حلم السنين هذا الذى حلمه البنا و رفاقه و أتباعه من بعده بالوثوب يوما ما إلى سدة الحكم فى أكبر الدول الاسلامية فى العالم ، مصر كنانة الله فى أرضه و مهبط الوحى و الرسالات و أيضا مهد فكر جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست على يد صوفى المشرب بغية إقامة دولة الخلافة الإسلامية بعد سقوطها فى عاصمة الخلافة العثمانية .. انتظروا كثيرا تلك اللحظة لينقلوا التجربة من الفرض النظرى إلى واقع التطبيق العملي ، ثمانون عاما أو أكثر قليلا جهادا مستشريا لتحقيق هذا الحلم من وجهة نظرهم. و ما أن قامت ثورة الخامس و العشرين من يناير و لم يكن فى ثقافتهم الإسلامية يوما فكر الثورات و إنما يعهد فكرهم إلى تغيير المجتمع كله قطعة قطعة و يمارسون فى ذلك ضبط النفس و التعامل مع أى نظام بغية تحقيق مصالحهم و لهذا لم يسارعوا للمشاركة ضد نظام تعاملوا معه جيدا من قبل إلا فى اللحظات الاخيرة عندما أدركوا ان نظام مبارك سيهوى لا محالة و بلا رجعة . و استطاعوا من بعد الثورة إدارة الأرض كما ينبغى لمحترفى سياسة و تعاملوا مع كافة الأطراف التى تمسك بتلابيب الأمور فى مصر و على رأسها الإدارة الامريكية و المجلس الاعلى للقوات المسلحة. و استطاعوا الوثوب للحكم بطريقة أو بأخرى ربما تجود الأيام القادمة بتفاصيلها . وجد محمد مرسى عضو مكتب الارشاد لجماعة الإخوان المسلمين و رئيس حزب الحرية و العدالة الذراع السياسية لتلك الجماعة ، وجد نفسه على رأس هرم السلطة فى مصر رئيسا لأكبر دول الشرق الاوسط . و جاءت اخيرا الفرصة لتحقيق المشروع الإسلامى كما أدعت الجماعه عبر تاريخها الطويل. و انتظر الجميع و تعلقت العيون تجاه قصر الإتحادية لمتابعة ما سيصدر عن ممثل الجماعة الاسلامية الأولى فى العالم من مبادئ إسلامية عرف عنها الكثير و الكثير فى صفحات التاريخ الإسلامى المشرف . و ما بين حفيد عمر بن الخطاب و مرسى رسولا و أميرا للمؤمنين احيانا ، خرجت خزعبلات مؤيديه استباقا لما سيصدر عنه و ألصق محمد مرسى و مواقفه مسبقا بالإسلام و عظمائه عبر العصور حتى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم لم يسلم من تلك المناظرات فى عيون مؤيديه و مؤيدى المشروع الإسلامى أو بالأحرى " المشروع الاخوانى " . و لكن أمير المؤمنين الجديد ! خذل الجميع مبكرا وأصدر قرارت و سرعان ما تراجع عنها بعد تهديد الدستوريه العليا له بعزله و اصدارها الاحكام بإبطال قرارته و هنا وضع الجميع أيديهم على قلوبهم و لكن لم يمهل المرشح الرئاسى محمد مرسى سابقا و الرئيس الحالى أحدا للإنتظار كثيرا فقد اخلف كل عهوده الإنتخابيه لمؤيديه قبل معارضيه من إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الدائم للبلاد بل و دافع عن تشكليها بأن أصدر قرارا بقانون لتحصين وضعها الدستورى من الحل . و سرعان أيضا ما نقض وعوده فى تشكيل حكومة وحدة وطنية من كافة الاحزاب و القوى السياسية و أسند تشكيل الحكومة لوزير الرى هشام قنديل فى حكومة الجنزورى و برزت أسماء حكومته الجديده هجين ما بين فلول النظام السابق و اعضاء من جماعة الإخوان المسلمين. و قصم