حضور القاهرة فى روايات نجيب محفوظ ربما يرتبط بشكل أو بآخر بدرجة انتماء "الراوي/الكاتب" إلى عالم تلك المدينة، معشوقته الأولى التي لم يكن يفارقها إلا نادرًا والتي نسج فيها أسطورته الخاصة عبر مشروعه الروائي. هذا مما تؤكده الشاعرة نجاة علي في خاتمة أطروحتها "الراوي في روايات نجيب محفوظ"، التي نالت عنها مؤخرًا درجة الدكتوراه بتقدير "ممتاز" من كلية الآداب بجامعة القاهرة، وقد أشرف عليها وشارك في مناقشتها كل من وزير الثقافة السابق الدكتور جابر عصفور والناقد الدكتور حسين حمودة، كما شارك في مناقشتها الناقد الدكتور محمد بدوي والناقد الدكتور خيري دومة. وحصلت نجاة علي من قبل على "الماجستير" في موضوع "المفارقة في قصص يوسف إدريس القصيرة"، ولها ثلاثة دواوين :"كائن خرافي غايته الثرثرة"، "حائط مشقوق"، "مثل شفرة سكين". وأوجزت نجاة سمات الوعي المديني في روايات نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988 في عدة نقاط، منها: تمثل الراوي لقيم المدينة التي تتصف بالتنوع والتعدد، وهو ما نراه متجليا حتى على المستوى السردي في النزوع إلى "تعدد الأصوات"، انشغال الراوي بتصوير عالم القاهرة، وخصوصا الأحياء الشعبية التي تطرح - بقوة - عالم المهمشين والفقراء، وهم يمثلون غالبية سكان مصر. ولاحظت كذلك أن نجيب محفوظ استخدم الحارة بشكل يجعلها مزدوجة الدلالة، فقد تكون حارة حقيقية، وقد تكون رمزا للعالم كله يختزل فيها أسئلته وهواجسه الوجودية. وتوقفت كذلك عند ولع الراوي باللغة القرآنية وتشبعه بجمالياتها، موضحة أن التناص معها يبدو واضحًا في مواضع كثيرة، وهو ما يظهر في استخدام الراوي صيغًا لغوية تعتمد على بعض الألفاظ أو العبارات القرآنية، والتي يعمل على إعطائها معنى مختلفًا تكتسبه من خلال السياق النصى. كما توقفت عند حرص الراوى على استخدام مستوى العامية المصرية البسيطة القاهرية في بعض الحوارات، واستخدام لغة الصمت الاستراتيجي المتعمد أحيانًا في النص مما يعمق نفسيًا ودراميًا بعض اللحظات في البناء الروائي. وأوضحت الدراسة التطبيقية أن خطاب نجيب محفوظ الروائي لم يكن منعزلا أو مفصولا عن السياق السياسي والاجتماعي، بل كان متفاعلا معه.