لنحو 3 آلاف عام يعود تاريخها.. تزخر بآثار عربية كنعانية ورومانية وبيزنطية وفينيقية وإسلامية.. وفي عهد الإمبراطورية الرومانية أوائل القرن الرابع الميلادي أصبحت مركزًا للأسقفية المسيحية.. إنها "سبسطية".. واحدة من أهم المدن التاريخية في فلسطين، وتقع شمال محافظة نابلس بالضفة الغربيةالمحتلة.
ومنذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، خضعت المدينة للسيطرة الإسرائيلية؛ مما عرضها، بحسب رئيس بلديتها، نائل الشاعر، إلى "النهب بطريقة مباشرة من قبل سلطة الآثار الإسرائيلية وعملاء التنقيب الذين يسرقون قطعا أثرية ويبيعونها لمؤسسات إسرائيلية".
ووفقا لحديث أستاذ الآثار والترميم في جامعة القدس المفتوحة، أسامة حمدان، لمراسل الأناضول، فإن "ما تخفيه مدينة سبسطية أعظم مما هو ظاهر بكثير؛ لا سيما وأن 85% من المدينة التاريخية لايزال تحت الاستكشاف".
ويُرجع حمدان عدم التنقيب عما تخفيه المدينة إلى "الافتقار لسياسات حكومية فلسطينية واضحة وطويلة الأمد للتنقيب عن وتطوير المواقع الأثرية وربطها مع الاقتصاد المحلي، فضلا عن منع سلطات الآثار الإسرائيلية للفلسطينيين من التنقيب في المناطق الخاضعة لسيطرتها". ويشير إلى أن "فلسطين تزخر ب12 ألف موقع تاريخي في المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية".
وبحسب اتفاق أوسلو للسلام (بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993)، فإن "مدينة سبسطية مقسمة إلى قسمين، أحدهما يخضع للسيطرة الإسرائيلية في المناطق المصنفة ج (تمنع إسرائيل إقامة أي مشروعات فيها إلا بموافقتها)؛ مما يعيق أعمال الصيانة والترميم، أما القسم الثاني فيخضع للسيطرة الفلسطينية".
وبينما كان يبيع قطعًا خزفية وفخارية لسائحة أجنبية، يقول "أبو فارس"، وهو في عقده السادس: "في منتصف ثمانينيات القرن الماضي سرقت سلطة الآثار الإسرائيلية، تحت حماية عسكرية، أربعة توابيت، فضلا عن قطع أثرية أخرى، من المقبرة الملكية وسط المدينة، ونقلتها إلى جهة غير معلومة".
ويضيف "أبو فارس"، في حديث ل"الأناضول": "كما سرق الاحتلال الإسرائيلي قطعًا حجرية ومنحوتات وقطعًا برونزية تحت ستار التنقيب عن آثار يهودية آنذاك".
وبعد أن كان يزورها ما يزيد على 400 سائح يوميًا في تسعينيات القرن الماضي، تراجع عدد السياح في مدينة "سبسطية" منذ عام 2000 إلى حوالي 50 زائرًا يوميًا.
وهو ما يرجعه رئيس البلدية نائل الشاعر إلى "اندلاع انتفاضة الأقصى والإجراءات العسكرية الإسرائيلية، المتمثلة في الحواجز العسكرية الكثيرة، فضلا عن توجيه الاحتلال للسياح الأجانب إلى زيارة أماكن سياحية في إسرائيل، كما أخطرت سلطات الاحتلال مطاعم سياحية وأكشاك بيع مقتنيات أثرية بالهدم؛ بدعوى البناء بدون ترخيص".
وجاهدًا، يعمل الشاعر على "تنشيط السياحة في المدينة، ويخطط لإقامة مهرجانات سياحية، منها مهرجان الربيع المقرر الشهر المقبل". وتحتوي "سبسطية" على مبانٍ أثرية مهمة، مثل "البازاليكا" (القاعة الملكية) والمسرح الروماني والبرج الدفعي ومعبد أغسطس وشارع الأعمدة ودير إغريقي ومقبرة ملكية.
كما يوجد في المدينةالفلسطينية أضرحة يعتقد أن أحدها يعود إلى نبي الله يحيى عليه السلام، حيث دفن بها بعد أن جز رأسه الحاكم الروماني هيرودوس، بحسب ما يتردد بين أبناء المدينة.
ويعتقد أن كنيسة بيزنطية بنيت فوق ضريحه في فترة الحروب الصليبية، ثم بنى القائد صلاح الدين الأيوبي مسجدًا بجانبها، أضاف إليه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني جزءًا جديدًا وأقام للمسجد مئذنة.
وتنتشر في المدينة التاريخية أكشاك ومحال وورش للأدوات الفخارية والخزف، إلى جانب مطاعم ومقاه بصبغة تراثية. ويأمل أهالي "سبسطية" في عودة حركة السياحة إلى طبيعتها، حيث يعمل معظمهم في مهن مرتبطة بالسياحة.