إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    رئيس المجلس الوطني الفلسطيني: إدخال الخيام في هذا التوقيت مؤامرة ومقدمة للتهجير وغزة تواجه نكبات متتالية    مرصد الأزهر: تعليم المرأة في الإسلام فريضة شرعية والجماعات المتطرفة تحرمه بقراءات مغلوطة    رئيس شئون القران بالأوقاف: مسابقة دولة التلاوة رحلة لاكتشاف جيل جديد من القراء    وزيرة التخطيط تناقش تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين مصر وهيئة «جايكا»    التعليم العالي: انطلاق أولى فعاليات التدريب لطلاب مبادرة كن مستعدا بجامعات مصر    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    محافظ كفر الشيخ يدشن مبادرة لزراعة الأشجار المثمرة ضمن مبادرة 100 مليون شجرة    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    بكتيريا قاتلة مرتبطة بصابون أطباق تحصد حياة رضيعين فى إيطاليا والسلطات تحقق    الأمم المتحدة: مقتل 1760 من الباحثين عن المساعدات    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ميدو: الزمالك أفضل دفاعياً من الأهلي وبيراميدز    على خطى بالمر.. هل يندم مانشستر سيتي وجوارديولا على رحيل جيمس ماكاتي؟    أزمة الراتب.. سر توقف صفقة انتقال سانشو لصفوف روما    رئيس هيئة قناة السويس يوجه بصرف مليون جنيه دعما عاجلا لنادى الإسماعيلى    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    مصرع وإصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بطريق بنها – كفر شكر    انخفاض طفيف فى درجات الحرارة بكفر الشيخ اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    عاجل| قرار وزاري جديد بشأن عدادات المياه المنزلي والتجاري    أمن قنا يكثف جهوده لضبط مطلقي النيران داخل سوق أبودياب    رشا صالح تتسلم منصبها مديرا للمركز القومي للترجمة    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    انطلاق العرض المسرحي «هاملت» على مسرح 23 يوليو بالمحلة    25 باحثا يتناولون تجربة نادي حافظ الشعرية بالدراسة والتحليل في مؤتمر أدبي بالفيوم    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    وزيرة البيئة تستعرض تقريرا حول مخرجات مشاركة مصر في مفاوضات التلوث البلاستيكي    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة NILE وتنجح في أول تغيير لصمام أورطي بالقسطرة بالسويس    «يوم أو 2».. هل الشعور بألم العضلات بعد التمرين دليل على شيء مفرح؟    مدير تعليم القليوبية يكرم أوائل الدبلومات الفنية على مستوى الجمهورية    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق نار مع الشرطة بأسيوط    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    إعلام فلسطيني: مستوطنون إسرائيليون يقتحمون بلدة أم صفا شمال غربي رام الله    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    وزير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون مع الإمارات ويتابع تنفيذ فرع جامعة الإسكندرية بأبوظبي    وزير الصناعة والنقل يتفقد معهد التبين للدراسات المعدنية التابع لوزارة الصناعة    930 ألف خدمة طبية بمبادرة 100 يوم صحة في بني سويف    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مركز تميز إكلينيكي لجراحات القلب.. "السبكي" يطلق مبادرة لاستعادة "العقول المهاجرة"    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    إصلاح الإعلام    ما الذى فقدناه برحيل «صنع الله»؟!    7 بطاركة واجهوا بطش الرومان وقادوا الكنيسة المصرية ضد تيار الوثنية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    «ميلعبش أساسي».. خالد الغندور يهاجم نجم الزمالك    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    هيئة الأركان الإيرانية تحذر الولايات المتحدة وإسرائيل: أي مغامرة جديدة ستقابل برد أعنف وأشد    راحة للاعبي الزمالك بعد التعادل مع المقاولون واستئناف التدريبات الاثنين    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    الأونروا: معظم أطفال غزة معرضون للموت إذا لم يتلقوا العلاج فورًا    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    أخبار 24 ساعة.. إطلاق البرنامج المجانى لتدريب وتأهيل سائقى الشاحنات والأتوبيسات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من هديه في التخاطب مع الآخرين
نشر في محيط يوم 18 - 10 - 2007

من مظاهر الجمال، ودلائل الكمال، في سنة النبي «صلى الله عليه وسلم »، تلك العناية الفائقة بإبراز القيم السامية، والآداب الزاكية، وإعلاء شأنها، وجعلها سلوكاً عملياً في حياة المسلمين وتعاملاتهم.
