كل يوم يتأكد لي أن مصر ليس بها أحزاب سياسية حقيقية، ليس الآن فحسب، ولكن قبل قيام الثورة، وأثناءها، وبعدها، والدليل على ذلك أنه أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك لم يكن للأحزاب دور حقيقي على الأرض، اللهم تصريحات فردية من بعض قادة هذه الأحزاب تظهر معارضتها لمبارك، ولكنها في الحقيقة كانت تتمنى مجرد الجلوس معه، فضلا عن أنه أثناء الثورة، وعند سقوط النظام، لم يثق أحد في الأحزاب الموجودة لتوليها الحكم، أو تنصيب أحد قادتها زعيما للثورة، وكان الكلام الذي يقال وقتها إن جماعة الإخوان هي الجهة المنظمة الوحيدة التي تستطيع تولي الحكم. والآن وبعد مرور أكثر من 3 سنوات على سقوط مبارك، وتوالي الحكومات المتعاقبة، ما زالت تلك النظرة كما هي، وحالة عدم الثقة في الأحزاب القائمة كما هي، ما يذكرني بعدم ثقة البعض في "اختراع الكفتة". أحدث دلائل تخبط تلك الأحزاب أن 90 بالمائة منها أعلنت تأييدها للمرشح الرئاسي المشير عبدالفتاح السيسي، بينما أعلنت النسبة الباقية تأييدها للمرشح الآخر حمدين صباحي، زعيم التيار الشعبي، رغم أن أحدا منهما لم يعلن عن برنامج انتخابي محدد حتى الآن. لا أفهم الآلية التي تعمل بها هذه الأحزاب، رغم أن المعنى الأبسط لأي حزب سياسي أنه جماعة تسعى إلى السلطة، فلا معنى إذن أن تعلن هذه الجماعة التي تشكلت في صورة حزب عن دعم مرشح رئاسي خارجها، فالطبيعي والمنطقي أن ينافس رئيس الحزب على السلطة لا أن يدعم أحدا غيره، والتفسير الوحيد لذلك هو وجود مواءمات وصفقات لهذه الأحزاب ووعود ببعض المكاسب جراء تأييد أحد المرشحين، ولا تفسير غير ذلك. هالني أيضا هجوم بعض قيادات هذه الأحزاب بضراوة على المرشح الرئاسي صباحي، عبر تصريحات لوسائل الإعلام تشكك في وطنية ونزاهة الرجل، ولا سيما مصدر تمويل حملته، فضلا عن هجوم الطرف الآخر على المشير السيسي، والتشكيك في ولائه للشعب، واتهامه بالسعي إلى إعادة شبكة المصالح لرموز الحزب الوطني، والسعي إلى عسكرة المناصب في جميع أركان الدولة فور توليه منصب الرئاسة. إلى هؤلاء وهؤلاء أقول إن تجربة الحكم القادمة لو فشلت بسبب هذه التصريحات، والعداءات التي لا تنم عن خير، فإن منصب رئاسة الجمهورية لن يصبح ذا جدوى، ولن تتقدم مصر خطوة واحدة نحو الأمام، فليعاهد كل طرف أنه في حال نجاح أي المرشحين أن يعملا سويا من أجل تحقيق أهداف الثورة، أيا كان اسم الفائز، فمن يرد خدمة المواطنين، وتحقيق تقدم ملموس على الأرض لصالحهم ليس بالضرورة يجب أن يكون في السلطة.