفة.. تصون حياته.. وتحافظ على عرشه.. خاصة مع حاكم مثل مبارك.. بدأ عصره من تحت أنقاض حادث المنصة.. حيث قُتل سلفه.. أنور السادات.. ومن ساعتها.. ومحاولات القضاء عليه فى الداخل والخارج لا تتوقف.
وحسب نفس النشرة التى لم تقع نسخة منها فى يد أحد خارج مؤسسة الرئاسة غيرى من قبل، فإن ركاب الرئيس يكون كالتالى: سيارة مصورى التليفزيون.. سيارة المراسم.. سيارة حراسة.. سيارة الرئيس المدرعة وعلى جانبيها فى نفس المستوى سيارتا حراسة.. وخلفها سيارة حراسة رابعة.. وسيارة حراسة خامسة.. وبعدها سيارة حرس جمهورى.. ومدرعة.. ثم سيارة حراسة سادسة.. وبعدها سيارات مسئولى الأمن والرئاسة والوزراء ورؤساء التحرير.
لكن.. أهم ما فى الركب.. سيارة تشويش على الاتصالات اللاسلكية.. مهمتها إعاقة هذه الاتصالات فى دائرة قطرها 200 متر.. توقف استخدام التليفونات المحمولة وأجهزة الريموت كنترول التى تستخدم فى عمليات التفجير عن بعد.
وكثيرا ما توضع سيارة أخرى مشابهة لسيارة الرئيس.. فيه شخص قريب الشبه منه.. على أن يركب الرئيس سيارة أخرى.. لا تلفت النظر.. نفس خطة التمويه الأمريكية.. فعندما جاء جورج بوش إلى شرم الشيخ لحضور مؤتمر منتدى الاقتصاد العالمى (ديفوس) حملت طائرات النقل العملاقة (هركليز سى 130) سيارتين توءم.. يستحيل التفرقة بينهما.. لا أحد يعرف فى ركابه أيهما يستعمل.. وربما تركهما.. وركب سيارة عادية.. غير مثيرة للانتباه.
وسيارات الرئيس مصفحة بألواح من فولاذ.. وزجاج سميك يمنع اختراق الرصاص.. وتستورد هذه السيارات بمواصفات خاصة من الخارج.. لكن.. لتكلفتها العالية تولت الأجهزة الفنية فى المخابرات العامة هذه المهمة بالنسبة لسيارات الوزراء المهددين بالاغتيال.
وربما.. كان عمر سليمان الأكثر ذكاء فى حماية نفسه.. فما أن يصل إلى مكتبه بسيارته المصفحة (بى أم دبليو 750) حتى يتركها فى عهدة سائقها الذى يعود بها وحده إلى بيت رئيس جهازه ليلا.. كأن عمر سليمان فيها.. فقد كان طوال يومه يستقل سيارات عادية.. غير لافتة للنظر.. يستخدمها فى تنقلاته.. وحضور مواعيده واجتماعاته الخارجية.
ولم تكن حراسته ظاهرة.. ضابط يرقبه عن بعد.. لو كشفه أحد استبدل بغيره على الفور.. فالأمن الخفى أشد فاعلية من الأمن الظاهر.. فالمجرم لا يعرف مكانه أو حجمه أو تسليحه أو قدرته على المباغتة.
وعندما تعرض عمر سليمان للاغتيال بعد ساعات من تعيينه نائبا للرئيس.. لوحظ تشويش على الاتصالات الأمنية فى منطقة العملية.. مما يعنى أن المحاولة كانت جادة.. دبرها محترفون.. لكن.. عناية السماء أنقذته.. وإن أصيب سائقه الذى كان على وشك التقاعد.