ومن تلك القيم الحضارية الراقية التي عنيت السنة بتحقيقها: أدب التخاطب، فقد تنوعت النصوص الداعية إلى التزام تلك الآداب، وتعددت مشاهدها في سنة النبي «صلى الله عليه وسلم».
فالكلمة من جليل منن الله على عباده، فلها الأثر النافذ في القلوب، وهي أمانة أمر العبد بحفظها، كما أنها من موجبات النجاة أو الخسران، وهي دالة على عقل صاحبها، ومُنبئة عن صلاح القلب وفساده.
وهي جديرة بتلك العناية، وإن واجب أهل العلم إبراز تلك الآداب التي اشتملتها السنة، وتقريبها للناس.
أولاً: إعلاء قيمة الجمال في القول. فالكلمات قوالب المعاني ولبوسها، والكلمات الجميلة خير وعاء لحمل المعاني الجليلة، والتجمل محبوب إلى الله تعالى في كل الأحوال، كما قال «صلى الله عليه وسلم» (إن الله جميل يحب الجمال)، وجمال القول داخل في عموم الجمال الذي يحبه الله، ولا عبرة بخصوص السبب الذي ورد الحديث من أجله.
وقد اشتملت النصوص النبوية أوصافاً للكلمة النافعة، ومن ذلك: (الصالحة)، و(الحسنة)، و(الطيبة)، و(اللينة)، و(قول الخير)، وهذه الأوصاف قدرٌ زائدٌ على مجرد كون الكلمة حقاً في ذاتها، أو صدقاً في خبرها، إلى ما هو أبعد من ذلك، من جمال اللفظ، وجودة السبك، وعفة المعنى، ومراعاة حال السامع، ومناسبة الزمان والمكان، إلى غير ذلك من الاعتبارات التي متى تخلَّف واحدٌ منها، خرجت الكلمة من دائرة الحسن.
ثانياً: المحافظة على الذوق العام. الكلمة من أقوى وسائل التواصل بين الخلق، والعناية بحسن انتقائها واصطفائها، مساهمة فاعلة في نشر الذوق الرفيع بين أفراد المجتمع.
ويمكن بيان عناية السنة بالمحافظة على الذوق العام في العناصر التالية:
الأول: التحذير من الفحش في القول: وقد تنوع وسائل التحذير منه.
الثاني: التلميح فيما يستحى منه بدلاً من التصريح. عفة اللسان وطهارته تحمل المتحدث على التكنية مما يُستحى من التصريح.
الثالث التحذير من أذى المسلمين باللسان: وأصناف الأذى متعددة، ومنها: اللعن، والسخرية، والغيبة، والنميمة، وغير ذلك وجميعها ألفاظٌ تخدش الحياء، وتؤذي النفس، وتعكر الذوق العام.
ثالثاً: التنويه بخلق الصدق. فإن صدق الحديث يجعل صاحبه محلاً للثقة، فيُقبل قوله، ويُطمئن إلى خبره، ولا تتحقق هذه الطمأنينة إلا إذا كان هذا الخلق أصيلاً في نفس صاحبه، وإليه الإشارة في قول النبي «صلى الله عليه وسلم»: (ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدقَ، حتى يكتب عند الله صديقاً). وقد تنوعت الأساليب النبوية في الدلالة على أهمية الصدق ورفيع منزلته، ومن ذلك:
أنَّ الأمر بالصدق جاء في مفتتح الدعوة إلى الإسلام مقروناً بالأمر بعبادة الله.
أنَّه سبب لدخول الجنة.
أنه سبب لقبول قول المتحدث والطمأنينة إلى خبره.
أنَّ التزام الصدق سلامة من صفة النفاق.
أنه سبب للنجاة من كرب الدنيا وشدائدها.
رابعاً: إبراز خلق الرفق والأناة. الرفق جماع الخير كله، ما خالط شيئاً إلا وأفاض عليه جمالاً وبهاءً وهذا يشمل الرفق في الأقوال، والرفق في الأفعال.
