رغم عودة العلاقات المصرية الأمريكية إلى هدوئها المعتاد، الذى كانت عليه قبل أزمة التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، إلا أن الوفد التجارى الإيرانى الذى سيستقبله رئيس الوزراء كمال الجنزورى خلال الأيام القليلة المقبلة، قد يفجر الهدوء «الهش» بين القاهرة وواشنطن، فبعد أن تكررت شكوى رئيس الوزراء من تهرب الدول الغربية من تقديم المساعدات التى وعدت بها القاهرة، أعلن مستثمرون إيرانيون اعتزامهم إقامة عدد من المشروعات فى مصر بقيمة خمسة مليارات دولار. ويأتى العرض الإيرانى بعد عرض سابق قدمه رجل الأعمال السيد العقلى، رئيس الشركة العربية للصناعة والاستثمار والتجارة، والتى تأسست فى نهاية العام الماضى، برأسمال إيرانى يقدر ب100 مليون دولار، بإقامة مصانع فى محافظات بنى سويف وسوهاج والمنيا، لإنتاج 10 ملايين أسطوانة بوتاجاز شهرياً، وتجميع سيارات الركاب والأتوبيسات السياحية، وإنشاء مطاحن للحبوب. وشمل العرض الإيرانى وقتها، توجيه 2 مليار جنيه من الاستثمارات، لشراء ديون المصانع المتعثرة فى عدد من المدن الجديدة، وإعادة تأهيل هذه المصانع، مع اقتراح بتوريد القمح الإيرانى بسعر يقل عن أسعار القمح العالمى، بنسبة 10%، وهو ما يساهم فى توفير نحو 300 مليون دولار سنوياً للخزانة المصرية. وتعيد زيارة الوفد التجارى الإيرانى المرتقبة إلى القاهرة، فتح ملف التعاون الاقتصادى بين مصر وإيران، الذى واجه الكثير من المعوقات خلال فترة حكم الرئيس المخلوع حسنى مبارك، على خلفية علاقة التحالف الاستراتيجى مع إسرائيل والولاياتالمتحدة، وهو التحالف الذى أعاق كل محاولات التعاون الاقتصادى بين القاهرةوطهران، وتقول بسنت فهمى، عضو غرفة التجارة المصرية الأمريكية، إن الحكومة المصرية عليها أن ترحب بفتح إيران أبوابها مرة أخرى للصادرات المصرية، والإعلان عن رغبتها فى ضخ استثمارات فى مصر، فى ظل الظروف التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، خاصة مع تخلى الدول العربية عن المساعدات الاقتصادية التى تعهدت بها. وأشارت فهمى إلى أنه ليست هناك صعوبة فى التعامل المالى بين القاهرةوطهران، رغم قرارات الحظر الذى فرضه البنك المركزى المصرى على التعامل مع البنوك الإيرانية، مضيفة أنه يمكن التعامل من خلال البنوك الخليجية، التى يوجد بها أكبر استثمارات إيرانية. المفاجأة التى كشفها أحد أعضاء مجلس إدارة الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، رفض ذكر اسمه، هى أن «الإعلان عن استثمارات الإيرانيةالجديدة لم تخرج عن نطاق الكلام، فالأمر ليس بالسهولة التى قد يتصورها الكثيرون، فالأمر يحتاج إلى قرار سياسى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وليس مجرد موافقة من رئيس الوزراء كمال الجنزورى، رغم ما يقال عن امتلاكه صلاحيات رئاسية». ويشير السفير جمال بيومى مدير برنامج اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية فى وزارة التعاون الدولى، إلى أن الحكومة المصرية ليس لديها مشكلة فى استقبال استثمارات إيرانية جديدة، لكن المشكلة فى وجود حساسية لدى الولاياتالمتحدة ودول الخليج من هذا التوجه، فعلى المستوى العربى، تحتل إيران 3 جزر إماراتية فى الخليج العربى، وهو موقف ليس ودياً، أما على المستوى المصرى، فموقف إيران من مسيرة السلام العربية مع إسرائيل غير إيجابى، بالإضافة إلى احتفالها بمقتل الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، وانتهاجها لبرنامج نووى مثير للريبة، وكلها ظروف سياسية تلقى بظلال من التوتر على الجانب الاقتصادى لأى تعاون محتم بين البلدين، مضيفا أنه «من المبكر جدا الآن الحديث عن السماح بدخول هذه الاستثمارات الإيرانية إلى مصر، فى ظل الوضع الأمنى غير المستقر فيها، والعقبات المفروضة على دخول الإيرانيين». ومن جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادى د.صلاح الدين فهمى، أن «الموافقة على ضخ استثمارات إيرانية جديدة فى مصر، يحتاج إلى إشارة من جانب السلطات المصرية، لاستعادة العلاقات السياسية مع طهران، ثم يتم بعدها فتح الجانب الاقتصادى، وهو ما يتطلب وجود حكومة مستقرة ورئيس جديد، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن، هو: هل هذه الاستثمارات لوجه الله أم وراءها أغراض سياسية؟، فالمعروف أن الدعوة فى هذا التوقيت، تأتى كرد فعل على التهديدات الأمريكية بقطع المعونة عن مصر، وتوقف دول الاتحاد الأوروبى عن تقديم الدعم الاقتصادى لها». ويلمح فهمى إلى صعوبة اتخاذ قرار باستعادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع إيران فى هذا التوقيت، الذى تسيطر فيه الولاياتالمتحدة على إدارة مؤسسات التمويل الدولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، وهو ما يجعل هناك صعوبة لدى الحكومة المصرية، فى الجمع بين علاقتين مستقرتين مع الولاياتالمتحدةوإيران فى ذات الوقت. السنة الخامسة - العدد 345 - الاثنين - 12/ 03 /2012