عناية السماء أيضا.. أنقذت رئيس الحكومة الأسبق الدكتور عاطف صدقى من القتل فى 25 نوفمبر 1993.. لكن.. كان هناك سبب آخر لنجاته.. ضعف خبرة المهاجمين فى صناعة القنبلة.. فلم يضبط اتجاه التفجير ناحية الهدف.. وانحرف إلى الناحية العكسية للموكب.. وأصاب مدرسة بنات.. فقتلت فتاة صغيرة اسمها شيماء.. وأصيبت زميلاتها.. ونجا عاطف صدقى.
وكان منفذو العملية قد اشتروا السيارة ببطاقة شخصية مزورة من معرض سيارات على أطراف القاهرة.. وخوفا من التوصل إليهم قتلوا الرجل.. بعد يومين من الحادث.
ولم ينشر من قبل أنهم حاولوا وضع السيارة بعد شحنها بالمتفجرات بالقرب من بيت عاطف صدقى.. ليسهل عليهم تنفيذ الخطة.. لكن.. حرس منشأة قريبة تابعة للمخابرات الحربية أبعدوهم عدة أمتار.. ليجدوا أمين شرطة يسهل التعامل معه.. فقد طلب منهم استعارة السيارة ليزف بها أحد أقاربه.. دون أن يتخيل أن الزفاف يمكن أن يصبح عرسا للدم.. تختلط فيه الزغاريد بالصرخات.. وقطع الحلوى بأشلاء الضحايا.
فى الفجر استعاد الإرهابيون السيارة ليفجروها فى طريق رئيس الحكومة.. فكان ما كان.
وبسبب توجيه الانفجار فى اتجاه آخر أيضا.. نجا وزير الداخلية حسن الألفى من الموت فى عملية إرهابية اعترضت موكبه يوم 18 أغسطس 1993 بالقرب من الجامعة الأمريكية فى طريقه إلى مكتبه.. نسف كشك سجائر وموتوسيكل بجانبها فى طريق الانفجار.. بعيدا عن دائرة الهدف.
ومن سخرية القدر أننى كنت أجلس إلى عادل إمام فى منطقة التفجير على رصيف مسرح الحرية.. كان يحدثنى عن مسرحيته الجديدة «الزعيم».. وبعد أن غادرنا المكان بساعات قليلة حدث ما حدث.
لم يكن فشل مثل هذه العمليات التى سادت فى تسعينيات القرن الماضى صدفة.. وإنما سببه ندرة خبرات وضعف قدرات وقلة إمكانيات غالبية التنظيمات الإرهابية التى وصل عددها إلى 28 تنظيما.. فقد كان أعضاؤها صغارا.. هواة.. فقراء.. حماسهم أكبر من مواهبهم.. وطموحهم بعيدا عن واقعهم.. حصلوا على السلاح من جنود الشرطة.. ومولوا عملياتهم بسرقة محال ذهب يمتلكها أقباط.. وفى غالبية العمليات كانت قنابلهم بدائية.. يدوية.. مصنوعة من البارود والمسامير.. فلم تقع خسائر بشرية كثيرة.
لكن.. ما أن عاد تنظيم «طلائع الفجر» من أفغانستان حتى ظهر جيل جديد من الإرهاب.. مدرب.. محترف.. جرىء.. ميت القلب.. مجنون بالقتل والحرق والتفجير.. بلا رحمة.. أو شفقة.
الصدفة وحدها كشفت التنظيم.. دخلت قوة أمنية شقة خطأ فى منطقة كوبرى القبة.. فوجدت شابا يجلس أمام جهاز كومبيوتر ويضع بندقية آلية بجانبه.. وبعد القبض عليه.. كشف مخطط لعمليات شرسة فى غالبية المحافظات اتفق على تنفيذها فى وقت واحد.. بعد صلاة عيد الأضحى.
سارعت الداخلية بإعدام عشرات من أعضاء التنظيم فى وقت قياسى كسر شوكته.. وبعد مجزرة البر الغربى للأقصر فى نوفمبر 1997.. تبخر التعاطف الشعبى مع القتلة الذين ارتكبوا جرائمهم باسم الله.. فقد أقنعوا فئات مختلفة بأنهم يمتلكون التوكيل الوحيد للإسلام.. وأن من يموت يصبح شهيدا.. يجد قصر الجنة بالحور العين وأنهار الخمر فى انتظاره.
