أوردت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالًا لطارق رمضان ، المفكر الإسلامي المصري السويسري وحفيد حسن البنا ، تحدث فيه عن الارتباك الذي يسود مصر والأحداث التي طرأت في الأسابيع الأخيرة على الساحة السياسية وسيطرة الجيش دائمًا على الوضع في البلاد. فقد أشار طارق رمضان إلى أن الحشد الشعبي الذي بدأ في الخامس والعشرين من يناير 2011 تمكن من خلع الرئيس حسني مبارك وتقويض نظامه الديكتاتوري. وكان التفاؤل حاضرًا في كل مكان ، حيث أن "الربيع العربي" يرى النور و"الثورة" تسير في طريقها والشعب تغلب على الديكتاتور وبدأ مسيرته نحو الحرية.
وكانت الأصوات التي تنادي بتحليل معطيات المعادلة السياسية الوطنية والإقليمية تتعرض للنقد وتم استبعادها لأنها سبب في تشاؤم خطير أو متواطئة في المصالح الغربية. والأخطر من ذلك – على حد وصف الكاتب – أنه قيل أن تلك الأصوات أعربت عن تشككها من الشعوب العربية وقدرتها على التحرر من الديكتاتورية وإملاءات القوى الكبرى.
ولكن ، أوضح طارق رمضان أن المصريين تحرروا بأنفسهم مثلهم مثل التونسيين واليمنيين وامتلكوا مصيرهم. فالشك يرجع إلى الشك في الذات وفي "الإنسان العربي" والشك في معنى التاريخ ، والشك في الواقع كان "مذنبًا".
وأشار المفكر الإسلامي إلى أن الوضع في مصر يتطلب منا التغلب على التفاؤل العاطفي الذي ساد في الشهور الأولى من أجل العودة إلى دراسة أكثر منطقية وعقلانية للأحداث والتحديات. ومنذ بداية الانتفاضة الشعبية ، يجب ملاحظة أن المؤسسة الوحيدة التي لم تفقد أبدًا السيطرة على الوضع هي الجيش. وكان الجيش قد قرر في البداية عدم التدخل (على غرار المثال التونسي) وترك الشعب يتظاهر حتى سقوط الديكتاتور.
ثم رافق بل قاد بعد ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة كل خطوة من خطوات اعادة بناء المؤسسات : الانتخابات البرلمانية واللجنة المسئولة عن صياغة الدستور الجديد وإضفاء الطابع الرسمي على الأحزاب السياسية ومرشحها في الانتخابات الرئاسية ومحاكمة الرئيس السابق. ولم يفقد الجيش السيطرة على تلك الأمور وكان يفرض في كل خطوة على ممثلي المجتمع المدني والأحزاب السياسية التعامل معه.
فقد تحاور المرشحون المختلفون – الإخوان المسلمون والسلفيون على حد سواء – واطمأنوا وحددوا شروط الاتفاق المحتمل مع المؤسسة العسكرية التي يجب أن نذكر – على حد وصف طارق رمضان – أنها لا تمثل فقط "القوات المسلحة" في مصر ولكنها تمثل سلطة مالية لديها مصالح قوية في العديد من مجالات الاقتصاد المصري.
وخلال الأسابيع الماضية ، تسارعت الأحداث وما كان ملحوظًا في الكواليس ظهر في الوقت المناسب والمحسوب. حيث أن اللجنة المكلفة بصياغة الدستور تم الحكم بعدم دستوريتها ووقفها ، وتم إدانة حسني مبارك وتبرئة نجليه قبل عدة أيام من الجولة الأولة التي أعطت انتصارًا للإخوان المسلمين.
ولم يتردد المسئولون في الجيش عن الإعلان عن أن الانتخابات الرئاسية مؤقتة ويجب العودة إلى صناديق الاقتراع عنداعادة الدستور والبرلمان في فترة تصل إلى ستة أشهر. ولكن سيمارس الرئيس المنتخب في حكم دون سلطة وتكون لديه سلطة رمزية دون حكم.
ويجب أن نذكر أن هناك مصالح قوية تربط الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالمؤسسة العسكرية المصرية منذ عدة عقود ، وأن الوضع في مصر مثير للقلق بشكل كبير ، مثلما هو الوضع في سوريا وليبيا واليمن والبحرين وبشكل أقل في تونس.
وتسائل طارق رمضان "أين ذهب الربيع العربي؟" فالثورة الحقيقية الوحيدة التي تحققت هي "الثورة الفكرية" ، فقد أدركت الشعوب أنهم يستطيعون أن يصبحوا سادة مصيرهم وأن يطيحوا بالطغاة. ولا يعد ذلك شيئا وذلك هو شرط الثورات الاجتماعية والسياسية التي نطالب بها.
وأشار المفكر الإسلامي إلى أنه عندما تبدو القوي الكبرى متفقة على عدم التوصل إلى حل بشأن سوريا ، وعندما يدعي الحلفاء السابقون للطغاة أنهم أصدقاء الشعوب والديمقراطيات ، عندما لا يتم الفوز بأي شئ على الساحة السياسية ، يتعين على الشعوب أن تبقى محتشدة وألا تتخلى عن أي شئ وأن تتفق على أولويات المقاومة الديمقراطية.
وفي النهاية ، أوضح طارق رمضان أنه إذا أرادت طاقة الانتفاضات أن تتحول إلى قوة ثورية ، يجب أن تقول الأصوات التي نسمعها في ميدان التحرير أن أملهم في نهاية النظام ولكن يجب أن يحددوا بشكل أوضح الأولويات الوطنية والإقليمية لمقاومتهم. فإن الحشد الشعبي ضروري ، في الوقت يتعين فيه اقامة المشروع الثوري.