اندهشت عندما تعامل البعض مع تصريح عاصم عبد الماجد المتحدث الرسمى باسم الجماعة الإسلامية - بمحاصرة منازل القضاة ودار القضاء العالى والمحاكم ونادى القضاة لتطهير القضاء – بجدية، البعض راح يناقش الرجل فيما يقوله، ويتعجب من كونه يحرض على قتل القضاة، دون أن يدركوا أن ما فعله عبد الماجد يتسق تماما مع أفكاره وتاريخه ودمويته، فالرجل قاتل بالفطرة، ولم تنجح سنوات السجن الطويلة أن تجعله يهدأ أو يتراجع عن أفكاره الإرهابية. كان عاصم عبد الماجد أحد قيادات الجماعة الإسلامية التى كانت تربى شبابها على شعار – هو شعار الشؤم والخراب – كانوا يقولون لأولادهم الإرهاب فرض والاغتيال سنة، فما لكم تتعجبون عندما نراه تحديدا يحرض على القتل، فهو بيديه ارتكب جريمة القتل، وهو بيديه ارتكب جريمة سرقة محلات ذهب حتى يمول بها عمليات القتل.
عاصم عبد الماجد شارك فى عملية الهجوم على مديرية أمن أسيوط صباح عيد الأضحى 1981 بعد اغتيال السادات، وفى صفحات القضية العسكرية نقرأ: وفى الموعد المحدد خرج أعضاء التنظيم من مخابئهم فى مجموعات صغيرة، كانت الأولى منها مكونة من فؤاد حنفى وعلى الشريف وعاصم عبد الماجد وغضبان سيد ومحمد حسن الشرقاوى، وقد خرجت هذه المجموعة فى سيارة بيجو، قادتهم إلى شارع النميس وجامع ناصر، وبعد أن انتهت مهمتهم هناك، انطلقوا إلى مبنى مديرية الأمن وهناك انضم لهم آخرون، وأثناء الهجوم على مبنى المديرية، أصيب عاصم عبد الماجد بثلاثة أعيرة نارية بركبته اليسرى وبالساق اليمنى فعجز عن الحركة».
معظم من شاركوا فى الهجوم خرجوا بإصابات، لكن عاصم وحده خرج منه بعاهة، وكأن الله أراد أن يذكره بجريمته التى لن تمحى أبدا، ويبدو أنه لم يتب أبدا عما ارتكبه، فبعد أن خرج الرجل من سجنه ظل ممثلا لوجه التطرف الكئيب، الذى لا يمكن أن تطيقه أبدا، فهو يشترط على مذيعة شهيرة مثل هالة سرحان أن تحدثه من وراء حجاب لأنه لا يتحدث فى حضرة النساء، وعندما يتحدث تجده متعاليا مغرورا وكأنه امتلك الحق وحده، رغم أن ما يقوله ليس إلا الباطل.
لقد زحفت الجماعة الإسلامية على بطنها وقبلت صفقة الأمن من أجل التراجع عن أفكارها الدموية، وقتها قلت إن آلهة العنف لا يمكن أن يعلنوا توبتهم، وأن الدماء التى تلوث أيديهم لم تجف بعد ويبدو أنها لن تجف أبدا، بعد أن خرجوا من السجون اختبأوا تماما ولم يشاركوا فى الحياة السياسية إلا بقدر يسير، ظلوا يستمتعون بالصفقة ونتائجها وأموالها ومشروعاتها وهم صامتون، فقد كان الشرط الذى أخذه قيادات الأمن على رجال الجماعة الإسلامية ألا يتحدثوا، أن يقولوا ما اتفقوا عليه فقط دون الخروج عن النص إطلاقا، وهو ما التزموا به دون الخروج عن النص، لكن بعد الثورة خرجوا من شقوقهم، أظهروا الرجولة التى لم تكن عندهم يوما من الأيام، وبدلا من أن يتعلموا من دروس الماضى فرضوا أنفسهم على الحياة السياسية دون أى تأهيل من أى نوع.
لقد أدرك السلفيون أن جماعة الإخوان لا أمان لها على الإطلاق، ولذلك أعلنوا أنهم لن يكونوا فى صفهم، لكن الجماعة الإسلامية بكل أعضائها تقريبا – إلا من رحم ربى – وضعوا أنفسهم فى خدمة الجماعة، تحولوا إلى عبيد فى ساحة سلطة الجماعة، ولم تبخل الجماعة على قيادات الجماعة الإسلامية ورموزها فأدخلتهم إلى القصر الرئاسى وجلسوا مع محمد مرسى ليسجل التاريخ أن الذين قتلوا رئيس مصر غدرا وغيلة ذهبوا ليجلسوا فى نفس الأماكن التى كان يتجول فيها ويحكم منها مصر.