أول مبدئ إسلامى عرف فى التاريخ ألا و هو الوفاء بالعهد كما جاء بالقرأن الكريم " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا " على يد أمير المؤمنين الجديد و صاحب المشروع الإخوانى المستحدث ! و بعد ذلك وجه مرسى ضربة قاسمة لإستقلال القضاء عندما أصدر قرارا بشل يد المحكمة الدستورية العليا عن النظر فى حل الجمعية التأسيسية و مجلس الشورى المطعون فى صحة إتعقادهما و وجه مكتب الإرشاد كوادر الجماعة لمحاصرة المحكمة الدستورية لمنع قضاتها عن إصدار أية أحكام فى هذا الصدد و تجاوز الإسلامى محمد مرسى المدى فى التدخل السافر فى أعمال القضاة و توجيه العدالة و بعد تعيين النائب العام الجديد عضو جماعة الاخوان المسلمين و ذلك أثناء ما يعرف بأحداث الإتحادية عندما توجهت مليشات الجماعة الاسلامية لتأديب معارضيهم أمام قصر الإتحادية و أصدر مرسى فى خطاب رسمى إتهاماته للمتظاهرين بالبلطجة و التمويل من الخارج و الداخل و تجاهل إعتداءات أعضاء جماعته عليهم و هو ما قابلته النيابه العامة بعدها مباشرة بالإفراج عن كافة المتهمين الذين اتهمهم الرئيس الاسلامى الجديد بلا أدلة ! و قررت حبس أربعة أعضاء بحزب الحرية و العدالة على ذمة القضية بالإعتداء على المتظاهرين السلميين و أسقط أمير المؤمنين الجديد مبدءا إسلاميا جديدا ألا و هو العدل و هو ما جاء فى القرأن الكريم صريحا فى قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " . و هكذا توالت السقطات يوما بعد يوم أمام عظم منهج انزله الله و قزامة جماعة نسبت لنفسها و لنفسها فقط الإسلام و سارع المجتمع تلقائيا إلى الإنقسام حسب أهواء الجماعة و أزلامها ما بين ما هو إسلامى من وجهة نظرها و ما بين ما هو غير إسلامى من وجهة نظرها . و تاه الشعب المصرى و لم يجد فى لحظة ما لا رغد و لا عيش و سقط مشروع المائة يوم الرئاسى فى أول إختبار لبرنامج النهضة الإسلامى و إنهارت الخدمات و شعب فى طريقه للجوع و الكفر بكل ما هو إخوانى . و جاء التحدى الأكبر أمام الرسول موسى أو محمد مرسى كما وصفه احد موتريه ! . إنقاذ الإقتصاد المتهاوى يستلزم قرضا من صندوق النقد الدولى حسب إشتراطاته المعهوده و بفائده كما هو متبع . و يعيب الإسلاميون دائما معارضيهم بالعلمانيه و يتندرون عليهم بمعاداة المشروع الاسلامى بكونهم كفار لا يروق لهم هذا المشروع الذى ربما يولد لأول مره على أيديهم ! و العلمانية بمفهومها الواسع تعنى فصل المؤسسات الدينية عن السلطة السياسية و لما كانت جماعة الإخوان هى مؤسسة دينية فى الأساس وصلت لسدة الحكم فأصبحت كل قرارات السلطة السياسية مرهونة بتلك المرجعية إذن مرسى ليس علمانيا بمفهوم العلمانيه هذا من واقع الفرض النظرى قبل وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم و لكن عند التطبيق العملى محمد مرسى يسترجى صندوق النقد الدولى لمنحه قرض الفرصة الاخيرة . القرض ذو الفائدة الربوية خرج مرسى أمير المؤمنين مدافعا عن حله من الناحيه الدينية ليخالف نصا صريحا فى القرأن مرة أخرى و ليست أخيرة فى قوله تعالى " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " و