قبل أن ابدأ مقالى هذا وأعرض عما يدور بداخلى وددت أن أطرح هذه المقولة العظيمة التى تعلمت منها الكثير ولا زلت أتعلم ((ما عرفت مثيلاً للصابونة في نكران الذات فهي تذيب نفسها .. لتُزيل أوساخ الآخرين !!! )) هل فكرنا ذات يوم أن ما نعيشه الأن من أحداث متتالية من نزاع وخلاف وتقاتل على السلطة سببه الرئيسى هو حب الذات ، وحب الظهور ، وحب الهيمنة والسيطرة على الآخرين ، وحب الرئاسة والسيادة على الناس ، وحب الإستبداد والعناد والتشبث بالرأي ، وحب الجاه ، وحب التأمر والتحكم بعباد الله ، وحب الجلوس على كرسي الرئاسة ، ولا شك أن حب الزعامة والقيادة من أشد الغرائز المغروسة في جسم الإنسان وأقواها بل إنها أقوى من غريزة حب المال ، والطعام والشراب .
إنها متغلغلة في كيان وفي جينات ومورثات الإنسان ، منذ بدء الخليقة ، وفي سبيل تحقيقها يضحي الإنسان ، بماله وولده وزوجته ونفسه ، إنه يقاتل إلى آخر رمق ، وإلى آخر قطرة دم ، كما حصل بالقذافي حيث قاتل وقاتل للحفاظ على منصب ملك ملوك أفريقيا أو ملوك الدنيا حتى قُتل أبشع قِتلة .
ومن هنا نلاحظ أنه حينما تكون هذه الغريزة متواجدة بأعلى طاقتها وقوتها ، وأوج سطوتها وعنفوانها في حاكم ما في هذه الكرة الأرضية ، فإن الشعب المحكوم لدى هذا الحاكم المعتوه المفتون بسطوته وجبروته وقوته يعاني كل أصناف الذل والعبودية ، والهوان والظلم ، لأنه لا يريد ولا يقبل ، ولا يستسيغ ، أي مخلوق يعترض على حكمه ، أو يبدي مجرد ملاحظة على حكمه ، وإذا ما تجرأ هذا الشعب المضطهد المعذب أن يتحرر من طغيانه واستبداده ، تعرض للقتل والذبح ، والقمع والتنكيل
ومن هذا المنطلق يجب أن نتعلم كيف يكون نكران الذات الذي يعني التغلب والسيطرة على غريزة حب الذات وكسر جماحها . إنه لمن الضروري جدا ، أن نسعى كلنا وخاصة الاحزاب والائتلافات والكيانات السياسة بشكل عام ، والساعين للقضية الراهنة والاحداث الحالية نحو التغيير- وأوجه لهم الرسالة بشكل خاص لانهم هم المدافعين عن القضية وبما إن الإنسان هو في نهاية الأمر قضية وإذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية..فا لأجدر بنا أن نغير المدافعين..بدلاً من تغيير القضية - ، الى أن نتعلم من هؤلاء الشهداء ، الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الحرية ، ما كانوا يطمعون إلى منصب وزاري ، أو جمهوري ، أو إداري ولا إلى جاه أو سلطان ، ما كانوا يريدون إلا الحرية ، ولا يهتفون إلا للحرية ، في معظمهم أناس بسطاء من عامة الشعب ، تنكروا لذاتهم ، وقمعوا غريزة حب الذات ، وحب الحياة ، واستعلوا عليها ، وحلقوا بأرواحهم إلى السماء ، طالبين أكبر من الدنيا وما فيها ، إنهم لا شك ولا ريب ، هم العظماء وهم السلاطين ، وهم الملوك الذين يجدر بنا ، ويتوجب علينا ، أن نطأطئ رؤوسنا ، مهابة لهم ، وإجلالا واحتراما ، وتقديرا لتضحياتهم الكبيرة ، فهم بحق سادتنا وأسيادنا ، رغما عن أنوفنا ، ورغما عن جميع المستكبرين والمتكبرين والطواغيت .
