فى الثامنة من صباح الأربعاء دخلت إلى منطقة شائكة مجموعة من السيارات قدرت فى أقل تقدير لها بأربعة سيارات وربما زادوا عن ذلك قليلا بالفعل، المنطقة الشائكة هى مدينة رفح المصرية والتى يمر الشريط الحدودى بين مساكنها حتى أنه فى بعض مواضعه يظهر المساكن على جانبيه تماما فى صورة غريبه تفصل مابين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، توجهت سيارتان على الأقل إلى " نقطة أمنيه كمين النافورة " وهى على حدود مدينة رفح وتبعد عن الشريط الحدودي بمقدار كيلومتر واحد تقريبا وألقت هذه السيارة بعبوة ناسفة على أفراد القوة والتابعين للقوات المسلحة، وعلى مقربة السيارة الأخرى تمطر النقطة الأمنيه بوابل من الرصاص، تعاملت القوة العسكرية الموجودة مع المهاجمين وإستطاعت إحداث إصابات مباشرة بالسيارة الأولى و قتل من فيها وفرت السيارة الأخرى من المكان، وإستشهد أحد أفراد القوات المسلحة الموجود فى مواجهة النقطة الأمنيه، وفسرت العملية فيما بعد بأنها لم تكن سوى لفت للأنظار وجذب لإنتباه القوات الموجودة فى محيط مدينة رفح الصغيرة . فبعد حوالي عشرين دقيقة من هذه العملية دخلت سيارة محملة بعبوة كبيرة الحجم من المتفجرات إلى داخل مدينة رفح من شارعها الرئيسي، متجهة إلى حي الإمام علي الذى يبعد عن الشريط الحدودي بنحو خمسمائة متر فقط لاغير، وإنطلقت إلى مبنى المخابرات الحربية ويرجح أن يكون قد صحبها من على مسافة ما سيارة أو سيارتين بهما أفراد يحملون السلاح إستعدادا للإشتباك مع أى قوة قد تعترض طريق السيارة أو لإحداث مزيد من الخسائر بعد تنفيذ العملية، وصلت السيارة المفخخة إلى أول مدخل الطريق المؤدي إلى مبنى المخابرات وفيه طلب من السيارة التوقف من قبل أفراد الحراسة الموجودون بخارج المبنى فى الشارع الضيق الذى يقع به المبنى وسط الحي السكني ووسط بيوت أهالى المدينة، لم تستجب السيارة لطلب التوقف فى المرة الأولى وعندما تكرر فى المرة الثانية وهو على بعد أمتار قليلة جدا أثار الأمر الإنتباه سريعا للقوة الموجودة بالخارج فبدأوا التعامل بالنيران مباشرة على السيارة التى تأخذ طريقها إلى بوابة مبنى المخابرات، أطلق على السيارة دفعات من الطلقات الآلية المسلح بها أفراد الحراسة وهم ستة من المجندين التابعين للقوات المسلحة، وعلى إثر دفعة نيران من هذه الدفعات وقبل وصول السيارة إلى بوابة مبنى المخابرات ويفصلها عنه أمتار معدودة إنفجرت السيارة إنفجارا هائلا وخلفت موجة إنفجارية واسعة المدى . أودى هذا الإنفجار مباشرة بحياة طاقم الحراسة بالكامل والذى كان يهاجم السيارة من مسافة قريبة للغاية لمنع وصولها إلى مبنى المخابرات، وتحول الشخصان اللذان كانا بالسيارة إلى أشلاء على الفور وإمتدت الشظايا لمسافة واسعة أصابت كل من كان بمحيط الشارع وكل من كان قريبا من البوابة من الداخل، وتحطمت البوابة وجزء من السور الخارجي جراء هذا الإنفجار الكبير المدوي، جاءت الحصيلة الأولى لترصد إستشهاد ( عدد 6 عسكريين وإصابة 17عسكري ومدنى )، كان نصيب المدنيين سبعة مصابين منهم ثلاث سيدات وجميعهم كانوا فى محيط المنطقة يمارسون شئون حياتهم اليومية، وحدثت خسائر كبيرة فى المنازل المحيطة بالمكان من جراء إتساع نطاق الموجة الإنفجارية قدر عددها الأولي بنحو ثمانية منازل إرتفعت فيما بعد إلى نحو أربعة عشر منزلا تضرر بتلفيات متفاوته من جراء الحادث، ولحق عدد الشهداء بوتيرة الإرتفاع ليصلوا إلى أحد عشر شهيدا من مصابين بإصابات خطيرة أودت بحياتهم بعد ساعات من الحادث . وساد السكون والذهول القاتل بعد هذه الأحداث