وشعبها متمسك بثورته على الظلم والطغيان ولو أدى ذلك بهم إلى الموت في سبيله..
مص لن تكون دولة يحكمها العسكر بعد ما دفَعتْ ثمنا غاليا في سبيل الحصول على حريتها..
لقد ضَحْت بكل غالٍ ونفيس من شبابها؛ في سبيل أن تكون الكلمة العليا في يد شعبها..
الثورة لم تُجهَض رغم أخطاء ثوارها، ورغم غباوات الإعلاميين، الذين تاجروا بها، وتخبط النخبة الذين كانوا "نَكبة" على مصر وثوتها البيضاء.
تلك أولى رسائل المصريين الذين خرجوا في كل ميادين التحرير في طول البلاد وعرضها، وهم يوجّهونها للمشير ولقادة المجلس العسكري.
ولأن المنطق السوي يقف بجوار كل ضعيف، وضد كل متكبر، وكل متجبر ولو كان مظلوما يريد أن يقتص من ظالمه، هاجمت في كثير من مقالاتي ذلك التعالي والصلف والغرور الذي أصاب الطلائع من شباب الائتلافات الذين ظهروا في الإعلام، ونقدت دكتاتوريتهم ومحاولتهم فرض الرأي على جموع الشعب..
كما هاجمت أولئك الإعلاميين الذين لم ينظروا لمصلحة مصر وبحثوا عن مصالح شخصية وتسجيل مواقف تبدو بطولية تعجب الثوار.. وكنتُ بيني وبين نفسي أتلو آية ربي، ولطالما تمنيت أن يسمعها معي شبابنا الثائر:"ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشِهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام"...
وكثيا ما دافعت عن كرامة الجندي المصري، وكرامة الزي العسكري، والحقيقة أنني وأنا أدفع الإهانة عن المجلس العسكري لم أكن أبرر خطاياه وأخطائه، بل كانت عيني على الوحدة ولم الشمل، كما كنت أدافع عن قيم الثورة النبيلة..
كنت أتذكر سلمية ثورتنا، وأتذكر بعد رسول الله، وعفوه وتسامحه، أولئك العظماء من الزعماء الروحيين مثل غاندي، الذي واجه بالسلم واللا عنف أعتى انواع الاحتلال، فخرج ببلاده من سطوتهم وجبروتهم، ولكنه بين ذلك كان يقول لبني شعبه: "نحن لا نبحث عن ثأر وانتقام، حتى لا يخرج المحتل من بلادنا، فتحتل الكراهية قلوبنا"!
طوال الوقت وأنا أدرك أن هذا الصوت، هو أهم ما افتقدته الثورة المصرية، تمنيت أن تصل هذا المعاني وهذه القيم لشبابنا، لنتبع في ثورتنا خطوات المرسلين. غير أننا لم نجد وسط الأصوات العالية المتعالية والمتاجرة إلى ذلك سبيلا.
واليوم، ومن هذا الموقع البعيد القريب أقف اليوم مدافعا عن قيمة من أهم قيم الحكم الرشيد، التي أهملها المجلس العسكري، وهي الاستماع لصوت الشعب، واحترامه، وتقديره، والاستجابة إليه..
وأوجِّه حديثي للمشير طنطاوي، باعتباره الأمين على هذا البلد وعلى شبابه وعلى مقدرات المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد. وأقول له:
يا سيادة المشير نحن لا ننكر أن قواتنا المسلحة بقيادتكم حمت الثوة وانحازت للشعب، فترك الناس الميدان ثقة فيكم وأملا في أن تعبروا بها لبر الأمان.. ويقينا فأنا لا أشكك في وطنيتك، أو حرصك على هذا البلد، ولكن الأمور وصلت لمرحلة تجعلي أقف ومعي كثير من جموع الشعب وقد أصبحوا لا يولونكم هذه الثقة إلا وهم متريبون، ولا يستمعون قولكم إلا وكثير منهم بحصافتكم وإدراككم للخطوة التالية لا يؤمنون.
