الحديث عن الآثار والتراث وسط ثورات وحروب ودماء قد يبدو حديثا غير منطقى إلا أن التاريخ يؤكد أن الحفاظ على هذه الآثار وهذا التراث واجب وضرورة لا تقل أهمية عن الحفاظ على تراب الأوطان فى كل الأوقات لأنها الشاهد علي مسيرة الشعوب وكفاحها ولولا حفاظنا علي آثارنا وتراثنا منذ آلاف السنين ما كان لنا ما نملكه الآن من أدلة علي تاريخنا وحضارتنا.. وقد شهدت الفترة الماضية حالة من الفوران والثورات العربية والمواجهات المسلحة عرضت آثارنا وتراثنا للدمار والنهب فقد كشف الكاتب البريطاني روبرت فيسك في تقرير للإندبندنت نشر تحت عنوان «سحق آثار سوريا القديمة»، أن تراث سورية وقع ضحية ضحيّة للنهب من قبل قوات المعارضة والحكومة على السواء، مؤكداً «أن كنوز سورية التاريخية مثل القلاع الصليبية والمساجد القديمة والكنائس والفسيفساء الرومانية والمتاحف المليئة بالآثار، سقطت جميعها فريسة للنهب والتدمير، كما تعرّض متحفا حمص وحماه للنهب». ونشرت منظمة غلوبال هيرتش فاند قبل أيام أول تقرير عن وضع الآثار في سورية، أكّدت فيه تعرّض 3 مواقع مدرجة على لائحة التراث العالمي في شمال البلاد إلى التدمير، كما دُمّرت معالم مدينة حماه الأثرية وأحياؤها القديمة. ووجّهت اليونسكو نداءات متكرّرة إلى أطراف النزاع لحماية مواقع التراث الثقافي السوري، وأعربت عن قلقها البالغ إزاء المواجهات العنيفة في حلب، التي تُمثّل مدينتها القديمة أحد المواقع المدرجة في قائمة التراث العالمي منذ العام 1986. وأفادت أحدث دراسة أعدتها مؤسسة الفكر العربي للبحوث والدراسات عن تدمير الآثار العربية في ظل الثورات والسرقات بأن أضرارا مدمّرة قد لحقت بمواقع سورية الأثرية ومتاحفها وقلاعها التاريخية خلال الثورة المستمرّة في كلّ أنحاء البلاد. وكشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية في عددها الصادر في 5 أغسطس الحالي، أنه تمّ إغراق أسواق الأردن وتركيا بالقطع الأثرية السورية المسروقة تقارير من أنحاء سورية عن أضرار جسيمة يصعبُ إصلاحها لحقت بالمواقع التراثية النادرة، وفي مقدّمها قلعة الحصن التي لم يستطع صلاح الدين الأيوبي استردادها، ووصفها لورانس العرب بأفضل قلعة في العالم، إضافة إلى الكنيسة الصليبية في داخلها. كما دُمّر المعبد الآشوري في تل شيخ حمد وقلعة المضيق ونُهبت الفُسيفساء الرومانية. وأعرب مدير متحف الفن الإسلامي في برلين شتيفان فيبر لمحطة دويتشلاند راديو كولتور أن التراث الثقافي في سورية مهدّد بالتدمير في ظلّ المعارك المستمرة هناك، حيث بذلت ألمانيا جهوداً كثيرة في البحث الأثري وترميم الأماكن التاريخية في حلب، محذراً من تكرار سيناريو العراق وحدوث عمليات سلب ونهب منظّمة للآثار في حال سقوط النظام. اشارت الدراسة الي فقدان ليبيا لما يقرب من 8000 قطعة أثرية تُقدّر بملايين الدولارات خلال ثورة ليبيا كانت محفوظة في قبو من الأسمنت المسلّح في مدينة بنغازي، ووجدت القطع المسروقة طريقها إلى السوق السوداء خارج