انتهت الموجة السوداء.. بدأت المراجعات.. وهدأت التفجيرات.. وعاشت مصر بعيدا عن العنف حتى ظهرت جماعة الإخوان على السطح بعد 25 يناير.. لتأخذ طريقها فيما بعد إلى السلطة.. فى هذه اللحظة بدأت موجة جديدة من السواد سرعان ما اختلطت باللون الأحمر.. لون الدم.. لتتكرر اللوحة الشائعة عن الإرهاب.
بدأت تلك الموجة برحيل مبارك.. وصدور قرارات بالعفو الشامل من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعليمات من المشير حسين طنطاوى على قيادات الإخوان بعد الإفراج عن المسجونين منهم.. فى الوقت نفسه رفع من قوائم ترقب الوصول مئات من الإرهابيين الذين جاءوا من معسكرات التدريب فى أفغانستان وباكستان.. اتجهوا من المطار إلى سيناء مباشرة.. ليبدأوا فى تأسيس دولة الرعب هناك.. مستغلين غياب الأمن فى تلك الفترة الحرجة التى أعقبت أحداث 25 يناير.
ومن جانبه قدم الرئيس الإخوانى محمد مرسى خدمة إضافية إلى التنظيمات المجنونة بالدم.. بأن قرر العفو عن قياداتهم المدانة فى قضايا قتل وسرقة وغسيل أموال.. وضمهم إلى أهله وعشيرته.. وأضافهم إلى قوته وسنده.. بجانب مقاتلى حماس الذين انتشروا فى محافظات مصر بعد اتفاق بين خيرت الشاطر ومروان عيسى قائد كتائب القسام فى يناير الماضى.. مولته قطر بمائتى وخمسين مليون دولار.. دخلت حساب خالد مشعل.
بناء على ذلك الاتفاق هربت حماس أسلحة خفيفة ومتوسطة ومضادة للدبابات فى سيارات مرسيدس وتويوتا تحمل أرقاما دبلوماسية.. وأنشأت غرفة عمليات فى سيناء.. واستخدمت شبكة اتصالات إسرائيلية من شركة أورنج لكى يتجنبوا تنصت الأجهزة المصرية عليهم.
دخلت مصر هذه الموجة من الإرهاب بخبرات مجموعات محترفة.. مسنودة بتنظيمات خارجية.. تمولها بالمال وتهرب إليها السلاح وتوصل معها المتفجرات.. «هوم ديلفرى».. بجانب التخلص من ضباط الأمن السياسى الذين كانوا يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن أمراء وأعضاء التنظيمات.. يضاف إلى ذلك سلطة صديقة.. مستعدة لحمايتها.. وإنقاذها.. والتستر عليها.. بل والتعاون معها إذا لزم الأمر.
العنصر الوحيد الذى غاب.. الدعم الشعبى الذى خدع من قبل فى شعارات دينية سامية تحدثت عن الشريعة والخلافة والدولة الإسلامية.. وكانت فى الحقيقة شعارات زائفة.. مضللة.. الهدف منها سلطة.. وثروة.. و«فتة».
عرفت اللواء أسعد حمدى بعد أن ترك الخدمة فى المخابرات العامة ليعين مسئولا عن أمن ماسبيرو.. لاحظت فى الدردشة معه خبرة غير شائعة فى التنظيمات الإرهابية.. فقد كان أحد المسئولين عن هذا الملف الخطر فى جهازه.
فى رأيه أن العملية الإرهابية تبدأ بأن يحدد مجلس شورى التنظيم الذى يفكر فيها الهدف منها.. لينقل الأمر إلى مفتى التنظيم ليقر شرعيتها الدينية.. وبعدها يعاين مسرح الجريمة بدقة.. وحرفية.. على أساسهما يكون أسلوب وتوقيت التنفيذ.. لقد اتخذ قرار اغتيال مبارك فى الخرطوم قبل عامين من تنفيذه فى أديس أبابا.