لقد أسديتم الأمر في كثير من مراحل ما بعد الثوة إلى غير أهله.. فتخبطت سفينة الوطن في بحر لُجي.
انسقتم لمصلحة الأحزاب حينا، ولأقوال الشباب حينا، فبدوتم في كثير من قراراتكم المصيرية وكأنكم غبتم عن المصلحة العليا لهذا البلد، ولم تُوفَقُوا في أن تخططوا لمرحلة العبور بالوطن من الشك لليقين، ومن الخوف للأمن، ومن الفرقة للوحدة والتجمع حولكم.
كانت الوعود كبيرة، والآمال المنعقدة فيكم عظيمة بعظِم الثورة، ولكنكم فعلتم ما رأيتم ورأى مستشاروكم غير ذوي الخبرة أنه في صالح مصر، فكانت النتائج كما تبدو الآن؛ معضلة تجعل الحليم حيرانا، مما يدفع الكثيرين لأن ينظروا إليكم وكأنكم تخذلون شعبكم، وتتركونه شيعا وأحزابا.
يا سيادة المشير
سأكون واضحا شديد الوضوح، فأقول لك إن الذي يدفعني اليوم لتوجيه رسالتي إليك هو ما رأيته في الميدان يوم الجمعة..
رأيت مصر تتمزق..
وشباب الثورة الذين لم يجد صوتهم سبيلا إليكم واستجابة منكم، يواجهون شباب الثوة من الإخوان..
رفقاء الأمس هم فرقاء اليوم..
رأيت فتنة تتحمل أنت والمجلس العسكري مسئوليتها. فماذا أقول وأنا أرى شباب البلد الواحد يتعاركون، ويتنابذون، وأنت تجلس في مكتبك لم تحرك ساكنا ولم تخرج بكلمة لوأد هذه الفتنة..
تحمَّل مسئوليتك التاريخية يا سيادة المشير، فقد فُتِحت لك ولمجلسك العسكري أبواب التاريخ وها أنتم تغلقونها بلا سبب مفهوم.
إن شعب مصر وكأنه ظل يستلهم روح نبي الله نوح أيام مبارك..
كان يبني سفينته في صحراء..
وكان الذين يمرون عليه يرونه خاملا أو خاضعا أو خانعا أو ضعيفا.. وهو من الصابرين..
وقد جاء الطوفان يا سيدي..
غرق من غرق، وهلك من هلك، وظننا أنك ستقود السفينة حتى تستوي على جودي العزة والكرامة والبداية الجديدة..
فإذا بنا نرى الشباب يصطدمون بكم أنتم..
وإذ بنا نراك في جمعة العزة والكرامة تتركهم يتخبطون، ويتنازعون، ولزمت الصمت، وأهملت الملايين التي كانت يوما ما تهتف لك، وهي اليوم تهتف ضدك..
ثم بعده بيومين تجتمع بالمجلس الاستشاري لبحث سبل الخروج من الأزمة!
هذا تماما ما فعله مباررك ورجاله يا سيدي..
فلا تتشبه بمن خرجت عن طاعته وخرج الشعب عن حكمه..
إن الحلول أمامك كثيرة، والاقتراحات واضحة، وأبسطها أن تعلن عن جدول زمني واضح ترسله لمجلس الشعب حتى يُقره، ويبين عن جديتكم في سماع صوت الناس والاستجابة لمطالبهم.. أو الإسراع بفتح باب الترشح للرئاسة، أو أيا ما تختار من حلول! ليست تلك المشكلة...!
أقسم لك أن ليست تلك هي المشكلة، ولكن المشكلة الحقيقية هي أن تصم أذنيك عن صوت شباب مصر، وميادين مصر التي تعبر عن ضمير هذا الشعب وحلمه الكبير..
الطوفان الثوي لم ولن يتوقف يا سيدي..
ولا عاصم اليوم من أمر ربي إلا من رحم!
اركب مع شعب مصر يا سيادة المشير..
أكررها، يا سيادة المشير اركب معنا..
ولا تأوي إلى جبل الإخوان.
فإنه أبدا لن يعصمك من الماء!
المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر عن راي او توجه الموقع