صورة واحدة، ضربة أو اثنتان، ووجع يعم بيتا وشارعا وبلدا. ما حدث في السويس – رجل مُسن على كرسي الحياة، يعاني السكري وارتفاع الضغط ويغسل كُلية، يغدو ضحية ليد خشنة أمام عين ابنته – ليس مجرد حادث فردي. هو مرآة مجتمع يفضح هشاشة منظوماته القانونية والأخلاقية، ويعري مدى الفجوة بين نصوص القانون وروح العدالة. الضرب ليس فقط اعتداء على جسد ضعيف، بل هو اقتراب من سلطة رمزية؛ عندما يرفع مستأجر أو مالك أو صاحب سلطة يده فوق كبير في السن، فهو لا يوجع لحما ودما فحسب، بل يخدش كرامة وطن بأكمله. ضرب "أبو شنب" – بهذه الصورة التي تناقلها الناس والقلوب معلقة – نزل على وجه كل مصري عنده ذرة نخوة؛ نزل على وجه الدولة التي تفترض أن تحمي الضعيف قبل القوي؛ ونزل على ضمير المجتمع الذي كثيرا ما يتواطأ بالصمت. لو نظرنا إلى الحكاية من زاوية العدالة الاجتماعية، فهي تعكس فشلا مركبا؛ فشل في تطبيق قوانين الإيجار التي تفترض أن تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وفشل في منظومة الرعاية الصحية والاجتماعية التي تترك كبار السن عرضة للعجز والإهمال، وفشل في ثقافة إنسانية تضع المال فوق الكرامة. لا عذر هنا للفظاظة؛ ولا فسحة للقول إن "هذا سوء تفاهم". أن يضرب صاحب عقار رجلا في الخامسة والستين أمام ابنته – وعلى منبر الكرامة الإنسانية – جريمة أخلاقية قبل أن تكون جنائية. وهنا يلوح فى الأفق لى أن ما حدث كان سببه قانون الإيجار الجديد ..وهنا الربط بين الحادث وقانون الإيجار الجديد ليس كلاما طرفيا؛ فالقوانين حين تكتب لتنظم السوق يجب أن تتضمّن آليات حماية واضحة للمستأجر، خصوصا الفئات الهشة. إذا كان القانون الجديد يهدف إلى تنظيم الحقوق والواجبات، فلابد أن يحتوي على بنود تعالج حالات الإخلاء القسري، وتحد من استغلال الضعفاء والمرضى، وتفرض عقوبات رادعة على الاعتداء الجسدي أو النفسي من قبل المالك. وجود نص قانوني جيد بلا تطبيق صارم، أو بدون شبكة حماية اجتماعية حوله، يظل مجرد حبر على ورق. وهذا الحادث من ناحية #البعد_الاجتماعي؛ فما أسوأ من أن ينتزع العون الإنساني من شخص في حاجة؟ أن يختزل السؤال عن العدالة إلى مجرد "شكاوى" تنسى. الغضب الذي تضمنته رسائل الناس – الدعوة أن ينشر اسمه، أن يسحب الشراء من محلاته، أن يحاسب – هو رد فعل على إحساس جماعي بأن القصاص القانوني وحده لا يكفي، وأن العقاب الاجتماعي جزء من الردع. ولكن علينا أن نحرص ألا يتحول هذا الغضب إلى عدالة موازية تخرق القانون بذاتها؛ فالتغيير الحقيقي يحتاج إلى مؤسسات تعمل، وقوانين تطبّق، ومجتمع يعرف. ومن ناحية #الأثر_الإنسانى له كلمتان؛ الألم والفخر. ألم لأن ابنته شهدت اعتداء على من علموها أن يحترم كبار العائلة؛ وفخر لأن المجتمع لم يغلق عينيه، ورفع صوته دفاعا عن إنسان منهك. لكن الفخر لا يعفي أحدا من السؤال: كيف نمنع تكرار هذه المشاهد؟ كيف نجعل من القانون سدا يحمي الضعيف؟ كيف نبني شبكة دعم لكبار السن ذوي الأمراض المزمنة؟ ومن ناحيتى اقترح حلولا عملية (قانونية واجتماعية) قابلة للتفعيل من الآن منها: 1. توثيق الحادث طبيا وقانونيا: تقرير طبي وصورة للإصابات، محاضر لدى الشرطة، وسرد شهود العيان – كل هذا يبنى عليه مسار قضائي مضبوط. 2. متابعة النيابة العامة لفتح تحقيق عاجل وإحالة مرتكب الاعتداء للمساءلة الجزائية والمدنية. 3. الضغط المدني.. حملات توعية عن حقوق المستأجرين، ومقاطعة تجاريةٍ قانونية لمحلات صاحب الفعل المشين كأداة ضغط اجتماعي (ضمن الأطر القانونية). 4. دفع الجهات التشريعية والتنفيذية لمراجعة بنود الإخلاء والحماية في قانون الإيجار الجديد، وإدخال آليات حماية عاجلة لكبار السن والمرضى (حماية من الإخلاء التعسفي، منازعات سريعة، دور متابعات اجتماعية). 5. دعم مؤسسات الرعاية المدنية والنقابات والمنظمات الحقوقية لتقديم مساندة قانونية واجتماعية للضحايا. #في_النهاية_بقى_أن_أقول ؛ ليست العدالة انتقاما، بل تصحيح مسار. أن يقاضى الجاني ويسحب منه غطاء الافتراء على الإنسانية ليس فقط لإرضاء ضميرٍ مجتمعي، بل لضمان ألا يصبح هذا المشهد طبيعيا. أن يتم تعديل القانون وتفعيله، وأن ننشئ آليات تحمي الضعيف، هي الأعمال التي تحول غضبنا إلى فعلٍ بنّاء. نحن أمام اختبار؛ هل سنترك هذه الصورة تمحى بانقضاء الأيام، أم سنحول الألم إلى صيرورة تغير؟ إن كان لنا شرف وضمير، فالواجب أن نطالب بالعدالة، ونصلح ما انكسر من مؤسساتنا، ونعلم أن الكرامة ليست بضعة جنيهات تداس تحت قدم الاستعلاء.