ويضع خطة التنفيذ الجناح العسكرى للتنظيم.. غالبا ما يستخدم سيارة مسروقة.. يشحنها بالمتفجرات.. ليحدد بعد ذلك أسلوب التفجير.. ريموت كنترول.. أو انتحارى.
المتفجرات مشكلة ليست سهلة.. ففى ظل القيود الصارمة على المحاجر والمناجم يكون الحصول عليها من الخارج هو الحل المثالى.. خاصة إذا كانت الكمية تزيد على مائة كيلوجرام.. وهو ما حدث فى تفجيرات شرم الشيخ يوم 23 يوليو 2005.. فقد تسربت المتفجرات من تنظيمات إرهابية فى غزة.. وخضعت لقواعد التخزين التى تحميها من الرطوبة.. فى مكان آمن.. انتظارا لساعة الصفر.
ويحتاج تصنيع القنبلة إلى خبرة متخصصة بدأتها أجهزة المخابرات الأمريكية فى أفغانستان خلال حربها مع السوفييت.. وأصبحت هناك فرق راقية فى تصنيعها.. وفرق أخرى لمقاومة استجواب الأمن.. وتجنيد الشباب.. وغيرها.. فنحن أمام أكاديمية عليا للإرهاب فتحت معسكراتها لكل من يشاء.
وهناك ثلاثة أساليب للتفجير.. قنبلة موقوتة.. وتحمل خطر أن تنفجر بعيدا عن الهدف لأسباب خارجة عن الإرادة.. حدث ذلك فى القنبلة الموقوتة التى كان يضعها واحد من إرهابيى شرم الشيخ.. اضطر لأن يقف فى كمين أمام مقر أمن الدولة.. وتأخر فى الانتظار حتى حانت لحظة الانفجار.. فترك السيارة وجرى.. فانفجرت السيارة أمام السوق القديم.
وأسلوب الانفجار الثانى.. التفجير عن بعد.. وهو الأسلوب الأكثر أمانا للإرهابيين بشرط ضبط اتجاه التفجير.
والأسلوب الثالث.. استخدام انتحارى.. ويفرض ذلك عملية غسيل مخ للمتطوع.. بجانب ضمان البقاء على نفس الحالة من القبول حتى موعد التنفيذ.. وأحيانا يستعيد المتطوع الرغبة فى الحياة فيتراجع عما سيقدم عليه، كما حدث فى قائد عملية أديس أبابا الذى انهار قبل الضغط على زر التفجير فتغير مسار العملية إلى ضرب مباشر بالبنادق الآلية وقذائف آر بى جى.. ووصل الأمر إلى حد أن أمسك أحد الإرهابيين بمقبض سيارة مبارك لولا أن قتل برصاص حارس إثيوبى كان يقف فوق سطح السفارة الفلسطينية.
فى تلك الموجة من الإرهاب كان العالم متضامنا فى مواجهتها.. ووصلت الحرب العالمية ضده إلى ذروتها بعد هجمات سبتمبر على برجى التجارة الدولية فى نيويورك.. تجسدت فى حرب عسكرية ضد القاعدة فى أفغانستان.. وتعاون مخابراتى بين مختلف الأجهزة الأمنية.. ولعبت مصر دورا مؤثرا فيه.
وما يسجل لمصر أن أحد رجال مباحث أمن الدولة فى اليمن هو المقدم أحمد عبد الجواد رصد نزول أيمن الظواهرى متخفيا فى شخصية سودانية تحت اسم الطاهر الطيب.. سافر إلى هناك ليعقد قرانه على ابنة زعيم الإصلاح.. واتفق على أن يتنكر الضابط المصرى فى شخصية سائق سعودى بينما يتنكر ابنه عمار فى شخصية مصور يمنى.. وبالفعل جرى تصوير الاحتفال.. وعندما أرسل الشريط إلى الأجهزة الأمريكية طلبت بصمات وراثية للتأكد من شخصية الظواهرى.. لكن.. قبل أن يحدث ذلك كان قد غادر اليمن.
