قبل قيام ثورة يناير أى منذ عهد النظام السابق كان الجميع يتشدق بحرية الاعلام المصرى , والتأكيد على أن ماوصلنا اليه من حريات اعلامية لم يسبقنا اليها أحد , و وأن حرية الكلمة والتعبير والنقد مكفولة للجميع , وصدقنا ماقيل , حتى أن الاعلاميين أنفسهم صدقوا أكاذيبهم التى كانوا يجبرون على نشرها عبر شاشات التليفزيون الرسمى , ومر علينا زمن لانسمع ولا نرى فيه سوى مايسمح لنا النظام وحكومته به , فقطعت ألسنة المعارضين وغابت عنا الكثير من الحقائق وسط زخم من الأكاذيب , وتوارت عن أعيننا مساوىء النظام الحاكم حتى أستفحل الفساد , وأنتشر , وتشعب , وطال كل البلاد , واصبح واضحا لايمكن أخفاءه , ففاض الكيل , ونهض الشعب من غفوته , وخرج يطالب بحريته . فالاعلام اذن أداة خطيرة ونحن على يقين بأنه يلعب دورا كبيرا فى حياتنا وفى تشكيل الرأى العام ولا يستطيع أحدا أن ينكره فهو اذا أحسن استخدامه وتوجيهه في مجتمع ما، كان قوة دافعة كبرى للبناء والتطور والنهوض بالمجتمع فعن طريقه يسود الاستقرار وعن طريقه أيضا تسود الفرقة والانقسام . وقد ظهر دور الاعلام فى المجتمع المصرى واضحا بعد قيام ثورة يناير وكان له دورا فعالا فى دفع المصريين للخروج من حالة السلبية واللامبالاه الى حالة ابداء الرأى وحرية المشاركة السياسية ومع زيادة هامش الحرية وابدأ الرأى , لجأ بعض رجال الأعمال والسياسيين الى الاستثمار فى مجال الاعلام المرئى عبر انشاء قنوات فضائية جديدة , بعدما أن تيقنوا أهمية دور الاعلام فى التغيير السياسى , وسهولة توجيه الرأى العام لسياسات بعينها , وضرب المنافسين السياسيين ببعضهم البعض لصالح حزب بعينه , وكانت أول تلك الفضائيات التى تم انشائها عقب الثورة هى قناة ( المصرى ) التى أنشأها حزب الوفد بعد الثورة مباشرة ليستغلها في الدعاية الانتخابية للحزب في الانتخابات المختلفة، وجاءت بعدها أيضا قناة «مصر 25» التابعة لجماعة الإخوان المسلمين والتى استخدموها فى الرد على الهجمات والاتهامات الموجهه اليهم من وسائل الاعلام المختلفة , تلاها قناة «الشعب» التي يمتلكها عدد من رجال الأعمال الإخوان وأبرزهم الشيخ صفوت حجازي الى جانب العديد من القنوات الأخرى . وقد قدمت القنوات الفضائية وجبات اعلامية دسمة للمشاهدين وأهتمت بالبرامج الحوارية أو البرامج المسماه بالتوك شو وفيها تم تناول الأحداث اليومية بالتحليل والنقد باستضافة العديد من الخبراء السياسيين والاقتصاديين والاعلاميين وكذلك ممثلى التيارات الدينية سواء كانوا من جماعة الاخوان المسلمين أو من السلفيين ونالت تلك البرامج اهتماما واسعا ونجاحا كبيرا حتى أن الناس أعتادت الجلوس يوميا أمام شاشات التليفزيون لمتابعتها ولكن أدى تكرار تلك البرامج على مدار عامين كاملين وأكثر وتكرار نفس الوجوه التى تستضيفها والتى تتنقل مابين القنوات الواحده تلو الأخرى وربما فى نفس اليوم الواحد أدى الى انتشار حالة ملل من متابعتها فأنخفضت نسبة مشاهدتها وأنخفضت الاعلانات بها والتى تعتبر من أهم مصادر تمويلها . وفى تطور طبيعى لبرامج التوك شو ظهرت نوعية جديدة منها تعتمد على السخرية ونقد كل ما هو سلبى فى المجتمع وقد حققت شعبية ضخمة بل وخطفت الأضواء من برامج التوك شو القديمة التى أصابتنا بالأكتئاب والملل وأعادت للمواطنبن ابتسامتهم رغم مايعانونه فى حياتهم اليومية ورغم الأحداث الدموية اليومية المليئة بالعنف والتخريب كان من ضمن أنجح البرامج فى هذا المجال هو برنامج باسم يوسف على قناة cbc وبرنامج زلطة شو على قناة الحياة وبرنامج الليلة مع هانى على قناة mbc بالاضافه الى الحلقات الحديثة لبرنامج بنى أدم شو على قناة الحياة . تلك البرامج تناقش الواقع السياسى ولكن بشكل ساخر ولكن مازال العمل الساخر يواجه صعوبات فى مجتمعنا فلا أحد يقبل النقد بهذه الطريقه ودائما تكون النهايه هى ملاحقات قضائية لمقدمى تلك البرامج وهذا مثلما حدث مع باسم يوسف مقدم برنامج ( البرنامج ) وهو البرنامج الأكثر جدلا فى الأوساط الاعلامية والاسلامية والليبرالية فى مصر ورغم كل الانتقادات التى وجهت اليه الا أنه مازال يحصد أعلى نسبة مشاهدة وأعلى عائد للاعلانات بين كل البرامج الساخرة التى تحاول الوصول حاليا الى حجم نجاحه وشهرته . ومن وجهه نظرى فأنا أرى أن الادب الساخر أو العمل الاعلامى الساخر فن عظيم ورساله أعظم لايستطيع أى أحد كتابته أو القيام به بل هو عمل يحتاج الى موهبة وثقافة وعلم وصبر وسرعة بديهه وذكاء وقلب كبير يحتوى البشر وهمومهم فيسخر من مشاكلهم ويرسم الابتسامة على شفاههم ويحاول ازاحة الحزن والكأبة عن قلوبهم ولو حتى لمجرد دقائق معدودة وعلينا أن نقدم لاصحاب تلك القلوب الطيبه الرحيمة كل الحب والتقدير لا أن نواجههم بالسب والقذف ومقاضاتهم .