يشهد الاثنين المقبل طهي أول وجبة من اللحوم الاصطناعية وتناولها، بعد زراعتها في مختبر، لتفتح صفحة جديدة من التاريخ الغذائي، الذي من شأنه حل مشاكل الأمن الغذائي التي تهدد العالم، وتقليل الانبعاثات السامّة والضارة بالبيئة التي تفرزها لحوم الحيوانات. بعد موعد الغداء مباشرة من يوم الاثنين 5 آب/أغسطس يدخل الدكتور مارك بوست التاريخ الغذائي والعلمي عبر طهي وجبة برغر من لحم البقر وتناولها، وهو ما يفعله الملايين في أنحاء العالم كل يوم، سوى أن إعداد لحمة البرغر هذه كلف 250 ألف يورو، وأنها صُنعت بجهود علمية مضنية من لحم زُرع في المختبر في جامعة ماسترخت الهولندية.
وصُنعت لحمة الدكتور بوست من عشرات آلاف البروتينات، التي نجح العلماء في تنميتها من خلايا جذعية بقرية. وستؤخذ هذه الألياف العضلية المزروعة في المختبر من ثلاجاتها، حيث حُفظت في حالة من التجمد العميق، وتُربط مع بعضها البعض بعناية شديدة لتحقيق اختراق علمي في عالم الغذاء.
مكافحة الجوع والتلوث ستكون وجبة الدكتور بوست من اللحم الاصطناعي تتويجًا لسنوات من البحث الرامي إلى البرهنة على أن اللحوم التي تُزرع في المختبر يمكن أن تصبح ذات يوم بديلًا صالحًا من لحوم الحيوانات. وإذا نجح العلماء في مسعاهم هذا، فإن اللحوم الاصطناعية التي تُنتج بالزراعة في المختبر ستكون قادرة على إطعام سكان العالم، الذين يتزايد عددهم بمعدلات مطردة، من دون الآثار المدمّرة التي تتركها الزراعة والحيوانات بصفة خاصة على البيئة.
يعني حاليًا إشباع شهية الإنسان المفتوحة دائمًا على كل أصناف اللحوم أن 30 في المئة من سطح الأرض القابل للزراعة مغطى بالمراعي، مقارنة مع 4 في المئة فقط من سطح الأرض لإطعام البشر مباشرة. وتبلغ الكتلة الحياتية للحيوانات في عالم اليوم نحو ضعف كتلة البشر الحياتية، وتسهم بنسبة 5 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، و40 في المئة من انبعاثات غاز الميثان الأشد تأثيرًا بكثير من تأثير الاحتباس الحراري.
وبحلول عام 2060 من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 9.5 مليار نسمة. ومع تنامي الطلب على اللحوم في بلدان يتزايد عدد سكانها باستمرار، مثل الصين والهند، فمن المتوقع أن تتسع سوق اللحوم بمقدار الضعف في منتصف القرن الحالي. وإذا تضاعفت كميات اللحوم، التي ينتجها العالم، فإن مسؤولية الحيوانات عن التغير المناخي قد تبلغ 50 في المئة، إلى جانب سيارات العالم وشاحناته وطائراته.
وكان الدكتور بوست، الذي رفض إجراء أي مقابلات صحافية معه قبل أن يتناول وجبته من لحم البقر الاصطناعي يوم الاثنين، تحدث في وقت سابق عن الدوافع البيئية وراء تصميمه على زراعة البرغر في المختبر.
وأعلن خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية من أجل التقدم العلمي عام 2012 أن كفاءة إنتاج الأبقار والخنازير من اللحوم تبلغ نحو 15 في المئة، وهي نسبة غير كافية، وأن الدواجن والأسماك أعلى منها كفاءة. وأضاف إن رفع الكفاءة إلى 50 في المئة سيكون طفرة هائلة إلى الأمام.
اللحوم وطهيها غذاء للدماغ وكان أنثروبولوجيون ذهبوا إلى أن من أسباب نمو دماغ الإنسان تعلمه الطهي وأكل اللحوم. فاللحوم، التي تشكل مصدرًا غنيًا بالقيمة الغذائية والسعرات الحرارية، أسهمت في تشغيل أدمغة أجدادنا على نحو لم تتمكن المخلوقات الأخرى من مضاهاته، وكان لها أثر دائم في تذوق الجنس البشري للحوم اليوم.
في هذه الأثناء قال الخبير الغذائي جاي راينر إن تزايد إقبال البشر على استهلاك اللحوم سيفرض إيجاد بدائل، مثل اللحم الاصطناعي، الذي يُنتج في المختبر أو بروتين الحشرات. ونقلت صحيفة الغارديان عن راينر أن اللحوم التقليدية باهظة الثمن الآن، وستزداد غلاء، ولن يمر وقت طويل قبل أن يتوجّه المستهلكون نحو هذه البدائل.
لكن الدكتور بوست سيواجه عقبات متعددة، قبل أن يتمكن من إيصال لحومه المزروعة في المختبر إلى السوق، وخاصة طريقته في صناعتها. فإن زراعة الخلايا وإنتاج البروتين من خلايا جذعية تكنولوجيا مكلفة، وإن تصنيع لحمته التي ستكون غداءه يوم الاثنين، تطلب فريقًا كاملًا من الباحثين وسنوات عديدة من العمل.
عامل تشجيع وتولى تمويل مشروعه مصدر مجهول سيُعلن عنه يوم الاثنين. لكن إنتاج اللحوم الاصطناعية بكميات تجارية يتطلب استثمارات أكبر بكثير من تمويل بحث علمي. كما يتعيّن التأكد من سلامة اللحم المنتجة بزراعة في المختبر. وقال متحدث باسم وكالة المعايير الغذائية البريطانية إن أي غذاء جديد أو غذاء يُنتج بعملية تكنولوجية جديدة يجب أن يخضع لتقويمات واختبارات مستقلة صارمة قبل طرحه في الأسواق.
أخيرًا هناك موقف المستهلكين من التكنولوجيا المستخدمة. فهي تدفع إلى التردد والتفكير مثلها مثل أي تكنولوجيا جديدة. ولكن الخبير الغذائي راينر أعرب عن ثقته بأن هذه التحفظات ستزول، لا سيما عند المقارنة ببعض العمليات المعتمدة حاليًا في تصنيع الأغذية والمنتجات الزراعية. وقال راينر "في الحقيقة ليس هناك ما هو لطيف في تربية الحيوانات، ومن بعض النواحي، فإن إنتاج اللحوم بزراعتها في مختبر نظيف ومعقم، قد يكون عامل تشجيع على تناولها أقوى مما يجري في المجازر اليوم".