بعد عشرين يوما وقعت هجمات سبتمبر وفى زيارة تالية لمبارك أعلن أن مصر حذرت الولاياتالمتحدة من تلك الهجمات لكنها لم تأخذ التحذير مأخذ الجد.
لكن.. التعاون الدولى لمواجهة الإرهاب انقلب بعد إسقاط محمد مرسى وجماعته إلى مساندة للإرهاب من خلال دعم الإخوان سياسيا وإعلاميا.. يضاف إلى ذلك أن سنوات ظهور الجماعة على السطح بعد 25 يناير.. فتحت حدود مصر لتهريب أسلحة متطورة.. وتخزين كميات هائلة من المفرقعات.. وتسكين عناصر متطرفة فى مدن مختلفة.. مما يعنى إن البنية الأساسية للعمليات التفجيرية متوافرة.. وجاهزة.
لقد قبض الأمن على زعيم القاعدة المسئول عن خلية مدينة نصر عمر عقيدة.. ولكن.. لم يتردد محمد مرسى فى الإفراج عنه.. وإطلاق سراحه.. وعندما خطف عدد من الجنود المصريين فى سيناء، خرج بيان من رئاسة الجمهورية يطالب بالحفاظ على أرواح الخاطفين قبل المخطوفين.
وكما كشفت من قبل.. فإن المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل نبهت مرسى فى زيارته الرسمية لبرلين إلى أن الجماعات الجهادية فى سيناء ستنقل نشاطها إلى القاهرة.. فإذا به يتصل بقيادات هذه الجماعات ويحذرها مما ستفعل.. والتقطت المخابرات الألمانية المكالمات، فقررت ميركل تقصير الزيارة من يومين إلى ساعتين.. وفى اليوم نفسه ألغت فرنسا زيارته.. فالرئيس الذى لا يحمى أمن بلاده القومى لا يستحق البقاء فى دولة متطورة.
كل ذلك وغيره خلق بيئة حاضنة للإرهاب متطورة الإمكانيات.. ثرية فى التمويل.. متعددة العناصر.. وإن كانت تنظيماتها أقل كفاءة من تنظيمات تسعينيات القرن الماضى.. فكثير من الضربات المسلحة التى قام بها إرهابيون فى سيناء لم تصب الأهداف التى قصدوها.. فتدريبهم ليس مكتملا.
فى يوم الأحد الماضى أعلنت منظمة تسمى نفسها «بيت المقدس» مسئوليتها عن حادث وزير الداخلية.. ونشرت على أحد المواقع الإلكترونية صورة لسيارة الوزير قبل التفجير.. وصوراً لها بعد التفجير.. لتثبت أنها التى نفذت.
وجاء اعترافها ضربة قوية فى صدر كل الذين ادعوا أن الداخلية هى التى فبركت الحادث.. لتجد ذريعة لضرب جماعة الإخوان وتحل جمعيتها.. وتبنى هذا الرأى أستاذ علوم سياسية مثل سيف الدين عبدالفتاح.. تماما كما قيل إن حادث قتل جنودنا فى سيناء للتغطية على مصرع المساجين فى أبى زعبل.
ولاشك أن اللواء محمد إبراهيم كتب له عمر جديد.. فقد نجا من الموت بأعجوبة.. خاصة أن خطة تأمينه لم تكن على مستوى ما نحن فيه من حرب مع الإرهاب.. لابد أن يكون وزير الداخلية أول الأهداف المطلوب تصفيتها.