المتوالية، وإختفت السيارات المعاونة للسيارتين المنفذتين للعملية المزدوجة من المكان فى سرعة أثارت الريبة، لم تصل السيارة التى كانت تحمل عبوة كبيرة من المتفجرات إلى مبنى المخابرات وإنحصرت الخسائر فى تحطم البوابة الخارجية وجزء من سور المبنى، ولم يخلف الهجوم الأول إلا تحطم أجزاء من مبنى الإعاشة المكون من حجرتين صغيرتين بجوار النقطة الأمنية، لكن قوات الجيش دفعت شهداء من جنودها المكلفين بالحراسة والخدمة فى هذا المكان وإنطلقت وكالات الأنباء تطير أخبار الهجوم على مبنى المخابرات الحربية برفح عبر إستهدافه بسيارة مفخخة ووقوع ضحايا من العسكريين، وأظن النقطة الأخيرة هى أهم وأخطر أهداف تلك العملية الإرهابية التى وصلت إلى أطراف عرين الأسد فى هذا المكان . إعلان " جماعة أنصار بيت المقدس " بعد ساعات مسؤليته عن هذه العملية وهو التنظيم الذى أعلن أيضا بعد أربعة أيام من حادث إستهداف وزير الداخلية أيضا بسيارة مفخخة فى القاهرة لم يستوقفنى طويلا، فسواء كان هذا التنظيم هو من فعلها أو لم يكن هو ويمارس حالة من الخداع لجهات الأمن والتحقيق فى الحالتين الأمر واحد والنتيجة أيضا قد تكون واحدة، فهذه التنظيمات كثيرا ما تنفذ من العمليات ما يسمى الإرهاب بالوكالة، جهات التحقيق الآن ونحن معها قد ننشغل أكثر بمن وراء هذه العمليات كفاعل أصيل يدخل إلى المشهد بعمليات نوعية ذات طبيعة خاصة فى طريقة تنفيذها وفى الأهداف التى توجه إليها ضرباتها بوضوح دال، ويحملها من الرسائل الخطرة التى تحتاج إلى فض أغلفتها بحرص وقراءة ما فيها بتأن للإستيعاب وتحديد مسارات المواجهة المحتملة معها . وصول العمليات إلى هذه المنطقة من مدينة رفح تأتى فى تكتيك العمليات الإرهابية بمسمى "القادمون من الخلف"، والخلف فى هذا المكان مباشرة هو الجانب الآخر من الشريط الحدودي والموجود فى قطاع غزة، فبدون دعم مباشر أو غير مباشر من القطاع لا يمكن تنفيذ هذه العملية فى هذا المكان مطلقا، دخول هذا الكم من المتفجرات إلى داخل الكتلة السكنية لمدينة رفح يشير بوضوح أنه لا طريق لها سوى طريق الأنفاق، وتوفير ممر للهروب فى حالة إنكشاف العملية أو للمشاركين الآخرين لا مكان له سوى طريق الأنفاق أيضا، فلذلك حماس ضالعة تماما فى هذه العملية دون ريب وسيناريو التنفيذ يقترب بشدة من السيناريو الذى إستهدف الجنود المصريين فى مذبحة رفح الأولى التى وقعت فى رمضان قبل الماضى، وسواء قامت حماس بتنفيذ العملية ببعض من عناصرها أو كلفت جماعة أنصار بيت المقدس بالتنفيذ فالأمر فى الحالتين سواء، ومابين تنظيم حماس وجماعة أنصار بيت المقدس التى لها فرع نشط فى قطاع غزة الكثير من المصالح وأوجه التعاون الذى يسمح بتكليف من هذا النوع . بقي المكان الذى تم إستهدافه "مبنى المخابرات الحربية" وهى الجهة المعروف عنها سيطرتها الكاملة على هذا المكان فى شمال سيناء، وهى من أرفع الأجهزة فى الجيش المصري ويحتاج المنفذون للعملية أن يبعثوا برسالة أنهم قادرون على الوصول إلى أهم مكان للجيش أو للشرطة فى حالة وزير الداخلية دون الوضع فى الإعتبار أو الأهمية حجم الخسائر المتوقعة، فضلا على المراهنة على الأثر النفسي السلبى الذى قد يخلفه مثل هذه العمليات لدى القوات الموجودة على الأرض . العمليات الأمنية الناجحة التى قامت بها قوات الجيش وقوات الأمن فى سيناء طوال الشهر الماضى والتى وجهت ضربات موجعة لجماعات الإرهاب ومن خلفها عمليات الداخل ضد قيادات الإخوان حاضرة بقوة فى هذه الرسائل التى وصلت بالفعل إلى من يهمه الأمر، وأظنه يعكف الآن على قراءتها بهدوء لإعداد الرد المناسب.