حكمت المحكمة !! حين تُسمع تلك العبارة في مصر تحدث حالة غريبة للغاية للشعب المصري بكل طوائفه فتخرس جميع الألسنة سواء كان الحكم الذي صدر ظالما أو عادلا ويكون دوما التعليق على الحكم إذا صٌرح أصلا بذلك بعبارتين إما : يحيي العدل ،، أو والله ظلم بس واثقين في القضاء المصري ونزاهته وشرفه وواجهته وعفته وطهارته ولا يخرج التعبير عن ذلك !! لاشك أن كل الحديث عن نزاهة وشرف وطهارة القضاء هو أسطوره من بدع خيالنا كمصريين وكعادتنا فنحن من نطلق البدعة ونصدقها فكما أعتقد قدماء المصريون بالحياة الأخرى بعد الموت ودفنوا ذهبهم ومقتنياتهم الهامة معهم في قبورهم وكما نؤمن بأن من يشرب من نيل مصر لابد أن يعود لها ونحن نعلم جيدا أنه يعود لأن مصر تهتم به وتعاملة بنفس الطريقة التي تعامل بها رئيس دولتة طبعا خوفا على العلاقات الدوبلوماسية مع دولته وكما نعتقد بأن الطفل المصري أذكى طفل في العالم ونحن نعلم أن أطفال العالم يصنعون ويبتكرون ودولهم تهتم بهم ونحن لدينا تعليم ينتج أطفالا مشردين في الشوارع وكما نعتقد أن الشرطة في خدمة الشعب وهي تعامل الشعب كله على أنهم مجرمين وتستخدم عنجهية السلطة ضده وكما نعتقد أن المسئول الكبير سنا هو رمز البلاد ولابد من تقديسه وعبادته ولا يجوز إنتقاده حتى لو كان ذلك المسئول يقتلنا ويذلنا ويستعبدنا ويدوس على كرامتنا بالجزمة وكما نعتقد أن الشعب المصري عاطفي وهو لا يمتلك أصلا الإختيار وكما نعتقد أن الفول هو غذاء الأذكياء ونحن نعلم جيدا أنه الخيار الوحيد عند معظم المصريين ومما لاشك فيه أننا نظن أيضا أن القضاء المصري شريف ونزيه ونحن نعلم جيدا أن معظم وكلاء النيابة عينوا بالواسطة أو لأنهم أبناء العاملين " القضاة " أو بالرشوة ولا أقصد هنا الجميع بذلك ولكن المعظم يكون ذلك طريقة لتبوء مقعد القاضي ويكون ذلك على حساب أخرين كان لهم الأحقية ولكن ليس لهم ولا وسيط ولا شفيع ولا أولاد بهوات !! القضاء المصري جزء لا يتجزأ من الفساد القائم في البلاد والحديث عن نزاهته ووجاهته وطهارته وشرفه وبابا غنوجه بالتأكيد لحماقة والحديث أن القضاة هم أنبياء أو حتى ملائكة لا يخطئون وقد خلقوا من شيء أخر غير الطين بعقول أخرى غير عقولنا لديهم قدرات خارقة في السيطرة على أنفسهم مما يجعلهم غير معرضين للإنغماس في الفساد بالتأكيد كل ذلك هو أمر مشين لابد وأن يتغير حتى نغير الواقع ونعيد هيكلة القضاء المصري الذي أظن أن أحكامه وقراراته أصبحت أقوى من أي كتاب منزل من عند الله ولم لا والكتب السماوية قد سمح فيها أن تشرح وتفسر بأشكال عدة ولكن أحكام وقرارات القضاء لا تقبل أي أنواع الجدال والمناقشة وإختلاف التفسير والتعقيب وكأنه كلام منزل من عند الله والحقيقة أن من يحكم هو بشر لن يمتلك يوما جزء يسير من عدل بشر وطبعا لن أصفهم أو أشبههم بالأنبياء ولكني سأذكر بشرا مثلهم وهو الفاروق عمر بن الخطاب الذي لم يكن يمتلك تلك الحصانة والقوه !! لعلي قررت أن اتحدث في مقالي هذا عن الفساد الموجود في القضاء المصري - وأكرر أن أقصد المعظم ولا يعبر ذلك عن الكل - حتى لا نصدم في يوم من الأيام بحكم براءة قاتل قتل نفسا ثارت على الفساد لحماية نظام طاغي محتميا بزي العسكري متخذا السلاح الذي يدفع المصريون من قوت يومهم ضرائب ثمنا لشرائه لقتلهم وإبادتهم به ،، فالرصاصة التي تطلق في وجهه وعين وقلب وذراع وأرجل كل مصري هو من يدفع ثمنها