خامساً: إبراز مبدأ الوسطية والاعتدال: التوسط والاعتدال صفة أصيلة في هذا الدين، وهي تشمل أصول الدين وفروعه، لا مكان فيه للجفاء والغلو. ومن الأمثلة ما جاء في أدب التخاطب: نهي النبي «صلى الله عليه وسلم» عن المبالغة في المدح، وهو محمول على المدح الذي فيه مبالغة وتجاوز للحد.
ومن الآداب التي ينبغي للمتحدث أن يتحلى بها.
أولاً: الآداب المتعلقة بالكلمة: وقد اشتملت التوجيهات النبوية المرغبة في بيان الصفات التي تجعل الكلمة نافعة لقائلها وسامعها:
ترك الفضول من القول.
ترك التكلف في الفصاحة.
توضيح المعنى.
حسن البيان: فإنَّه كالسحر الذي يسلب الألباب، ويأخذ بمجامع القلوب، وهو من أنجع الوسائل لإظهار الحق والترغيب فيه.
ترك التصريح عما يُستحى منه. فقد كان النبي «صلى الله عليه وسلم» أعف الناس قولاً، وأجملهم منطقاً، لم تجر على لسان كلمة ينبو عنها الذوق الرفيع، أو تخدش الحياء.
التَّبين في معنى الكلمة ومعرفة مآلاتها: فإنَّ دلائل التوفيق للعبد أن يتأمل في كل كلمة يلفظ بها، وأن يعرف عواقبها، فإنَّ الكلمة ملكٌ لصاحبها، فإذا نطق بها ملكته، عن أبي هريرة«رضي الله عنه» قال: قال رسول الله«صلى الله عليه وسلم»: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
الاعتناء بنبرة الصوت ودرجته. فإنَّ اعتدال الصوت له أثرٌ في سكون المحاور وحفظ وقاره، وقد كان هدي النبي «صلى الله عليه وسلم» أنَّه يتحدث بالقدر الذي يُسمع من عنده، ولا يخرج عن ذلك الأصل إلا إذا وجد ما يقتضي ذلك.
ثانيا: الآداب المتعلقة بلغة الجسد عند المتحدث:
وهذا المصطلح «لغة الجسد» من المصطلحات المعاصرة، ويراد به: أنَّ لهيئة الجسد لغة مؤثرة في نفس المخَاطبْ، وأنت تجد في بعض الأحاديث تطبيقاً لهذا المعنى:
العناية بهيئة الجسد عن الحديث: وهذه مهارة مهمة ينبغي للمتحدث أن يتقنها، فإنَّ هيئة المتحدث وقوفاً أو جلوساً، وكذلك حركة الجسد لها أثرٌ بالغ في إيصال الفكرة وتفعيلها في نفس المخاطب.
تعابير الوجه وأثرها في نفس المخاطَب: فالكلمة ليست لفظة مجردةً تؤخذ بمنأى عن هيئة قائلها، فإن المخاطب يقرأ في تقاسيم وجه المتحدث ما يستنتج منه رضاه أو غضبه.
ثالثاً: إتقان مهارات التخاطب الجيد:
الخطاب المؤثر، هو الذي يحدث أثراً محموداً في نفس السامع، ولا يكون للخطاب ذلك الأثر إلا إذا اقترن بالمهارات التي تزيده فاعليةً، وهذه المهارات تتعدد وتتنوع بحسب قدرات المتحدث وفطنته، ومراعاته للأحوال الزمانية والمكانية، وإليك بعضاً من تلك المهارات المستفادة من هدي النبي«صلى الله عليه وسلم»:
إثارة نفس المخاطب وتحفيزه لسماع ما يقال له: وهذا المسلك يأخذ أشكالاً متعددة، فمن ذلك: طرح الأسئلة على المخاطب لتهيئته لما يقال له، وهو مسلك كان يفعله النبي «صلى الله عليه وسلم» كثيراً. وقد يكون القصد من السؤال تحفيز السائل لاستنباط العلم بنفسه.
تقريب الأمور المعنوية في قوالب حسية. فكان«صلى الله عليه وسلم» يكثر من ضرب المثل لتقريب الأمر المعنوي في صورة المحسوس، فقد شبه حال المذنب بحال المغتسل في نهر غمر جار، بجامع أنَّ كلاً منها تزال عنه الأقذار.
