كشف التقرير النهائى لنتائج بعثة تقصى الحقائق من 4 منظمات حقوقية فى أحداث بورسعيد الأخيرة، والتى توفي خلالها 42 شخصاً، بينهم اثنان من ضباط الشرطة، بعد أن أوصت إحدى المحاكم في 26 يناير 2013 بالحكم على 21 من سكان بورسعيد بالإعدام لارتكاب جرائم قتل فى قضية"مذبحة بورسعيد"، إلى أن الشرطة فتحت النار حين تعرضت لإطلاق نار يوم 26 يناير، فقتلت وجرحت عدداً من المحتجين والمارة. كما استخدمت الشرطة الطلقات الحية في اليومين التاليين، حين كان التهديد الواقع على الأرواح غير واضح في أفضل الأحوال. وقالت المنظمات إن تحقيق النيابة المبدئي في أحداث بورسعيد شابته مخالفات إجرائية، تشمل الاحتجاز التعسفي ومزاعم بالتعذيب، لم تبدأ النيابة التحقيق في الأحداث قبل 29 يناير، فأدى التأخير لمدة 3 أيام إلى إعاقة التحقيق من البداية، حيث لم يزر وكلاء النيابة مسرح الأحداث ولا أشرفوا على تشريح الجثث، مؤكدة أن وكلاء النيابة أخفقوا في استدعاء ضابط شرطة واحد لاستجوابه بشأن استجابة الشرطة، فلم يستجوبوا سوى السكان ال36 المعتقلين حتى الآن بتهم حيازة واستخدام أسلحة نارية.
وأشارت المنظمات أن ما يقرب من سبعة رجال مجهولي الهوية فتحوا النار على الشرطة أمام سجن بورسعيد العمومي يوم 26 يناير، وكان هذا بعد وقت قليل من قيام قاض بالحكم على 21 من سكان المدينة بالإعدام في العاشرة صباحاً، مديناً إياهم بالمسئولية عن جرائم قتل وقعت في استاد لكرة القدم يوم 1 فبراير 2012، و تمكن المسلحون الذين استخدم بعضهم أسلحة آلية من قتل 2 من ضباط الشرطة وجرح 10 آخرين، وهو متناقض مع ما زعمت وزارة الداخلية أنه محاولة فاشلة لاقتحام السجن.
وأكد أن الشهود إن الشرطة ظلت تطلق النار على الناس فى محيط السجن العمومى لما يناهز الساعة بعد توقف النيران الموجهة إليها، فتسببت فى عدد من الوفيات والإصابات.
وقال 5 شهود على الأقل للمنظمات إنهم شاهدوا عربات شرطة مدرعة تتحرك عبر شوارع بعيدة عن السجن وبداخلها أفراد شرطة يطلقون النار عشوائياً على المارة، ما أدى إلى سقوط وفيات وإصابات أيضاً.
وقال أحد كبار مسئولي الأمن في بورسعيد لإحدى المنظمات: "لم يُقتل أحد ممن أطلقوا النيران على الشرطة، ونحن الآن نقبض عليهم بناءً على ما التقطته كاميرات المراقبة".
وأكد الدكتور عبد الرحمن فرح، مدير المستشفيات بمديرية الشؤون الصحية في بورسعيد، أن الأغلبية الساحقة من القتلى قتلوا بطلقات حية. وأصيب معظمهم في النصف الأعلى من الجسم، 11 منهم في منطقة الرأس والعنق، فيما أصيب اثنان بطلقات في الرأس من الخلف.
فيما قال طبيب شرعي قام بإجراء بعض عمليات التشريح إنه بخلاف رجل واحد توفي بنوبة قلبية نجمت عن التعرض المفرط للغاز المسيل للدموع، فإن الآخرين جميعاً أصيبوا بطلقات من عيار 7,62 ملم التي تستخدمها الشرطة، إلا أنها أيضاً متاحة على نطاق واسع في السوق السوداء.
وخلص الطبيب الشرعي إلى أن معظم قتلى يوم 26 يناير أصيبوا من مبعدة ومن أعلى، بما يدل على احتمال إصابتهم من قبل رجال الشرطة الذين تمركزوا فوق سطح السجن وأطلقوا النار على الحشود بعد أن بدأ الهجوم على السجن.
