من الآخر وقبل أي تحليل أو تأويل أو تفسير أو قراءة للعملية الإرهابية الخسيسة التي وقعت في منطقة الوراق بالقاهرة أثناء خروج ضيوف حفل زفاف من كنيستها وراح ضحيتها أربعة ضحايا من بينهم طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات وإصابة 18 رجلا وامرأة وطفلا، يمكن القول برسوخ يقيني كامل أنها تمت نتيجة تجاهل كامل من حكومة د.حازم الببلاوي لتهديدات جماعة الإخوان وحلفائها من جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي وتجلت واضحة في اعتصامي رابعة العدوية والنهضة على مدار ما يقارب الأربعين يوما، واستمرت وتجلت تدبيرا وتنفيذا عقب فض الاعتصامين، حيث تم حرق عشرات الكنائس والمنازل والمحال المملوكة للمسيحيين فضلا عن القتلى الذين سقطوا منهم. بل إن حكومة الببلاوي لم تصغ إلى النداءات والاستغاثات التحذيرية التي كان ولا يزال يطلقها مواطنون مصريون عاديون وكتاب وإعلاميون وسياسيون، من أن ترك هؤلاء يستبيحون البلاد طولا وعرضا بمظاهرات وكتابات طائفية وعدائية ومتطرفة وعنيفة ينتهكون فيها منشآت ومؤسسات الدولة والجوامع والكنائس والشوارع والميادين والحوائط والجدران، يشكل خطراً كارثياً. أغلقت حكومة الببلاوي عينيها وأصمت أذنيها عن السباب والشتائم والشعارات والنداءات العنصرية والطائفية التي تطلقها المظاهرات الإخوانية، ويكتبها أنصارها على جدران الكنائس وأبواب المحال التجارية المملوكة للمسيحيين، وزادت في عماها وصممها وتجاهلت الرسوم المسيئة التي طالت القيادات الدينية مسلمة ومسيحية، فلم تر أو تنشغل، ومن ثم لم تتخذ أي إجراءات أو مواقف حاسمة حازمة، بل ذهبت لتلقي مبادرات التصالح والمصالحة مع الجماعة عبر قنوات بعض وزرائها ومسئوليها، وحتى يوم وقوع كارثة الوراق كان أحد وزرائها يتحدث عن ضرورة حوار مجتمعي حول قانون التظاهر، وهو نفس الوزير الذي طرح أول مبادرة للمصالحة مع الجماعة الإخوانية. كانت حكومة الببلاوي تنتظر والمؤشرات تؤكدا أيضا أنها لا تزال تنتظر أن تثمر أي من مبادرات المصالحة عن تصالح يكفيها شر إرهاب الجماعة وحلفائها، ولنذكر هنا أنها ظلت تماطل و"تتلكأ" في أمر حل الجماعة الإخوانية، وأنه بعد الحكم القضائي الواضح والصريح بحلها وحظر نشاطها والانتماء إليها، ظلت مترددة ومهزوزة لأكثر من أسبوعين أو ثلاثة بحجة انتظار الصيغة التنفيذية للحكم، فلم تشرع في تنفيذه، وأخيرا رضخت تحت الضغوط الإعلامية والحزبية. قد يرى البعض أن وزارتي الدفاع والداخلية يدفعان بثقل طاقتهما الأمنية في سيناء ومدن القناة والمناطق الحيوية داخل القاهرة والمحافظات الأخرى، وكان الله في عون الوزارتين ورجالهما، نعم كان الله في عون الوزارتين فهما في حالة حرب، لكنهما مع ذلك شريكتان في المسئولين، وذلك بخشيتهما وتخوفهما من انتقال الحرب مع الإرهاب إلى العمق الأمر الذي سيتيح للمتربصين من الأوروبيين والأمريكان والطابور الخامس والسلفيين التشنيع بهما، وكانت النتيجة تأجيلهما إلقاء القبض على كوادر وأعضاء الإخوان وحلفائها، وهذا خطأ وعدم تقدير لحجم خطورة هذه الكوادر، حيث كان ينبغي أن يجري ذلك عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة مباشرة، لكن المصيبة أنه تم تأمين خروج من كانوا في كلا الاعتصامين، أيضا أغلبية هذه الكوادر مرصودة فلماذا لا يتم القبض عليها؟ ما الحكمة من تركها طليقة تمول وتشحن وتحشد وتسلح؟ ما الحكمة من ترك بؤر كالعمرانية والدويقة وبولاق الدكرور والوراق والمنيب وغيرها؟ هل لابد أن تتحول تلك المناطق إلى ثكنات إرهابية ككرداسة أو دلجا لكي تتحرك الوزارتان وتحرر أهالي المنطقتين وتطهرهما من العناصر الارهابية؟. ثم أين دور باقي الوزارات، لماذا لم يتم حتى الآن تطهير هياكل الوزارات خاصة الوزارات ذات الارتباط الجماهيري كالأوقاف والإعلام والداخلية نعم الداخلية والتنمية المحلية والتموين والتعليم والصحة والاستثمار والتعليم العالي، لماذا والأمر لا يحتاج إلى أجهزة استخبارات أو مباحث، فالكوادر الإخوانية وحلفاؤهم يرتعون ويحيكون المؤامرات ويطلقون الشائعات ويدسون على الدولة والشعب على عينك يا تاجر في كافة مؤسسات وهيئات وأجهزة هذه الوزارات. هل كان وزير الأوقاف ينتظر كارثة أو حربا طائفية ليصدر قراراً بمنع شيوخ الفتنة من أمثال محمد حسان وياسر برهامي وغيرهما من الخطابة في المساجد والجوامع؟ ومتى ينفذ قرار حظر صلاة الجمعة في الزوايا التي تقل عن 80 متراً وتنتشر تحت العمارات بمعدل كل 50 متراً في مناطق وأحياء القاهرة الراقية والشعبية والعشوائية؟ أين رقباء وزارته مما يجري؟ أين رقباء وزارة التموين من تسرب السلع التموينية على يد مسئولي وتجار وسماسرة الإخوان؟ أين جهاز التفتيش بوزارة الداخلية؟ باختصار ليس هناك جهاز رقابي أو تفتيشيا واحدا فاعلا؟ الكل "نائم في العسل" أو متواطئ أو مرتش، والنتيجة هي الفوضى والجوع والفقر فيما تجمع الجماعة وحلفاؤها المال والسلاح اللازمين لتشويه وقتل المصريين؟. كل ذلك في ظل إعلام مريض، صحفه وقنواته تشغى بالغباء المهني وبالأمية الفكرية والثقافية والدينية، إعلام لا يملك رؤية أو استراتيجة للمقاومة أو الدفاع، كل ما يملكه مجرد ثرثرات وفجاجات تحمل سقطات مروعة تزيد الطين بله وتدعم وتساند من حيث لا تدري الجماعة وتكسب لها المزيد من الحضور والقوة، فضلا عن بثه لأمراض الإحباط واليأس وفقدان الثقة والوسوسة، للدرجة التي يتساءل فيها المرء: لصالح من يعمل هذا الإعلام سواء صحفا أو مجلات أو قنوات؟ لصالح من يعبث بمصير إرادة شعبية لم تجتمع في تاريخها كله مثلما اجتمعت على الخلاص من حكم الإخوان؟ ألهذه الدرجة لم تعد هناك كوادر تملك رؤية وفكراً وثقافة ووعياً وإدراكاً، من لا يصدقني عليه بالمراجعة قراءة وسماعاً، شيء منفر ومحبط وكئيب، لنتخيل مذيعة تسأل زوجاً راحت زوجته وابنته في العملية الإرهابية التي وقعت أمام كنيسة الوراق: ما هو شعورك لفقد زوجتك وابنتك؟.. حد يرد عليها هذه المعتوهة؟!! الكل مسئول عن دم هؤلاء الضحايا، وفي رقبة كل وزراء ومسئولي النظام الحالي وأجهزته ومؤسساته، خاصة أن هناك آلاف الإشارات والإنذارات والتحذيرات، التي تؤكد أن الجماعة وحلفاءها لن تهدأ إلا بتنفيذ مخططها، قتل المصريين ودفعهم إلى التقاتل، أي دفعهم للانقسام وإشعال الحرب الأهلية والطائفية، ومع ذلك لم يتخذ قرار واحد بوقف المخطط أو حرقه قبل أن يحرق البلاد والعباد، بل ذهبت الجميع إلى انتظار مبادرات المصالحة، وتحسب لحدوثها، فيما الجماعة تملي شروطها ولا ترضى بديلاً عن عودة محمد مرسي ومرشده ومكتب إرشاده حكاما للبلاد. كل هذا التخاذل والميوعة والطبطبة و"الحنتفه" لن يفضي إلا إلى مزيد من الكوارث والضحايا.. وكما تقول أم كلثوم "للصبر حدود" فالمصريون أقباطا ومسلمين لن يستطيعوا الصبر أكثر من ذلك، فالآن يستيقظون كل صباح على دماء شهداء ومصابين جددا سواء كانت من أبنائهم من أفراد القوات المسلحة والشرطة أو أبناء عاديين.. لن يطول الحال هكذا طويلاً وعلى حكومة الببلاوي الحذر ثم الحظر قبل أن تشتعل البلاد ناراً.