من اللحظة الأولى التى دخل فيها محمد مرسى القصر والجهاديون الذين ينتمون إلى الجماعات المتشددة يعلنون غضبهم عليه، وهو الغضب الذى وصل إلى تكفير محمد مرسى تكفيرا واضحا لا لبس فيه، لكن رجال الجماعة الإسلامية ترى فى محمد مرسى ولى أمر المسلمين الشرعى، الجماعة التى بنت شرعيتها على ضرورة الخروج على الحاكم الظالم المضيع لحقوق الله وحقوق شعبه، فإذا بها تخنع أمام أعتاب الحاكم الإخوانى رغم أنه ظالم ومضيع حقوق الشعب ومضيع لحقوق الله، ولا معنى ذلك إلا أن الجماعة باعت كل أفكارها وتاريخها ونضالها والشباب الذين ضيعوا أعمارهم فى السجون من أجل وعود بالمشاركة فى السلطة لن تنفذها الجماعة فى الغالب، فهى لن تمنح أحدا ليس من طينتها أو تربى فى ظلها.
ترتكن جماعة الإخوان المسلمون على مجموعة من الوجوه المخيفة المتشددة الغارقة فى التطرف، التى بنت مجدها على القتل والإرهاب، تحتفظ بعبود الزمر الذى يظهر فى أوقات محددة ليصرح ويعلن ما يشير إلى دعمه للإخوان، وإلى جواره طارق الزمر الذى يحاول أن يبدو بوجه سمح، يتعامل مع الإعلام ولن يتردد عن الضحك بصوت عال فى برامج حوارية تتفلت خلالها آراؤه المتطرفة والتى تضيق بالناس، وإلى جوار هؤلاء يجلس صفوت عبد الغنى أحد الذين شاركوا فى قتل رفعت المحجوب، وهو الآن أحد أعضاء مجلس الشورى الذين يشرعون للناس دون حياء.
كان من المفروض أن يكون رجال الجماعة الإسلامية أكثر حنكة، لقد دخلوا السجون ودخلوا فى مواجهات حاسمة مع النظام لسنوات طويلة، كسبوا جولات وخسروا جولات أكثر، لكن التجربة أثبتت أنهم بلا خبرة على الإطلاق، فالسلفيون الذين هم حديثو عهد بالسياسة استطاعوا أن يتعاملوا مع الإخوان بحنكة، عرفوا الوقت المناسب للتعاون مع الجماعة، ولما أدركوا أنهم لن يأخذوا من الإخوان شيئًا، وأن أتباع البنا يصرون على أن يحتكروا كل شىء لصالحهم وحدهم، انصرفوا عنهم وأعلنوا أن كل منهم فى طريق.
لكن رجال الجماعة الإسلامية لا يزالون فى غيهم، يسيرون خلف الإخوان يبررون لهم ما يفعلون، بل الأشد أسفا أنهم يمثلون المجموعة التى تقوم بالأعمال القذرة نيابة عن الجماعة، فعندما يرغب الإخوان فى التحرش بالإعلام نجد عاصم عبد الماجد فى مقدمة من يهاجمون الإعلام بل ويقف لمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى ومهاجمة الإعلاميين، وعندما تدخل الجماعة فى صدام مع القضاة يخرج الرجل وكأنه يفتى فتوى شرعية لا راد لها بحصار بيوت القضاة والمحاكم ودار القضاء العالى، وكأنه يريد من المصريين أن يقتلوا القضاة حتى يتطهر القضاء كما يريد الإخوان، وليس كما يجب أن يكون.
ما قام به عاصم عبد الماجد – بعض أعضاء الجماعة الإسلامية اعترض عليه بالطبع بل وهاجموه ربما لأنه يسبب لهم حرجا بالغا – ليس مجرد تحريضا على القتل، بل هو فى الوقت نفسه يقدم نفسه كخادم للإخوان، لم يقلها أحد من أعضاء الجماعة التى تريد أن تحرق القضاة جميعا، لكن فعلها عبد الماجد، الذى إذا غضب أحد منه، فهو ليس من بين أعضاء الجماعة، بل هو ابن ضال لا يجب أن يحاسب أحد رجال الجماعة على ما يقوله.
لا أدرى لماذا لم يتعلم عبد الماجد ورجال الجماعة الإسلامية الذين يضعون أنفسهم فى خدمة الإخوان من دروس الذين تعاملوا مع الإخوان قبل ذلك، هؤلاء الذين قفزوا جميعا من السفينة التى أوشكت على الغرق، بعضهم فعلها مبكرا جدا، والبعض تأخر حتى خسر كل شىء، ويبدو أن رجال الجماعة الإسلامية يصرون على البقاء حتى يخسروا كل شىء هم أيضا. إن هناك اعتقادًا لدى بعض رجال الجماعة الإسلامية أن الدور يمكن أن يصيبهم، أن يصعدوا إلى كرسى الرئاسة مثلهم مثل الإخوان، فهم حتما سيدخلون الانتخابات وحتما سيفوزون فيها..وهو وهم كبير جدا يعيشون فيه، فالجماعة لن تترك السلطة طواعية، لابد أن تجبر على ذلك، وهو ما لن يفعله أبدا أحد من رجال الجماعة الإسلامية لكنهم سينتظرون حتى يجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام المصير المحتوم لكل من يتعامل مع الإخوان.
كان يمكن لرجال الجماعة الإسلامية أن يكونوا على قدر المسئولية...لكنهم اختاورا أن يكونوا فى درجة الخدم لجماعة الإخوان المسلمين.. والخدم لا يصعدون أبدا سلم المجد.