إن لم نهيئ أنفسنا من الآن ، ونروضها ونهذبها ، ونربيها على نكران الذات ، والعمل لهدف أسمى وأعلى من الذات ، العمل لأجل إرضاء الله تعالى أولا ، ثم لخدمة بلدنا ، وتنميته وتطويره ، وتقويته ، الذي هو بحد ذاته كافٍ لوحده أن يعطينا عظمة ، وذكراً حسناً عند الله ، ثم عند الناس أكبر بكثير مما لو حرصنا ، وتكالبنا وتنافسنا على إبراز ذاتنا ، وهل هناك شرف أعلى وأسمى ، من أن يكون الإنسان خادما للشعب ؟؟؟
أقول إن لم نفعل من الآن ، على تجهيز النفوس على الديموقراطية ، وبقينا نركز وندور حول الذات ، ونختلف على المناصب والكراسي ، فسيحصل اقتتال وتسال دماء قد – لا سمح الله – تكون أشد من الآن ، وأحداث أفغانستان بعد تحريرها من الإحتلال السوفياتي في عام 1989 ليست ببعيدة عنا ، وكيف حصل الإقتتال وسالت الدماء بين الأفغانيين أنفسهم حتى تمكنت حركة طالبان بعد خمس سنوات من السيطرة على بقية الحركات الأخرى وتحقيق السلام في عام 1994.
إنه علينا من الآن واجباً كبيرا ، أن نحصن أنفسنا من الإنزلاق ، مرة أخرى ، وراء تعظيم وتضخيم الذات ، وأن نرفض رفضاً قاطعاً ، ظهور أي شخص ، فيه مظاهر أو ملامح أو سمات الإستبداد والسيطرة والهيمنة على الناس ، ولو كان هذا الشخص من أعظم عظماء الدنيا ، ونابغة وفريد عصره وزمانه ، ولو كان يحمل أعلى شهادات الدنيا ، و علينا ألا نسمح له بالتحكم فينا برأيه الشخصي فقط .
فالثورة ليست كلمات او شعارات ، بل انها نهر احمر يتغذي في نكران الذات وتجسيد الفكرة ، فاذا كنا نبحث عن أعظم وسيلة لجلب العون والتوفيق الرباني فهى تتأصل فى نكران الذات وتأسيس التوافق وتحقيق التوحد بين أفراد المجتمع. فغنيمة التوفيق لها غُرمُها. وغُرمُها هو ترسيخ الوعي الجماعي، والحفاظ على سر التوافق وروح الاتفاق، والابتعاد عن كل نزاع وشقاق. فإذا أصبحنا كيانا متوحدا وكلاًّ متوافقا، فسوف تتنزل علينا من اللطائف الالهية والامدادات الربانية ، وسوف نمتلك القدرة على رفع أحمالٍ أثقلَ من جبال الدنيا ، أما إذا زال التوافقُ وتبخّر الاتفاقُ، ولم يبق سوى بضعة رجال ضعافٍ من حولنا، فلن يأتي المدد الإلهي حتى لو بذلنا قصارى جهودنا. فإننا إن قطعنا حبل الاتفاق فيما بيننا انتَسفتْ مناجمُ قوتنا ومنابعُ طاقتنا، وكنا سببا في انقطاع غُيوث الرحمة علينا والعون لنا. لذا، يجب أن نركز جهودنا كلها لكي نبقى متماسكين تماسك الفولاذ ومشدودين إلى بعضنا كالبنيان المرصوص.
ومن هنا فإن اللطف والسند الذي ينزل على الأفراد لن يداني حجمَ اللطف والسند الذي ينزل على الجماعة المتوحدة أبدا، حتى وإن كان هؤلاء الأفراد عمالقة في العلم والعرفان، جبالا في الزهد والتقوى، وحيدي أزمانهم في مواهبهم الذاتية وإقبال الناس عليهم وتقربهم من الله جل وعلا.
ولما لا اذا ا اردت ان ارى الدنيا من علو وانت تخاف المرتفعات ماذا افعل انزل اليك ام تصعد الي لما لا نمد ايدينا وندعها تتشابك ونلتقي في منتصف الطريق هل ساتنازل عن كرامتي ان اتجهت بضع خطوات باتجاهك. هل ستقف محبتنا المفرطة للانونية ( الانا ) امامنا ام سنجعلها نحن ونعبد بها الطريق قد نزرف الدموع ، ننزف الدم ، تنهار بعض الاحلام ، ولكننا سنصل لنهاية الطريق ونترك لزينة الحياة ابنائنا بناء من جديد .