استكمالاً لما بدأته في مقالي السابق بالحديث عن مرشحي الرئاسة ، وكنت قد اخترت الحديث عن الأمور التي يتغاضي عنها الناس في هذا الشأن وحددتها في عنصرين هما: الأول هو " مِن اختيارك ، اعرف أسلوب حياتك وأهدافك" والذي تحدثت فيه عن اختيار كلا المرشحين لرمزه الانتخابي ودلالة هذا الاختيار. الثاني هو " تكلم حتي أستطيع أن أري ذاتك " وهو ما سأُفرد له الحديث هذه المرة، حاولت إحصاء عدد المرات التي تحدث من خلالها كلا المرشحين فوجدت أن المرشح الأول المشير عبد الفتاح السيسي قد تحدث مرتين وحتي تاريخ كتابة المقال، وذلك مع الإعلاميين "لميس الحديدي" و"إبراهيم عيسي" في إحدي القنوات المصرية وحديث أخر كان قد أجراه مع الإعلامية " زينة يازجي" علي إحدي القنوات العربية، أما المرشح الثاني وهو حمدين صباحي فقد وجدت له ما لا يقل عن عشرة أحاديث سواءً قبل البدء الرسمي للدعاية الانتخابية أو بعدها. وفي كلام كلٍ منهما ماذا وجدنا: أولاً: تحدث المشير عبدالفتاح السيسي كعادته حديثاً هادئاً لا يخلو من إظهار المشاعر سواء بحركة اليدين أو العينين خصوصاً عند مبدأ حديثه عن القوات المسلحة وعلاقته بالشباب وهنا أود أن أسجل إشادة بالمخرج وخاصة في لقائه الثاني لما له من حنكة في استخدام الكاميرا لرصد التعبيرات والمشاعر والتي قد تفشل الكلمات في التعبير عنها وهو ما أكسب المشير السيسي تعاطف الكثيرين. ولقد اتضح جلياً للمتابعين أننا أمام رجل اعتاد الصمت والاستماع أكثر مما اعتاد الكلام بل الأكثر من ذلك إنه حال البدء في الرد علي كل سؤال يعطي نفسه لحظات تشبه التأمل وهي في حقيقة الأمر تكون فرصة لمعرفة اتجاه محاوره والغرض من السؤال ولأي مدي سيصل بهم الحوار وهي علامة جيدة علي التأني والفهم الواضح كما أنها مؤشر علي أنه لم يكن يعلم بالأسئلة مسبقاً. إلا أن هذا الأمر لا يرضي رغبة البعض في رئيس مُفوه لا يعدم الكلام ولو للحظات. يتميز الرجل بالقدرة علي ضبط انفعالاته جيداً مع القدرة علي الرد السريع والحاسم خاصة فيما يتعلق بالقضايا القومية والإنسانية والعروبية وهو ما ظهر أكثر من مرة في حواريه خصوصاً في رده علي "إبراهيم عيسي" بقوله "مش هسمحلك تقول كدا تاني". الرجل تعامل كرجل دولة حقيقي فبدأ بعرض الاستراتيجيات العامة مع الاحتفاظ بالكيفيات والتفاصيل التي لن يفهمها سوي المتخصصين والتي لن تستوعبها مدة الحوار. أما ما خُفي من الرجل وأظهرته الحوارات والكاميرا فهو كالآتي: هو رجل خجول للغاية خاصة عند الحديث عن نفسه أو أسرته. متواضع فلم يستغرق في الحديث عن نفسه بتفاخر عندما ذكر محاوراه مواقفه الوطنية بل أنه وبسرعة قام برد الفضل فيها لتوفيق الله وإرادة الشعب. هو هادئ النفس، يعاف التجريح والخوض في الآخرين حتي وإن خاضوا هم في حقه وهو ما وضح في رفضه الهجوم علي المرشح المنافس بل حياه علي شجاعته وأكد علي احترامه. طريقة جلسته توحي بالانضباط الشديد فهو لم يضع قدماً علي قدم ولو لمرة طوال مدة حديثه. هو شديد التأدُب (لم يقاطع أحاديث محاوريه بل انتظر وطلب حق الرد كما قال "انتوا مش عاوزين تسمعوا ولا إيه. كما أنه لم يسمهم بأسمائهم المباشره وخاطبهم بكلمة الأستاذ والأستاذة). وزع نظره بين المحاورين في لقائه الأول (وليس لصاحب السؤال فقط) مما يُعني احترامه للأخر ولو حتي بالتواصل البصري. هو يؤمن بما لديه من وطنية وحب لهذا البلد وبما تأصل بوجدانه من أخلاقيات وقيم دينية وسبيله في تحقيق ذلك هو ثقته