ليبيا ودول الجوار بحسب وفي يناير 2012. بثت إذاعة هولندا العالمية تقرير حول ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية من أن الثوّار استولوا على مخزن للآثار في طليمثة هو نتاج عمل 10 سنوات من التنقيب لبعثة جامعة وارسو البولندية، ومن بينها فسيفساء وفريسكو ومئات القطع الفخّارية والتماثيل النصفية الجنائزية من العصور الإغريقية والرومانية والبيزنطية. ونقلت محطة BBC عن المجلس الانتقالي الليبي أن آلاف القطع النقدية والأثرية الثمينة سُرقت من خزانة البنك التجاري في بنغازي وظهرت في مصر، وذلك على أثر الحريق الذي اندلع في المصرف وكان جزءاً من عملية سرقة مخطّطة استهدفت «كنز بنغازي». آثارُ العرب المنهوبة وأشارت الدراسة الي أن متاحف العالم تزخرُ بكنوز الشرق وآثاره، تراثٌ فكري ومادي للحضارات التي تعاقبت على أرضنا واستقرّت في متاحف الغرب على مراحل زمنية مختلفة، بدأت مع البعثات الأجنبية، وازدهرت خلال الفترة الكولونيالية المتمثّلة في الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، ثمّ الحروب التي عاشها الوطن العربي وأبرزها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومساحات واسعة من لبنان، إضافة إلى غزو العراق، وصولاً إلى ربيعنا المعاصر الذي نشطت خلاله أعمال السرقة. 10 آلاف قطعة أثرية أُخرجت من العراق إبّان الاحتلال الأمريكي موزّعة على متاحف نيويورك وبنسلفانيا ومدن أخرى، وأكد وزير السياحة والآثار العراقي لواء سميسم لصحيفة الحياة في 10 يوينو 2012، أن القوات الأمريكية والبريطانية أخرجت أكثر من 80 ألف قطعة أثرية معها، كما نقلت الأرشيف اليهودي كاملاً من قبو داخل دائرة الاستخبارات إلى أمريكا وسلّمته إلى إسرائيل، لافتاً إلى أن أمريكا عرضت إعادة 3500 قطعة إلى العراق مقابل إعادة العلاقة وهو ما رفضناه رفضاً قاطعاً. قبل 9 أعوام كانت بغداد على موعد للمرّة الثانية مع ما شهدته على يد التتار قبل أكثر من 750 عاماً. 11 ألف قطعة أثرية سُرقت أثناء الهجوم الأمريكي على العراق في العام 2003 بحسب مركز الجزيرة للدراسات. وقد استعاد العراق 4764 قطعة من أصل 10 آلاف قطعة مسجّلة، أما غير المسجّلة فتبلغ 117 ألف قطعة، في حين سلّمت سورية 700 قطعة أثرية مسروقة ضبطتها السلطات إلى العراق. وعلى الرغم من كلّ ما يملكه الغرب من إمكانات، لم يتوانَ على مرّ العقود من التطاول على تراثنا، ولم تُفلح الجهود العربية في استعادة الآثار المسروقة. وقد احتلّت ملفات سرقة الآثار محاكم العالم، إذ رفعت وزارة الثقافة العراقية وحدها 70 دعوى قضائية لاستعادة الآثار العراقية المهرّبة إلى خارج البلاد بحسب صحيفة الصباح العراقية. وتعتزم وزارة السياحة العراقية تنظيم مؤتمر دولي للمطالبة باسترجاع آثار البلاد المنهوبة إبان الغزو الأمريكي، وعقد اتفاقيات ثنائية مع الدول المجاورة والإقليمية لاسترداد الآثار المسروقة، والتقدّم بشكوى لدى اليونسكو ضدّ أمريكا لسرقتها الآثار العراقية. وعن