الوزير يسكن فى منطقة مأهولة بالسكان.. مما يعنى أن ما يتعرض له من هجوم هو أو أحد أفراد حراسته لابد أن يخلف ضحايا أبرياء لا ذنب لهم.. بجانب أن بيت الوزير معروف عنوانه بدقة.. فقد سبق أن تظاهر أمامه مجموعة من نشطاء 6 أبريل بالملابس الداخلية.. وتبارت أجهزة الإعلام فى التغطية.. لتضيف تفاصيل عن البيت سهلت العملية فيما بعد على الإرهابيين.
وموكب الوزير من البيت إلى الوزارة يمر بطريق به الكثير مما يسمى بالنقاط الميتة.. عددها ست على الأقل.. والنقطة الميتة نقطة تقاطع شوارع تجبر فيها سيارات ركب الوزير على تهدئة السرعة مما يكون من السهل اصطيادها.. وذلك ما حدث فعلا.. فسيارة الحراسة الرئيسية (بى إم دبليو أكس ثري) اضطرت للتهدئة.. فنالت النصيب الأكبر من الانفجار.. ونال من فيها القدر الأكبر من الإصابات.
وهنا يفضل أن يسكن الوزير فيما يسمى بالبيت الآمن.. «سيف هاوس».. مكان يسهل حراسته.. ويمكن تغييره من وقت إلى آخر.. وللوزير بيت آمن فى أحد المقارات الرئيسية لجهاز أمن الدولة.. استخدمه فيما قبل حبيب العادلى بعد 28 يناير 2011.. وخرج منه إلى السجن متهما فى عدد من القضايا المختلفة.. وكان حبيب العادلى لا يمكث فى مكان واحد.. ولا يذهب إلى مكتب واحد.. ولا يتحرك من طريق واحد.. رغم أن البلاد كانت فى حالة هدنة مع الإرهاب.
ولم يفكر محمد إبراهيم فى أن يركب سيارة مصفحة لولا أن أهداه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى واحدة ماركة جيمس أمريكية بيضاء.. لكن.. ما لفت النظر أن الوزير كشف بنفسه هذه المعلومة.. فكان أن حسب الإرهابيون حسابها عند تحديد كمية المتفجرات.. لابد أنهم ضاعفوها.
ولم تفكر الداخلية فى إضافة سيارة إعاقة لاسلكية تمنع التفجير عن بعد.
ولم تفكر أيضا فى تمشيط الأماكن بالكلاب البوليسية التى تكشف عن المتفجرات والمخدرات.. ويمكن استخدام هذه الكلاب على نطاق واسع فى المراكز التجارية ودور السينما والجامعات وغيرها.. ستعطى شعورا بالأمان لروادها.. وستجعل الإرهابيين يفكرون أكثر من مرة قبل أن يقوموا بعملية ما.
والمؤكد كما عرفت أن الداخلية ستعيد النظر فى خططها الأمنية فى حماية الشخصيات الرسمية والعامة.. ولكن.. ذلك وحده لا يكفى.. لابد من توعية شاملة ضد الإرهاب فى المساجد.. والمدارس.. والجامعات.. وغيرها.. ربما أنقذنا أجيالا جديدة من التورط فى العنف.
يضاف إلى ذلك أن الفقر والعشوائيات بيئة نشطة لتوليد العنف وربما لهذا السبب اقترحت على الحكومة توفير الحد الأدنى من ضروريات الحياة (خبز ومياه وكهرباء وبوتاجاز) مجانا.. بالبطاقة الشخصية.. طبقا لمادة الحق فى الحياة التى ينص عليها الدستور.
وفى الوقت نفسه لم يعد من الممكن قبول استمرار جماعة الإخوان أو الاعتراف بجمعيتها.. بل أكثر من ذلك لابد من إعلان أنها جماعة إرهابية.. كل من يتعامل معها يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون.. أما من يريد العمل السياسى فأمامه الأحزاب.. وكفى كلاما لا يساوى شيئا عن المصالحات.. فهى فى الحقيقة نوع من المساومات.