ضبط المشاعر: المحاور الجيد هو الذي يملك السيطرة على مشاعره وانفعالاته، مهما أُلقي إليه من أقوال لا يقبلها.
مراعاة الزمان والمكان. من تمام حكمة المتحدث، أن يعرف التمايزَ والتفاضلَ بين الأمكنة والأزمنة، وأن لكل منها اعتباره، فقد نهى«صلى الله عليه وسلم» عن نشدان الضالة في المسجد لخصوصية المكان، وإن كان جائزاً في غيره. ونهى الصائم عن الجهل وعن مقابلة الساب بمثل قوله، لخصوصية الزمان.
جعل المحاور يستدل على الحق بنفسه. فالمحاور الراغب في ظهور الحق وبيانه، لا يبالي أنْ يظهر الحق على لسانه، أو أن يهتدي إليه خصمه بنفسه. فيثير أسئلةً يكون جوابها مؤدياً إلى الحق.
الفصل الثالث: الآداب المرعية في حق المخاطب:
أولاً: حفظ الحق المعنوي للمُخَاطب: ويمكن ملاحظة هذا الأمر في الجوانب التالية:
حفظ النبي «صلى الله عليه وسلم» الألقاب لأصحابها: فكان«صلى الله عليه وسلم» يحفظ للناس أقدارهم، وينزلهم منازلهم، فلما اعترض سعد بن عبادة على قول النبي «صلى الله عليه وسلم» في شأن من يجد مع امرأته رجلاً قال«صلى الله عليه وسلم»: (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) فوصفه بوصف السيادة في قومه، ولم يكن اعتراضه مسقطاً لحقه. وكان«صلى الله عليه وسلم» يحفظ لملوك الأرض ألقابهم وإن كانوا كفاراً.
النهي عن مناداة المخاطَب بألفاظٍ تدل على احتقاره. وقد جاء تأكد هذا المعنى في حق الضعفة من الناس.
تقدير اجتهاد المجتهد، وعدم التقليل من شأنه: فالإنسان إذا بذل جهداً واستفرغ وسعه في البحث، فإنَّه يتطلع إلى من يقدر هذا الجهد.
النهي عن السخرية بالمخاطب. فالسخرية أمر محرم في جميع الأحوال، ومن ذلك السخرية أثناء التحاور.
معاتبته باللطف واللين. تتنوع الأخطاء التي تقع من الناس، ويتنوع تبعاً لذلك أسلوب معالجة الخطأ والمعاتبة على فعله. فمن الأخطاء ما يقتضي مساءلة المخطئ لما يترتب على الخطأ من أحكام، ومنها يكفي فيه المعاتبة.
فلما أفشى حاطب بن بلتعة سراً من الأسرار، وطلب بعض الصحابة الإذن في قتله، فتلطَّف النبي «صلى الله عليه وسلم» معه، وسأله عن سبب فعله، فلما سمع اعتذاره قال: «صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً».
عدم التشهير به عند معاتبته: فالستر على المخطئ، من أعظم أسباب قبوله النصح، حتى باتت كلمة (ما بال أقوام)، (ما بال رجال) وصفاً غالباً لمعاتبة النبي «صلى الله عليه وسلم» لمن يقع في الخطأ من أصحابه.
الإقبال على المخاطب والإصغاء لقوله. وهذا خلق كريم ينبغي للمتحدث أن يمتثله سلوكاً عملياً عند حديثه، فكان «صلى الله عليه وسلم» يقبل على من يحدثه، وقد اعتنى الصحابة بذكر الأحوال التي أعرض فيها النبي «صلى الله عليه وسلم» عن المخاطب؛ لأنها خلاف الأصل الذي كان عليه«صلى الله عليه وسلم».