الإجراءات التي لجأت اليها الدول العربية لاستعادة آثارها المنهوبة اكدت الدراسة لجوء تونس إلى الإنتروبول الدولي عقب الثورة لاسترجاع التحف والقطع الأثرية الثمينة التي نُهبت من المتاحف ومن المعهد الوطني للتراث خلال حكم النظام السابق. كما دعت مصر إلى أول حملة مليونية شعبية من نوعها لاستعادة الآثار الموجودة في الخارج عبر جمع مليون توقيع مصري وتقديمها إلى منظمة اليونسكو لاسترداد آثار مصر المهرّبة إلى الخارج وعددها 350 قطعة أثرية فريدة. كما تُعدّ مصر قاعدة بيانات موثّقة للآثار المسروقة أطلقت عليها «القائمة الحمراء» ستوزّع على المنافذ والمطارات. ومن أهم الآثار التي طالبت بها مصر ولم تجد استجابة لطلبها من ألمانيا، رأس الملكة نفرتيتي وتمثال حم أيونو المهندس الذى بُني الهرم الأكبر، وحجر رشيد الموجود في بريطانيا ولوحة الزودياك التقويم الموجودة في متحف اللوفر، إلى جانب المسلّات الموجودة فى أمريكا وميدان الكونكورد في فرنسا، علماً أن في إيطاليا وحدها يوجد 15 مسلّة مصرية. ونقلت صحيفة المصري اليوم في يونيو 2012 أن مصر استعادت 80 قطعة أثرية من بلجيكا بعد انتزاع حكم قضائي بلجيكي. السرقات الإسرائيلية تزدهر وطبيعي وكما هو معتاد كان لإسرائيل النصيب الأكبر في الاستحواذ علي الاثار المسروقة من الدول العربية فهي لا يمكن أن تضيع الفرصة، حيث كشف مدير وحدة مكافحة سرقة الأثريات في سلطة الآثار الصهيونية شاي بار طوبا ل الجزيرة نت أن في حوزة إسرائيل كمّيات كبيرة من كنوز العراق التاريخية، زاعماً أن إسرائيل أبلغت الأنتربول بما لديها لكن العراق لم يبادر لاستعادتها. ولفت إلى أن تهريب الكنوز الأثرية من البلدان العربية إلى إسرائيل قد ازداد بعد الثورات العربية نتيجة الفوضى وانتشار الحفريات غير القانونية. وأشار إلى ازدياد ظاهرة تهريب المُكتشفات الأثرية من مصر إلى إسرائيل عبر سيناء غداة اندلاع الثورة. وأشار إلى أن لصوص آثار مصريين باعوا المكتشفات التي سرقوها إلى مهرّبين عمدوا إلى قصّ بعضها إلى نصفين لتهريبها داخل حقائب، ما أدّى إلى تضرّرها بشكل فادح. متاحف العالم.. عربية الغريب أن كثير من متاحف العالم ترفض اعادة الاثار لدولها الاصلية استنادا علي ما جاء في اتفاقية اليونسكو لعام 1970 التي لا تُطبّق الا على عمليات تهريب الآثار والقطع الفنية التي جرت بعد هذا التاريخ، وتخرج القطع المهرّبة قبل ذلك عن إطار الاتفاقية. متحف اللوڤر وحده يحتوي على أكثر من 5000 قطعة أثرية مصرية معروضة في 31 قاعة إضافة إلى 100 ألف قطعة أخرى في مخازنه. مدينة ليون تملك أكثر بكثير من العاصمة الفرنسية من كنوز وتحف وآثار عربية وإسلامية. ويحوي المتحف الوطني البريطاني على أنفس الآثار العربية وأثمنها من اليمن ومصر والعراق وغيرها، وعلى أكثر من 15 ألف مخطوطة عربية من أكبر المجاميع الإسلامية، ويزور المتحف البريطاني كل عام حوالي 5 ملايين سائح من كلّ أنحاء العالم، 90% منهم يقصدونه لرؤية الآثار المصرية.