ومن خلال مقابلات مع العديد من الشهود الذين كانوا في مسرح الوقائع، ومضاهاة أقوالهم بمقاطع الفيديو المصورة في بورسعيد، تمكنت المنظمات الأربع من جمع أدلة تشير بقوة إلى أن الشرطة قتلت بالرصاص عدداً من العزل.
وقال أحمد يحيى، وهو أحد الشهود، إنه شاهد تامر الفحلة، حارس المرمى السابق بفريق المصري البورسعيدي لكرة القدم، يصاب في عنقه، وإنه لم يكن يستخدم العنف أو السلاح: “أصيب أمامي مباشرة. كان يتطلع فقط من خلف أحد المباني حين أصيب من اتجاه السجن”. وتبين السجلات الرسمية لمديرية الشؤون الصحية أن سبب وفاة تامر الفحلة هو "طلق ناري أسفل الرقبة".
قال شاهد آخر اسمه منتصر إنه شاهد ضابط شرطة يطلق النار على طفل في التاسعة.
وأشارت سلوى السيد قزاز، والدة أحد المتهمين ال21 المحكوم عليهم بالإعدام، إنها بدورها شاهدت الطفل يصاب بالرصاص: "كنت أرى ستة ضباط على سطح السجن يطلقون الرصاص. بدأ إطلاق الرصاص من سطح السجن. وأطلق أحدهم النار على طفل في التاسعة كان يقف أمام مبنى على الجهة المقابلة من السجن. سقط الطفل على الأرض وكان ينزف من فمه، وكان هناك رجل خرج من أحد المباني يحمل كيساً به حليب، فأُطلقت عليه النار بدوره وانسكب الحليب، وعند هذه اللحظة جرني الناس بعيداً".
قال ثلاثة شهود إنهم شاهدوا الشرطة تطلق النار على رجل أعزل في مقعد متحرك كثيراً ما كان يحضر المظاهرات ومباريات الكرة في بورسعيد.
وتوحي الأدلة بإخفاق الشرطة في إطلاق النار عند الضرورة القصوى فقط، وبأنها في بعض الحالات أطلقت النار على أشخاص من الواضح أنهم لا يحملون سلاحاً، وبدت وكأنها تطلق النار على نحو يتعمد الإيذاء. قال خمسة شهود على الأقل إن ضباط الشرطة كانوا يطلقون الذخيرة الحية على نحو يبدو أنه عشوائي باتجاه المناطق السكنية، وفي بعض الحالات دمروا واجهات المتاجر وجرحوا وقتلوا بعض الأشخاص.
قال أحمد سعيد، الذي أجريت معه مقابلة في المستشفى حيث كان يتلقى العلاج من جرح ناجم عن طلق ناري في رئته اليسرى:"أعمل في “سوق التلات”. كنت أسير في شارع محمد علي، ولم أكن قريباً من السجن بأي حال، وبينما كنت أسير فجأة وجدت عربة شرطة تتقدم نحوي. وفجأة استدارت العربة وأصبت برصاصتين. كما أصبت أيضاً بالخرطوش".
وشابت التحقيق مخالفات وأخطاء إجرائية من البداية، كما قالت المنظمات، ففي 30 يناير أمر المحامي العام لنيابات بورسعيد أمير أبو العز بحبس المحتجزين لمدة 4 أيام، لكن مسئولي الأمن أخفقوا في عرض المحتجزين على قاض في نهاية تلك المدة لتجديد الحبس، وبدلاً من أن يأمر القاضي بالتحقيق في مكان المحتجزين وظروف حبسهم، أجّل جلسة التجديد لمدة أسبوع، في الجلسة التالية، يوم 9 فبراير، أمر القاضي بتمديد حبسهم لمدة 15 يوماً أخرى.
وقال نيازي إبراهيم يوسف، وهو محام آخر يمثل المحتجزين، إن معظمهم تعرض للتعذيب بما فيه الصعق الكهربي والجلد، وقدم طلباً لمكتب النيابة في بورسعيد يوم 10 فبرايربعرضهم على الطبيب الشرعي، وهو ما رفضت النيابة أن تسمح به.