من قوت يومه لحمايته ولكنها تستخدم في إبادته !! ترددت كثيرا قبل الشروع في الكتابة وذلك نظرا لحالتي النفسية السيئة للغاية بعدما سمعت قرارات المحاكم المصرية في الآونة الأخيرة وقد سئمت ذكر تباطؤ المحاكمات لرموز النظام السابق والمحاكمة الهزلية التي تشبهه المسرحية السخيفة للنظام البائد ولذا لن أتطرق إليها فالجميع يرى ويشاهد ويتابع ما يحدث ولكني سأتطرق للأحكام الصادرة في الآونة الأخيرة ،، فبعد صدور عدد من أحكام البراءة على أفراد الشرطة قتلة المتظاهرين وإتهام الثوار بالبلطجية في زمن الثورة أصلا على الشرطة وعلى إرهابها وطغيانها !! وبعد إنصياع القضاء المصري لأمر القيادة السياسية في مصر وتحديدا في قضية التمويل الأجنبي وتهريب الأمريكان المتهمين في القضية والإكتفاء فقط بعقاب المصريين !! وبعد قرار المحكمة العسكرية والتي حكمت بالبراءة للطبيب المجند المتهم في كشوف العذرية لتتحول بذلك سميرة إبراهيم ورشا عبدالله وغيرهم من بنات مصر الشرفاء واللاتي أفخر بأنهم يحملون نفس جنسيتي وأشعر بالخزي من نفسي بأن هؤلاء الفتيات يمتلكن شجاعة يفتقدها أعتا الرجال في بلدنا يتحولن إلى مذنبين وآثمين والمجرم نال البراءة !! وبعد كل ذلك يرى القضاء في نفسه النزاهة والشرف والعفة والطهارة .. طب بأمارة إيه ؟؟!! المشكلة أننا دوما ما نخشى أن نواجهه الواقع ودوما ما نحب أن نعيش في الخيال ونعشق التجوال في أساطيرنا ليأتي الواقع فجأة و" يرزعنا " قلم على " قفانا " وكالعادة نصدم فتره ونعود إلى عادتنا مره أخرى ولعلي لم أصدم كثيرا في كل حكم قضائي حمل البراءة لجاني قاتل ظالم مجرم يرتدي الزي العسكري أو غيره ويمنحه ذلك الحكم الحرية وكما أنني لم أصدم أيضا بالأحكام المتعسفة على شرفاء أو تحويلهم للمحاكمة بتهم سخيفة وبالطبع المراد هو أن تسلب منهم الحرية لمجرد أنهم قالوا كلمة حق في وجهه سلطان جائر ولكن .. للأسف نحن فقط من نرى ذلك السلطان جائرا بينما يرى ذلك السلطان هو وسلطاته التنفيذية المتواطئة والقضائية أداته في حماية النظام وأخشى التشريعية لضعفها أنه العدل والشرف .. طب بأمارة إيه ؟؟!! لابد من تطهير حقيقي للقضاء المصري ودعونا من الحصانة الإلهية التي منحها لنفسه متخذا ذلك من ثقة المصريون به أكثر من ثقته هو بنفسه وإذا كنا نرغب في بناء الوطن بناءا سليما لابد وأن تصل الثورة إلى القضاء المصري وعلينا أولا أن نزيل الفساد المتراكم في أركانه قبل أن نطالب بإستقلال قراره وإذا ما أرادوا أن نثق في القضاء فعلى من يهمه الأمر أن يعلم جيدا أن تلك الثقة لن تولد إلا بعد أن نرى القضاء يتحول من أداه في يد النظام إلى كيان يحمي الشعب وإذا ما أستمر النظام القائم بأن أبن المستشار لابد وأن يكون مستشارا ليس لأنه الأحق ولكن لمجرد أنه من أبناء العاملين وإذا إستمر وجود نظام الرشاوى والواسطة في تقلد منصب وكيل النيابة – أتحدث عن المعظم وليس الجميع - وهو بالتأكيد يصعد حتى يصل إلى قاضي فلا تلومنني أنني لن أحترم أحكام القضاء ولن أتوقف عن التعقيب على أحكامه لأنني لن أرى ذلك القاضي سوى شخص تقلد منصبه بشكل فاسد فكيف سيحكم هو على الفساد بأنه فساد وكيف يكون هو ميزان العدل والحق وهو أصلا قد ظلم شخصا أحق منه في ذلك المنصب ؟؟ وكيف نثق فيه ونشهد له بالعفة والشرف والنزاهه والطهارة وندعم إستقلاله ولم نرى منه أيا من تلك الصفات .. طب بأمارة إيه ..!!