ثانياً: مراعاة الفروق الفردية بين المخاطبين:
وهذا جانب متألقٌ من جوانب عناية السنة بشأن التخاطب، وهو الاهتمام بشأن الفروق الفردية بين المخاطبين، ومخاطبة كل أحدٍ بما يناسبه. ويمكن استجلاء هذا الأدب في الأمور التالية:
الأول: مخاطبة الإنسان على قدر علمه: فكان«صلى الله عليه وسلم» يخاطب العالم بما يناسب ما عنده من العلم، فقد أخبر النبي «صلى الله عليه وسلم» معاذاً بحديثٍ وأمره ألا يخبر به أحداً غيره، لأن معاذاً عنده من العلم ما يعصمه من حمل الحديث على غير وجهه.
الثاني: التفريق بين الناس عند معالجة أخطائهم: فإن الناس تتباين أحوالهم عند ارتكاب الأخطاء، وكان الأسلوب النبوي في معالجة الخطأ متناسباً وحال المخطئ. وإليك هذه الأمثلة.
1: مخاطبة المعاند: المعاند قد أجمع أمره على عدم الاستجابة لمحاوره، فالاسترسال معه والحالة تلك، مضيعة للجهد والوقت، ولما امتنع الرجل الذي أكل بشماله من الاستجابة لأمر النبي «صلى الله عليه وسلم»، وظهر للنبي«صلى الله عليه وسلم» أنَّ الذي حمله على ذلك هو العناد والكبر، أعرض عن الاسترسال في محاورته.
2: مخاطبة المقر بخطئه: ففي حديث المسيء صلاته، كان الرجل ممتثلاً الأمر بالإعادة، ولكنه يقع في الخطأ جهلاً، مع إقراره بأنَّ هذا غاية جهده، فقد ترفق النبي «صلى الله عليه وسلم» في محاورته، وعلمه صلاته.
3: مخاطبة الواقع في الخطأ اجتهاداً: فقد سأل بعض الصحابة النبي «صلى الله عليه وسلم» أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها، وكان ذلك الخطأ ناشئاً عن اجتهادٍ منهم، فلم يزد على ذكر استغرابه من مقالتهم، وأنها كمقالة الأمم قبلهم، ولم يعنف القائلين بها.
4: مخاطبة من كان ضرر خطئه متعدياً إلى غيره: وقد كان خطاب النبي «صلى الله عليه وسلم» في مثل هذه الحال خطاباً متسماً بالحزم؛ لأن الضرر متعدٍ إلى الآخرين، فلما شكا بعض الصحابة إطالة معاذ في صلاته، قال له«صلى الله عليه وسلم»: (أفتانٌ أنت يا معاذ؟!). وبالمقابل: نجد أنَّ النبي «صلى الله عليه وسلم» يحلم على من يقع في خطأ فردي، كحال الرجل الذي أصاب من امرأة قبله، فجاء نادماً معتذراً فقبل منه. لم يعنفه.
الثالث تنوع وصايا النبي «صلى الله عليه وسلم» التي يسديها لأصحابه: فمن تأمل تباين الوصايا النبوية التي كان يسديها النبي «صلى الله عليه وسلم» لأصحابه تبيَّن أنَّه«صلى الله عليه وسلم» كان يخاطب كل أحدٍ يما يلائم حاله، فأوصى رجلاً بترك الغضب، وأوصى آخر بالاستقامة، وأوصى الأمير برعيته، وأوصى المسافر بما يلائم حاله.
ثالثاً: مراعاة الحال النفسية للمخاطب: النفس مجبولة على محبة التأنيس والتيسير، وقد أمر النبي «صلى الله عليه وسلم» أصحابه أن يكون خطابهم خطاب تيسير وتبشير، ومع هذا الأصل، فإن النبي «صلى الله عليه وسلم» يراعي أحوال المخاطبين النفسية:
مراعاة حال الملل والسآمة: فإنَّ للنفس إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً واسترواحاً، وقد كان«صلى الله عليه وسلم» يباسط أصحابه ويمازحهم، ويتخولهم بالموعظة، ولم يطغ جانب على آخر.
مراعاة حال السرور: فالنفس ترغب من يشاركها فرحتها، ولما أنزل الله توبة كعب بن مالك«رضي الله عنه» استقبله النبي «صلى الله عليه وسلم» ووجه يبرق بالسرور، وبشّره بتوبة الله عليه.
