مفاجأة من العيار الثقيل، عكرت دم الكبار من أول المرشد وجماعته ومرسيه، إلى أصغر من يطرقعون له أصابع القدمين، ما إن أذاعت الفضائيات البيان الصادر عن مختلف السلالات بحديقة حيوان الجيزة حتى تكهرب الجو. أجهزة إدارة الأزمات التى تشكلت خصيصا لمواجهة هذا الظرف الطارئ، اعتبرت نفسها فى حالة انعقاد دائم، لتتخذ فى اليوم التالى بالإجماع قراراً تاريخياً يقضى بإحالة الملف بأكمله إلى لاظوغلى. قطعت القنوات الرسمية إرسالها لتحذر الأغلبية المندسة. الأمن المركزى حاصر جنينة الأورمان تحسباً لانضمام بعض النباتات النادرة إلى أعمال الشغب، لاحظ المخبرون كيف أن بعضها راح يتمايل طرباً على إيقاع الهتافات القادمة مع نسائم الفجر الأولى من حديقة الحيوان، خاصة أزهار الجاردينيا المعروفة بميولها الفوضوية. السوسن اتفق مع الأوركيديا على الدعوة إلى العصيان المدنى، لكن البنفسج رأى أن من الأفضل فى هذه المرحلة التوقف عند حدود الإضراب عن العمل. أيد فرس النبى هذا التوجه شريطة ترك الباب مفتوحاً فى المستقبل أمام جميع الخيارات. تفاصيل مذهلة توصلت إليها تحريات المباحث عن وجود متفجرات مخبأة فى أحواض النرجس. الأخ محمد مرسى وزع الاتهامات على الجميع باستثناء الأهل والعشيرة أكد أن التقارير كلها تتحدث عن أن الورد البلدى أخذ يبعث مع فرقع لوز إلى الدبابير برسائل سرية تحض على كراهية النظام، وأن الفراشات - الحالمة نظرياً - طرأت على سلوكها تحولات غير متوقعة، حيث تزعمت موجات التخريب بأوامر من الخارج، وأنها المسئولة عن إشغال النار فى الممتلكات العامة أو الخاصة. كان من الواضح أنه يعانى من الإعلاموفوبيا. القنابل المسيلة للدموع لم تتمكن من تفريق الأشجار العملاقة. آخر الأمر شكا قائد الحملة لرئيسه باللاسلكى من أن الوقفة الاحتجاجية يستحيل فضها لأن هذه الأشجار لا تريد أن تتزحزح، وأن اعتقالها من أصعب ما يمكن، البوكس لا يتسع لهذا النوع من المتظاهرين. البلتاجى هدد بفضح انتهاكات حقوق الإنسان أو الحيوان أو حتى أعمدة النور فى البلاد التى تدعى الديمقراطية أو الدفاع عن الحريات. أما داخل الحديقة ذاتها، فلقد كان المشهد مهيباً بكل معنى الكلمة.
أبو قردان اتهموه بأنه ليبرالى متنكر. اقتادوه بالكلبشات إلى معسكر التعذيب بالجبل الأحمر. النسناس الرمادى القصير الذنب، علقوه من قدميه على باب جزيرة الشاى. أسماك الزينة سحلوها باعتبار أنها تسبح عارية، عيادة الطب البيطرى تم نهب محتوياتها من أدوات الكشف أو الجراحة أو الأدوية خاصة مواد التخدير. السيسى أجبروه على الاعتراف بأنه عضو فى تنظيم سرى يسعى إلى تخريب مشروع النهضة. مئات العصافير أصيبت بالخرطوش، إما فى العين أو الصدر أو الحويصلة. البومة ذات اللحية أوصت الجنود بالقتل السريع، قبل أن تصورهم الكاميرات. الهداهد اعتقلوا صغارها بتهمة الرسم على أرض الشارع. ولم تسلم اليمامات من التحرش أو الاغتصاب على يد الغربان.
ورغم هذا، فلقد انعقد المؤتمر الصحفى بالجبلاية. لخص الأسد العجوز أوجاع الحيوانات مؤكداً أن هناك من يختلسون من قوت هذه المخلوقات الخائرة القوى التى أصبحت كالهياكل العظمية، وأن الأفيال المسالمة يجرى تقييدها بالسلاسل كمعتادى الإجرام، وأن الضباع الضوارى صارت من الإعياء كالأرانب، كل الزرافات ماتت من الجوع. انقرضت بالكامل، حكى كيف أن البعض داخل الحديقة أصبحوا يتضورون عطشا، وأن الحراس يتقاضون البقشيش من الأهالى ليغزوه بالسيخ فى الأنف أو الأذن أو المناطق الحساسة. حكى كيف أن لحم الحمير الفاسد المخصص لفصيلته هو تحديداً، يباع معظمه عند الجزارين فى الأحياء الشعبية، وأن بعض الرجال يأتون ليلاً ليملأوا الأكياس بدم الحيوانات الميتة لغرض ما. الخنازير بدورها كشفت النقاب عن أن أدوية الجرب الخاصة بها اختفت نهائياً. الأجزخانات أصبحت تطرحها لبنى البشر على أنها من المقويات الجنسية.
كل الكائنات الحية بطول البلاد وعرضها، بما فى ذلك سائر السلالات من الطير أو الحيوان أو النباتات النادرة، مازالت تنظر حولها، بينما هى تتساءل: أين البشر؟.