بالله والذات (سواء ذاته الشخصية أو الذات المصرية) مع العمل. هو يجعلك تقتنع أنك لن تحصل منه علي أي معلومات إلا بالقدر الذي سيسمح لك به. هو مستوعب لكافة التحديات الداخلية والخارجية مع القدرة علي ضبط الأمور من خلال مساراته المتوازية التي ألمح لها كثيراً. بالإختصار كان حديث الرجل هو مزيج إنساني لرجل يملك الكثير من الفكر والإرادة مع الإعتياد علي بذل الجهد والعمل بالإضافة لثقته التامة في الله وقدره وثقته في عظمة الشعب وإرادته. ثانياً: تحدث حمدين صباحي كعادته حماسياً ونشيطاً يراهن علي الثورة وشبابها ويداعب آمال الفقراء في حديث للقلوب لم يخلو من التعريض بالأنظمة السابقة وأنه القادم من رحم الثورة ليحقق للشعب المكلوم آماله وتطلعاته وبالرغم من ضعف مستوي محاوريه أو ربما لموالاتهم له ولأفكاره سار الحديث من اتجاه واحد. هو خطيب مفوه مما لا شك فيه قادر علي استخلاص الكلمات وصياغتها في استرسال يُحمد عليه مهما طالت مدة الحديث. هو سريع الردود علي الأسئلة فهل لأنه مذاكر أم لأنه يعلم الأسئلة مسبقاً؟ هو لم يترك فرصة للكلام إلا وتكلم فيها ولم يترك فرصة لمقاطعة محاوره إلا وقاطعه حتي أن الكاميرا كانت تثبت عليه لدقائق دون أي تواجد أو تداخل من محاوره. هو يملك نزعة للاعجاب والتفاخر بذاته ولن أقول "نرجسية" ولكنها الذات متضخمة لديه بشدة مما جعله غير قادر علي ضبط الحديث عند الحوار عن الشركاء في ثورة الثلاثين من يونيو. التركيز مع التكرار علي تاريخه النضالي أضاع منه وقتاً كان هو الأولي باستثماره في الوصول إلي قلوب الناس. هو خاض في الأخرين بمن فيهم المرشح المنافس بلا أي ضبط للكلمات ولا أدعي وأنا أقول أنه سقط سقوطاً مدوياً بذلك (حتي وإن فاز في الانتخابات) فالمرشح الأخر يُعتبر للشعب كعودة الروح للجسد وعند إظهار احترامك له فأنت بذلك تحترم الشعب وليس الأخر فقط. رؤيته للأوضاع الداخلية والاقتصادية تنبع من رؤية أحادية المنبع وهي التفكير الاشتراكي وربما لا نكون مبالغين إن قلنا التفكير الناصري وهي رؤي لا تخلو من الرومانسية ولكن التاريخ أثبت أنها دوماً تتحطم علي صخور الواقع. هو أسرف في الوعود (خاصة للشباب) مما أكسبنا شعورين مختلفين وإن كان كلاهما سلبيا فإما ان يكون واثقاً من الخسارة فيحاول كسب أي أصوات بذلك وإما أنه غير مدرك لبنود الصرف في الموازنة العامة للدولة. توجد لديه شبه رؤية للتحديات الخارجية وإن كانت قاصرة وغير متعمقة فلم يتعرض لمفاهيم الأمن القومي وكيفية الوصول لشراكات متوازنة مع كافة الأطراف الخارجية. وفي النهاية ماذا وجدنا؟ وجدنا رجلاً يجيد إدارة الحوار وقيمة الوقت وكيفية استثماره واستغلاله الاستغلال الأمثل مع تيقٌن الجميع من قدرته علي العمل الدؤوب والجاد بالإضافة لحمل الأخرين عليه. ورجلاً آخر معجب بذاته، يجيد معسول الخطاب والاسترسال فيه مهما تطلب ذلك من وقت، بل ويَمُن به علي الشعب، ويوجه سهامه للأخر أياً كان بلا أي نجاحات ملموسة في سنوات نضاله الأربعين. والآن قبل النهاية بقليل لدينا العمل والاجتهاد مع سابقة الخبرة وضمانة وحب المصريين ولدينا الكلام والتنظير بلا أي فعل يفيد مع سابقة الخبرة في جبهة الإنقاذ التي لم تقدم حلولاً ولم تتجاوب مع الشعب فمن سنختار؟ أو بمعني آخر، فإما أن نختار المُعَلم أو اللي مش ناوي يتعلم. أما أنت عزيزي القارئ فلتحسن الاختيار ، أما أنا والمهتمون بصالح هذا البلد (وهم كثيرون) اخترنا أن يكون "هدفنا بلدنا".