مراعاته في حالة الحزن: فالمصاب محتاج إلى تسليته، وتخفيف لوعته، وعدم مؤاخذته على ما يبدر منه لغلبة الحزن عليه، ولذا لم يعاتب النبي «صلى الله عليه وسلم» المرأة التي كانت تبكي عند قبر ابنها.
مراعاته في حالة الغضب: فمن الغضب ما يفقد الإنسان فيه سيطرته على تصرفاته، فالتعامل معه يحتاج إلى حكمة وروية، ومجانبة ما يهيج الغضب، ولما كان أبو مسعود يضرب غلامه وهو مغضب، فتعامل معه النبي «صلى الله عليه وسلم» بالرفق واللين، مما كان سببا عجله يكف عن ضربه.
مراعاته في حال المشقة والنصب: فاللحظات التي تتلو تعب النفس ونصبها، لحظاتٌ يحتاج فيها العامل إلى عبارات تخفف عنه آلامه وتزيح عنه همومه، ولذا كان«صلى الله عليه وسلم» يستقبل المسافر بعبارات تنسيه وعثاء سفره وتزيل عنه نصبه، فقد قال لوفد عبد القيس: (مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى).
الفصل الرابع: الآداب التي ينبغي مراعاتها أثناء المحاورة.
الحوار لمن أخذ بآدابه سبيل من سبل تحصيل العلم، وإظهار الحق ودحض الباطل، وترغيب الناس في الخير، ومن الآداب التي ينبغي مراعاتها:
أولاً: الإخلاص، ووضوح الهدف. فالأعمال لا تزكو عند الله إلا بالإخلاص، وأما وضوح الغاية فإنَّه من أنفع الأسباب لجعل الحوار مثمراً، ولا يذهب به في متاهات الحوار، ولما بعث النبي «صلى الله عليه وسلم» معاذاً إلى اليمن حدد له الغاية من محاورته له، وبيّن له مراحل الحوار معهم.
ثانياً: العناية بالمقدمات المتفق عليه بين المتحاورين: وهذه من أنفع الوسائل التي تضييق مساحة الخلاف، ومن التطبيقات لهذا الأدب في سنة النبي «صلى الله عليه وسلم»:
تقرير المحاور بصحة المعلومة: بأن يقرر المحاور صاحبه بصحة ما يقوله، والمثال التطبيقي في حياة النبي «صلى الله عليه وسلم» قصة الفتى القرشي الذي استأذن النبي «صلى الله عليه وسلم» في الزنا، فعرض عليه النبي «صلى الله عليه وسلم» أنواعاً من الأقيسة التي أقر بها هذا الفتى، وكان سبباً في طهارة قلبه من حب هذه الفاحشة.
تقرير المحَاور بصدق المتحدث: وهي مقدمة مهمة يحسن بالمحاور أن يسلكها في حواره، وهي خطوة في طريق الإقناع، ولما أراد النبي «صلى الله عليه وسلم» إنذار قريش، سألهم عن حاله، فقالوا: ما جربنا عليك إلا صدقا، عند ذلك أخبرهم بالحق الذي عنده.
ثالثاً: مراعاة حال المحيطين بالمخاطب: فمن اللائق بالمحاور أن يراعي أحوال المحيطين بالمخاطب، وأن يحترم مشاعرهم، ومن الأمثلة على ذلك: أنَّ النبي «صلى الله عليه وسلم» نهى أن يتناجى اثنان دون الثالث، وعلل ذلك بأنه يحزنه.
رابعاً: حسن إدارة الحوار: ويقصد به: أن يعرف المحاور متى يبدأ؟، ومتى ينتهي؟، وكيف تساق الحجج؟ وأنت راءٍ في حوارات النبي «صلى الله عليه وسلم» إجابةً لهذه الأسئلة كلها وأكثرها منها:
فنهى النبي «صلى الله عليه وسلم» أصحابه أن يدخلوا في حوار مع أبي سفيان لما كان يخاطبهم شامتاً متشفياً. وأما كيف ينتهي الحوار، فإنك تجد في الحوارات النبوية أن الكلمة الأخيرة تكون للنبي«صلى الله عليه وسلم» حيث ينتهي الحوار عندها، وربما انتهى الحوار على لسان محاوره بلفظة تدل على قبوله ورضاه
الصمدر : جريدة " البيان " الإماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.