واتهمت النيابة المشتبه بهم ال22 بقتل البلكي، أحد ضابطي الشرطة المقتولين يوم 26 يناير، عمداً مع سبق الإصرار والترصد، وقتل ال26 مدنياً الذين ماتوا في محيط سجن بورسعيد. قالت المنظمات إن هذه التهم مؤشر مقلق على عدم استعداد النيابة لمحاسبة ضباط الشرطة أو الإقرار بدورهم في العنف.
ودعت المنظمات الأربعة السلطات المصرية إلى أن تضمن قيام قاضى التحقيق بإجراء تحقيق محايد ومستقل فى أحداث بورسعيد، ومحاكمة أى شخص تظهر ضده أدلة بارتكاب أى جرم، بما فيه القتل غير المشروع أو الاستخدام غير المشروع للقوة، مؤكداً أنه ينبغى أن يشمل التحقيق دور مسؤولى الأمن الذين أمروا بذلك الرد أو شجعوا عليه، أو أخفقوا فى ممارسة الضبط اللازم للقوات على مدار أيام العنف الثلاثة. كما ينبغى إنصاف ضحايا أى انتهاك لحقوق الإنسان وعائلاتهم وتعويضهم بشكل ملائم.
وحث التقرير الرئيس محمد مرسى على إعطاء الأولوية لإصلاح قوات الأمن المركزى. ومراجعة الأوامر التى يصدرها مسؤولو وزارة الداخلية للقوات على مستوى الشارع، وأن يأمر الوزارة علناً بالالتزام بالمعايير الدولية فيما يتعلق باستخدام القوة والأسلحة النارية، وخاصة مبادئ الأممالمتحدة الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية، بدلاً من تشجيعها وتوفير الغطاء السياسى لها.
وطالب بتعديل المادة 102 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لعام 1971 بحيث تقصر استخدام القوة المميتة على حالات الدفاع عن النفس أو الآخرين ضد تهديد وشيك بالموت أو بالإصابة الخطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تتضمن تهديدا جسيما للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل الأخطار المذكورة ويقاوم سلطة الشرطة، حينما يثبت عدم كفاية الوسائل الأقل شدة لتحقيق هذه الأهداف، والتشاور مع مقرر الأممالمتحدة الخاص المعنى بحرية التجمع وتكوين الجمعيات بشأن كيفية ضمان أمن المتظاهرين وتنظيم الاحتجاجات السلمية.
وأوصى بإلغاء مرسوم وزارة الداخلية رقم 156/1964 الذى يسمح باستخدام الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، وإبداله بآخر يتفق مع المعايير الدولية للحفاظ على الأمن، حيث تحظر هذه المعايير استخدام الأسلحة النارية والذخيرة الحية فى مواجهة المظاهرات والاضطرابات العامة، وتلزم الشرطة فى جميع المواقف الأخرى باستخدام القوة المميتة فقط بالقدر اللازم لحماية أرواحهم وأرواح الآخرين.
وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إنه بناءً على الأدلة المتوافرة نلاحظ استخداماً غير مشروع للقوة، حيث ظلت الشرطة تطلق النار بعد توقف التهديد الموجه ضدها بوقت طويل. وإذا صح هذا فإن هذا الاستخدام غير المشروع للقوة المميتة ليس إلا الأحدث من نوعه فى قائمة طويلة من الحالات التى أظهرت فيها الشرطة ميلها الخطير لتجاوز القوانين التى تلتزم بحكم واجبها بحمايتها.
يذكر أن المنظمات الأربع كانت أوفدت فريقاً من الباحثين لبورسعيد لمدة 3 أيام بدأت فى 27 يناير الماضى، وجمعوا أدلة من شهود العيان، وزاروا المستشفيات وأجروا المقابلات مع الطواقم الطبية والخبراء الجنائيين والمصابين وعائلات الضحايا، كما زاروا موقع إطلاق النار وراجعوا مقاطع فيديو وحصلوا على تقارير الصفة التشريحية وشهادات الوفاة.