الربا عرّفه الحنفيّة بأنّه : فضل خالٍ عن عوضٍ بمعيارٍ شرعيٍّ مشروطٍ لأحد المتعاقدين في المعاوضة. و القاعده الفقهية استقرت أنه لا اجتهاد مع نص و أيضا القاعدة الفقهية التى تقول كل قرض جر نفعا فهو ربا . إذن نحن أمام حالة فريده من حالات فصل الدين عن السياسة و تخرج هذه الحالة من مؤسسة دينية – جماعة الإخوان - ترعى المشروع الاسلامى وسط حاله من الصخب الدينى و الشعبى مفادها أن صاحب المشروع الإسلامى " علمانى " . و إذا حاولنا التعديد لتلك السقطات الإخوانيه لعجزت أقلامنا عن حصرها و لكن السؤال ما علاقة الإخوان المسلمين بالمشروع الإسلامى بعد كل هذا العرض ؟! عندما خرج عمر بن الخطاب الصحابى الجليل و أمير المؤمنين على منبر رسول الله خاطبا فى الناس ملتمسا إياهم تخفيض مهور النساء و عدم المبالغه فى زيادتها تيسيرا للنكاح كان فى وجهة نظره مجرد إجتهاد بناء على فهم الكتاب و السنه و استنادا على استقرار المصالح العامه للمسلمين و عندما راجعته إمرأة فى قوله تعالى " وآتيتُم إحداهنَّ قنطاراً " فتراجع عن إجتهاده و قال أصابت إمرأة و أخطأ عمر ، نعم أخطأ عمر بن الخطاب و لم يخطئ الإسلام فإن كان هناك أحد جدير بتمثيل الإسلام حق تمثيل لكان عمر و لكن ترفع عمر على أن ينسب خطأه المادى و إجتهاده الإنسانى فى إنزال النصوص و الاحكام إلى الإسلام و نسبه لنفسه فقط . و شتان الفارق ما بين الفاروق و بين مرسى ! و فى حروب الرده فى عهد سيدنا أبا بكر الصديق رضى الله عنه لما اجتهد فى قتال مانعى الزكاه و تبنى فريق من الصحابه الأطهار هذا الرأى و خالفه سيدنا عمر بن الخطاب و معه جمع من الصحابه أيضا لم يدعى الهرمين الكبيرين قيمة و قامة فى الإسلام صحابة رسول الله أن يكون احدهما يمثل بإجتهاده الإسلام و الا لكان الإسلام خطأ من كلا وجهتى النظر . و نسب إجتهاد أبو بكر إليه و نسب إجتهاد عمر إليه فحفظوا نعمة الله للبشريه الدين القيم من الطعن فيه و نسبا لنفسهما الإجتهاد حسب مقدرتهما فى إنزال النصوص و فهمها على الواقع . أما الجماعة المحظورة و باقى الجماعات المتحدثة رسميا بإسم الاسلام حصروا و استحوذا على الدين الإسلامى " بوضع اليد " و ما عاداهم عبدة الاوثان و ما فعل من قبلهم هذا الشين غيرهم فإستحق مشروعهم الفشل التاريخى الذى لن و لم ينساه المسلمون على مر العصور . فلا أتى مشروعهم بالعدل و لا بالمساواة و لا بالصدق و لا بالوفاء بالعهد و لا بالإحسان و لا بالأمانة و لا بالرحمة و لا بكف الأذى و لا بحق الجار و لا بحق الفقير فى حد الكفايه و لا أطعموا الطعام و لا أجاروا الضعفاء من بطشهم أو من بطش غيرهم . كل هذه المعانى و غيرها مما جاء بها القرأن الكريم و سنة النبى الكريم هى المشروع الإسلامى و إن حق التعبير من يأتى بها فقد أقام شرع الله و نهجه و دينه الذى إرتضاه لعامة البشرية رحمة منه سبحانه لهم لا عذاب لهم . و ربما يأتى هذا الرجل من على منصة الازهر الشريف منبر العلم قريبا ليقيم مبادئ الإسلام الحنيف فى كنانة الله فى أرضه ليعلن حتى بعد سقوط المشروع الإسلامى المتأخون المشوه .. انه لم و لن يسقط الإسلام .