بدون سبب علمى أو تاريخى مفهوم يحلو لبعض المثقفين عند الإشارة لمصر الحديثة الإشادة فقط بعهد محمد على باشا الألبانى والأسرة الحاكمة التى خلفها بعده مع حنين لما اصطلح على تسميته بالفترة شبه الليبرالية مابين عامى 1919 وحتى 1952 متجاهلين الفترة من 23 يوليو 1952 حتى 13 مايو 1971 الفترة التى اصطلح على تسميتها تاريخياً بالحقبة الناصرية ولأن التقييم التاريخى للحقب التاريخية التى مرت على مصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين لا يجب أن يخضع للأهواء الشخصية أو العواطف أو التمنيات فقد أحببت أن أوضح الحقائق التالية إنصافاً لتاريخ مصر وليس انحيازا لأحد. كان حكم محمد على والأسرة المالكة قائمًا على تطوير مصر لتبقى فقط تحت رحمة هذه العائلة الأجنبية وليس لصالح أبناء مصر الحقيقيين والدليل على ذلك هو الإقطاع الذى نشهد استعادته لأنفاسه مرة أخرى استشرت خلال حكم تلك الأسرة عملية نهب مصر وتفكيك كل مكتسباتها وقد تجلى ذلك مبكراً منذ قبول محمد على لمعاهدة لندن 1840 وصولاً لتخريب كل ما أقامه إلى حفر قناة السويس بدماء المصريين ثم بيعها للأجانب حتى تم احتلال مصر عام 1882 برعاية الخديو توفيق ، وبخصوص ما تم بعد ثورة 1919 فلا بد من التذكير أن تلك الثورة الشعبية العظيمة فشلت فى كل المجالات سياسياً لم تحقق الاستقلال الوطنى واقتصادياً كانت مصر ملكاً لسبعة آلاف شخص معظمهم أجانب من شتى الجنسيات ويهود واجتماعياً ظل التفاوت الاجتماعى هائلاً بين من يملكون كل شىء ومن لا يملكون أى شىء وعسكرياً فقد نشأت إسرائيل واستولت على 78% من أرض فلسطين التاريخية فى ظل تلك الفترة وتحت حكم الملك فاروق وقد استمر ذلك الفشل حتى 23 يوليو1952 عندما ثارت المؤسسة العسكرية المصرية الشريفة الوطنية لتحقيق آمال وأهداف كل مصرى ومصرية.
فكانت ثورة 23 يوليو 1952 عندما أطاحت «بالملكية الفاسدة» التى توارثتها مصر منذ عهد محمد على وحتى خلع فاروق.
كانت تلك الثورة الخطوة الأولى فى مشروع متكامل للنهوض الوطنى والقومى على المستوى العربى والإفريقى والإسلامى والدولى، مشروع مازالت نظم حاكمة فى المنطقة، تخشى من أهدافه خوفا من تطلع الشعب، مرة أخرى - لاستعادته - حتى تطيح بكابوس ثقيل يرقد على صدور شعوبهم، فالمشروع الوطنى الذى جسدته ثورة 23 يوليو 1952 كان يتمثل فى إعادة إحياء حق المواطن المصرى فى حياة كريمة فى إطار حر.
وكان قانون الإصلاح الزراعى وإقرار نسبة الخمسين فى المائة عمال وفلاحين وتحرير الوطن من استعمار عسكرى استمر سبعين سنة فى خلال سنة ونصف فقط ثم تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (باختصار قناة السويس) وبذلك تم فتح بنك مصرى كان يدر مليون جنيه سنويا وأصبح يدر اليوم حوالى ثلاثين مليار جنيه مصرى
وتم بناء سد عالى حمى مصر من فيضانات عالية وسنوات قحط.
وزادت الرقعة الزراعية واختير كأعظم مشروع هندسى تنموى فى القرن العشرين ومازال يحمى مصر حتى الآن من الجفاف والفيضان. كما تم بناء مشروع صناعى متكامل متدرج وصل إلى تحقيق بداية حقيقية للتصنيع الثقيل أى صناعة الصناعة متمثلا فى مؤسستى الحديد والصلب والألومنيوم.
وليس انتهاء بتصنيع الطائرة القاهرة200 وحلوان 300 التى تسعى ألمانيا اليوم سنة 2013 الحصول على وثائق تصنيع هذه الطائرات لأنها تصلح لليوم.
فى تلك الحقبة كانت مصر بالاشتراك مع كل من الهند والصين تسير فى خطوات متوازية ومتساوية من أجل المشروع النووى وفى صناعة الصواريخ.
أما المشروع القومى العربى والإسلامى فتمثل فى بداية تطوير الأزهر الشريف حيث الإسلام الوسطى لينتشر عربيا وإفريقيا وأسيويا وعالميا علاوة على تطوير الخريج ليكون مهندسًا وزراعيًا وتجاريًا ومنحت ثورة 23 يوليو 1952 المرأة المصرية التى تمثل نصف المجتمع كل حقوقها الاجتماعية والسياسية وحقها فى العمل.
أما المشروع القومى فقد تمثل باختصار شديد جدا فى وحدة عربية وان تعرضت لمؤامرات اعترف بها ملوك النفط علنا بل ولجأوا إلى مصر بعد ذلك عندما تم خلعهم فى بلدهم كما تعرضت هذه الثورة القوية الناجحة للعدوان أكثر من مرة حتى تنكسر شوكة القومية العربية وتتقوقع مصر داخل حدودها الإقليمية كما يريدون الآن تحت حكم القطبيين حسب المخططات الأمريكية الصهيونية.
وبالرغم من كل تلك المؤامرات فقد حققت هذه الثورة تنمية اقتصادية حقيقية حسب تقرير البنك الدولى الأمريكى بتاريخ 1976 أكرر 1976 يعنى بعد رحيل قائد الثورة جمال عبد الناصر بست سنوات وجاء فيه إن مصر حققت تنمية اقتصادية حقيقية بنسبة6.7% فى السنوات 1960 \1965.
وعلى المستوى الثقافى والفكرى والفنى أطلقت ثورة 23 يوليو فيضان الإبداع المصرى فى شتى المجالات فشهدت تلك الفترة أعظم الروايات والأفلام وأعذب الألحان وأجمل الأصوات وأروع الأغانى وذروة الإبداع فى الفن التشكيلى المصرى وأوسع عملية نشر للثقافة بين جموع الشعب على امتداد مصر
وفى مجال العلم والتعليم شهدت تلك الحقبة مجانية التعليم وتقليص نسبة الأمية بالمجتمع من 80% قبل 1952 إلى 50% عام 1970 كانت ثورة 23 يوليو 1952 تجربة عظيمة فى تاريخ الشعب المصرى والأمة العربية وعلى أى مقياس تاريخى فهى تمثل أمجد وأعظم صفحات تاريخ مصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين فى النهاية لن يصح إلا الصحيح مهما حاول البعض تجميل حقب مظلمة فى تاريخنا الحديث للانتقاص من ثورة 23 يوليو 1952.