كنت ضيفاً فى حفل استقبال أقامه مجلس كليفلاند فى أوهايو فى الولاياتالمتحدة لبعض قادة الأعمال من عدة دول مختلفة عندما التقيت عدد من الصحفيين الأمريكيين المشاركين فى الحفل فى حلقة حوار جانبية عن الدور الامريكى فى مصر وكيف يرى المصريين هذا الدور , وكعادتى لم أخفى اى من انتقاداتي لأداء بعض الدبلوماسيين والساسة الأمريكان وتصريحاتهم فى بعض القضايا المثيرة للجدل فى مصر وهو ما لاقى منهم إنصات مثير للدهشة جعلنى أشعر كأنهم يسمعون هذا الكلام لأول مرة , تذكرت هذا الموقف وانا أتابع توابع زيارة السيدة كلينتون لمصر وما صاحبها من انتقادات واسعة لبعض تصريحاتها قبل وأثناء زيارتها وبخاصة فيما يتعلق بدور مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة , والحقيقة ان هذه الزيارة سبقتها تصريحات للسيد الرئيس محمد مرسى فسرها البعض عل أنها طلب للاستقواء بالخارج , هذا الاستقواء الذى طالما رددت الجماعة ومرشدها انتقاد النظام السابق بسببه وها هى اليوم تشرب من نفس الكأس الذى سقته لمبارك ونظامه . وفى هذا الإطار لكى نكون منصفين يجب أن نحلق فى السماء لننظر للعالم من منظار أكثر أتساعاً ونرى الدولتين معاً من مكان واحد مرتفع , فمصر دولة إقليمية كبرى تربطها حدود جغرافية مع إسرائيل الفتاة المدللة للولايات المتحدة , وفى نفس الوقت أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان وقناة السويس تمر عبر أراضيها وملف فلسطين ملف مصري خالص مهما عبثت فيه أموال آيات الله أو شيوخ الخليج , وحول مصر وفوقها تقع الولاياتالمتحدة فإذا كانت أراضيها بعد المحيط الاطلنطى فأن قواعدها حول مصر وتحت المحيط وفوقه وأساطيلها كل البحار والمحيطات هى قواعدها الدائمة والسماء هى قاعدة طائراتها وأقمارها الصناعية التى لا تفارقها ليل نهار, هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك مبنى فى واشنطن العاصمة يعمل بالتوازى مع هذه القوة العسكرية وبتنسيق كامل معها هو الخارجية الأمريكية وقد التقيت عدد من مسئوليها واستطيع أن أقول أن عدد منهم من غير المختصين بالشرق الأوسط معظم معلوماتهم عن مصر مصدرها وسائل الإعلام , وهؤلاء بعضهم يأتي إلى مصر للعمل فى واحدة من اكبر سفاراتها فى المنطقة وهو ما يأخذنا إلى محاولة لفهم بعض أسباب الفشل الامريكى فى التواصل مع القاعدة العريضة من الشعب المصرى ؟ فأول هذه الأسباب من وجهة نظرى هو ضعف الأداء السياسى لبعض الدبلوماسيين الأمريكان فى مصر فلم يعد هناك هنرى كيسنجر الوزير المخضرم العالم ببواطن الأمور فى مصر وأصبح لدينا جيل من الدبلوماسيين لم يعش فى مصر كثيراً وهؤلاء هم أول راسمي الصورة للمسئول الجالس فى الخارجية الأمريكية فى واشنطن والذى يترجم الصورة التى تنقل إليه من سفارة بلاده إلى تصريحات ايجابية أو سلبية بمقاييسنا نحن لا هم , فأي خطأ فى تصريح فهو خطأ راجع إلى مصدر المعلومة , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن الولاياتالمتحدة فى مصر سياستها يراها الكثيرين قائمة على دعم اى نظام قائم طالما يدور فى الفلك الامريكى دون التعويل كثيراً على رأى الشعب فى هذا النظام سواء بالسلب أو الإيجاب , ونظرة إلى الحاضر والماضى القريب تقول ان هذا الرأى يعبر عن جزء كبير من الحقيقة , فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد بعض الحركات الإسلامية التى كانت تصنفها الولاياتالمتحدة كحركات معادية لها وتشكل خطراً على أمنها القومى قد حل بعض أعضاءها ضيوفاً على حفل الاستقبال الذى أقامته السفارة الأمريكية فى مصر بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال أو على مبنى الخارجية فى واشنطن , فبمجرد تغيير المسمى من حركة أو تنظيم إلى مسمى حزب تغيرت النظرة إليهم رغم ان الأشخاص هم أنفسهم لم يتغيروا فالذى تغير هو محل الإقامة والعمل السياسى من تحت الأرض إلى فوقها سواء كانت الإقامة الجديدة فى شارع مجلس الشعب أو فى العروبة. واذا كان بعض الساسة الأمريكان يتحملون جانب كبير من هذا الفشل فى التواصل فأن المصريين المحسوبين على الجانب الامريكى يتحملون هم أيضاً جانب آخر من المسؤولية , فقد لاحظت فى أكثر من مناسبة جمعتني بعدد من المصريين و الأمريكان معاً ان بعض المصريين يحاولون قول ما يعتقدون ان الأمريكان يريدون سماعه , وهذا خطأ يضر بالطرفين معاً , أضف إلى ذلك ان بعض البرامج والمنح الأمريكية الموجه للمجتمع المدني تعمل بصورة شبه منعزلة عن أجهزة الدولة وهو ما يجعل هناك العديد من الهواجس والتساؤلات حولها , أما على المستوى الرسمى فهناك علاقات تحالف أستراتيجى بين الدولتين وبخاصة فى مجالي الأمن والتسليح وهم ما يجعل بعض كبار المسئولين معتقدين ان هذا التحالف أقوى من أى أزمة قد تحدث نتيجة تصريح من هنا أو من هناك وهذا من وجهة نظرى خطأ جسيم , فالشعب المصرى واحد من أكثر شعوب الأرض متابعة للشأن السياسى ولديه حساسية شديدة ضد اى مساس بكرامته أو استقلالية قراره , ولكن إصرار بعض الساسة الأمريكان على الحديث على الهواء بنفس طريقة الحديث فى الغرف المغلقة يؤدى إلى تعقيدات كثيرة . ومن هنا أعتقد ان كلا الجانبين عليه دور فى إعادة بناء العلاقات بين الدولتين على أسس سليمة قوامها هو الاحترام الحقيقي المتبادل والشفافية والحوار البناء بين الفاعلين فى كلا الدولتين دون استثناء , ومن اليوم فى الحكم غداً سيكون خارجه , فالأنظمة ترحل وتبقى الشعوب.