من المعروف ان مصر هى من ابدع الدين ومارس التدين قبل نزول الاديان السماوية . ولذا فقد أصبح الدين جزءا من التكوين الجينى للمصريين على مدى التاريخ . الشئ الذى سهل وساعد وفتح باباً لكل المتاجرين بالدين والمستغلين للتدين على مدى الازمان وفى كل الاديان . خاصة ان المعتقد الدينى يعتمد على الايمان بما لا يرى والثقة فيما هو غير مدرك والامل فيما بعد الموت . ولذا وجدنا وفى مختلف العصور حكاماً سيطروا واستبدوا وحكموا باسم الدين حتى ان الاسكندر الاكبر قد مارس هذه اللعبة مع المصريين زاعماً انه ابن الاله . ونتيجة لهذا الخلط بين ما هو دينى وما هو سياسى من الطبيعى الخضوع التلقائى لرجال الدين وفتواهم غير المتخصصة فى مجالات لا علم لهم بها فيتم خلط الدين المطلق بالسياسى المحدود فتكون الاساءة للدين واسقاطاً للسياسة فى دهاليز لا علاقة لها بها فتكون الخسارة مزدوجة . ولذا فقد عارضنا طوال الوقت اقحام الكنيسة فى السياسة تحت اى ظروف . حيث ان الدولة والكنيسة معاً قد توقفتا وتجمدتا عند ظروف طائفية وتركيبة مليه كان الزمن قد تجاوزها والتطور قد سبقها الى مفهوم المواطنة التى تعنى عدم تدخل المؤسسة الدينية فى غير دورها الروحى والوطنى . والدور الوطنى هنا غير الدور السياسى فالوطنى لا خلاف حوله اما السياسى فالخلاف جزء من تركيبته . ولذا كان من الطبيعى عندما تم تسخير الدينى لصالح السياسى وتمت السيطرة والاخونة والتمكين بأسم الدين ان يثور المصريون فى 30 يونيو على نظام الاخوان ويتم اسقاطه. وكان طبيعى ان تبدأ مراحل استكمال الشرعية الدستورية بإعداد دستور 2014 الذى يؤكد على مدنية الدولة اى عدم خلط الدينى بالسياسى حتى ان الدستور يحرم قيام احزاب سياسية على اساس دينى . ولكن للأسف ان هناك من يتاجرون ويستغلون الدين والتدين لمصالحهم الخاصة متمسكين ومتشبثين بهذا حفاظاً على تلك المصالح . فنجد ان هذا الموقف لا يقتصر على ما يسمى بالتيار الاسلامى فقط ولكن نرى بعض الممارسات من جانب رجال الدين فى الكنيسة تحسب فى اطار الخلط بين الدينى والسياسى . ومن المعروف ان ممارسات البابا شنودة السياسية كانت قد انتجت مناخاً طائفياً لم يكن فى صالح احد على الاطلاق . ولذا فبعد يناير ويونيو كان من الحتمى ان تتغير الصورة حتى يتم التأسيس الحقيقى لدولة مدنية ديمقراطية حديثة حتى لا نعطى الفرصة لأصحاب اللعب بأسم الدين ان يمارسوا دورهم والا تكون الكنيسة فى سلوكياتها هي المبرر لهؤلاء للقيام بأدوارهم . ولذا فقد تحفظنا على حضور شيخ الازهر والبابا لاجتماع 3 يوليو 2013 حيث ان هذا موقف سياسى يعنى الخلاف بين رفض وبين قبول . وقد وجدنا أن الامر لم يقتصر على هذا الحد بل وجدنا تصريحات البابا تواضروس تدخل فى صميم السياسة مما يجعل الامر يزداد توتراً وشحناً طائفياً لن يكون فى صالح الوطن. فليس من حق البابا ان يدعو لترشح السيسى او لأى مرشح اخر فهذا عمل سياسى لا يجب للمؤسسات الدينية التدخل فيه . خاصة ان جماهيرية السيسى لا تحتاج الى هذا التدخل بل يمكن ان هذا التدخل يصب فى الرصيد السلبى للسيسى فى الوقت الذى سيتم فيه استغلال هذا التدخل لغير صالح الكنيسة والاقباط والوطن بل سيزيد التفتت ويعمق التشرزم ويأخذنا الى دولة دينية قسراً الشئ الذى يجعل الدستور حبراً على ورق . فهل يمكن ان نكف عن هذا التدخل وان لا يتم خلط الديني بالسياسى فهذا الكلام وذاك التدخل فيه اهداراً للدستور واسقاطاً للديمقراطية وسحقاً للدولة المدنية وتأسيساً للدولة الدينية وتهديداً للوطن . حمى الله مصر من المتربصين بها وغير الفاهمين لمصلحتها .